الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

استفاقة قبل فوات الاوان

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

اللبنانيون منشغلون بإمكانات انتاج النفط والغاز من المياه الاقليمية اللبنانية، وحيث أن اللبنانيين عانوا الى حد بعيد من تخلي الوزارات خلال السنوات المنصرمة عن بذل مساعٍ لتطوير التجهيز البنيوي والمحافظة على البيئة، اصبح الاهتمام بما تحمله السنوات المقبلة – ما بعد سبع سنوات على الاقل – من المنافع التي يمكن ان تتوافر من انتاج النفط والغاز هو الامل الذي يتعلق به اللبنانيون لاستشعار ضوء في مستقبل حياتهم.


الامر المحير ان ثروة لبنان الحقيقية المتمثلة في تساقط المياه بوفرة على الاراضي اللبنانية والامكانات الضخمة للاستفادة من هذا العطاء لم تلقَ الاهتمام اللازم، والمشروع الوحيد الذي انجز بصورة مبتورة هو سد الليطاني.
معلوم ان عناصر الحياة هي الماء والهواء وطاقة الشمس، واهتمام المجتمعات الحديثة ينصب على الطاقة الشمسية والهوائية للابتعاد عن حرق النفط ومشتقاته والنتائج التي تصيب البيئة بالضرر. وبحلول سنة 2025 ستكفي المغرب 30 في المئة من حاجاتها من الطاقة من الطاقة الشمسية.
موضوع المياه حاز اهتمامًا كبيرًا في مختلف الدول حتى تلك التي لا تحظى منها بهطول الامطار بمعدلات وافرة، وتطورت صناعات لدمج انتاج الكهرباء بتحلية المياه وأصبحت هنالك مجتمعات ديناميكية تعتمد على هذه الوسائل لتمكين مواطنيها من التمتع بالمياه النظيفة وامدادت الكهرباء الكافية.
الوضع في لبنان كان ولا يزال مختلفًا، فموضوع المياه بقي خارج اهتمام المسؤولين، ما عدا مشروع الليطاني الذي كرّس المرحوم ابراهيم عبد العال 15 سنة لدراسته ووضع تصوره في اطار التنمية العامة في لبنان، وتأمين المياه الصالحة والكهرباء للمواطنين، ونتيجة عمله التي تجلت في الاربعينات كانت انجاز سد الليطاني، واليوم يجري العمل على انجاز جر المياه من بحيرة القرعون من علو 800 متر الى المناطق الزراعية في الجنوب اللبناني، وذلك بموجب قرض من البنك الدولي.
في المقابل، ماذا نشهد اليوم في لبنان؟ وزير الطاقة في بعلبك برفقة وزير الصناعة يؤكد ان مياه الليطاني ثروة وطنية تنساب على 130 كيلومترًا من الجمال والاخضرار الخ، وهو يتجاوز أو يتغاضى عن المآسي البيئية التي اصابت النهر من القاء النفايات المنزلية والصناعية والكيماوية وحتى نفايات المستشفيات فيه، بحيث اصبحت مياهه تحمل الامراض للبنانيين، سواء استعملوا هذه المياه او اقبلوا على الخضار الطازجة والفاكهة التي تروى بساتينها منها.
أواخر عام 2007 نشر الدكتور محمد فواز بإصدار من معهد الهندسة العالي في بيروت ESIB كتابًا عنوانه "نحو سياسة مائية في لبنان". والدكتور فواز معروف بكفاياته الهندسية والادوار التي تولاها في الادارة العامة. وتكفي الاشارة الى انه كان من 1965 والى 1974 مديرًا عامًا للتجهيز المائي والكهربائي، وما بين 1974 و1993 مديرًا عامًا للتنظيم المدني ورئيسًا للمجلس الاعلى للتنظيم المدني.
صدر قانون رقم 64/88 تاريخ 12 آب 1988 عنوانه "المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة"، والمادة التاسعة من القانون كان نصها الآتي:
"يرتكب جرم تلويث البيئة كل من:
1 - يرمي في الانهار والسواقي وسائر مجاري المياه او اي مكان آخر المواد المختلفة التي تضر مباشرة أو نتيجة تفاعلها بالانسان أو الحيوان، أو بسائر عناصر البيئة.
2 - رمي في مياه البحر مواد كيماوية أو نفايات ضارة أو غير ذلك من المواد التي تجعل استعمال البحر للسباحة أو خلاف ذلك مضراً بالصحة أو التي تؤدي الى قتل الاسماك أو الحد من تكاثرها أو افساد صلاحها كغذاء للانسان أو التي تضر بسائر الحيوانات والنباتات البحرية".
والمادة العاشرة من القانون نصت على ان "يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسة آلاف حتى خمسمائة الف ليرة لبنانية كل من يخالف احكام المواد 3 و9 أو يخالف الانظمة التي تتخذ تطبيقًا لاحكام هذا القانون". والمخالف الذي يقصد الاضرار بالبيئة كان معرضًا للسجن فترات حسب الجرم بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات.
على رغم سريان القانون منذ عام 1988، يؤكد الدكتور محمد فواز "ان جميع المدن والقرى اللبنانية تعاني مشاكل في مياه الشرب بشكل او بآخر:
- إما من نقص في كميات المياه المتوافرة فتخضع للتقنيين بدءًا بالعاصمة وضواحيها.
- وإما من نقص في الصيانة وضياع للمياه في شبكات التوزيع قد تصل نسبته الى 50 في المئة تذهب هدرًا بعد دفع تكاليف الحصول عليها، وتكاليف معالجتها وتكاليف جرها وتوزيعها بدل استفادة المستهلكين منها".
يؤكد مؤلف الكتاب – والحديث منذ عام 2007 - ان 70 في المئة من مصادر المياه المتوافرة، للري أو الشرب والاستعمال المنزلي هي ملوثة في لبنان بنسب غير مقبولة للحفاظ على الصحة. وتقدر النسبة اليوم بـ90 في المئة وقد يكون من شبه المستحيل معالجتها.
خلال عقد الخمسينات كانت ادارة كلية الثانوية العامة IC تجبرنا خلال الاشهر الممتدة من ايار وحتى نهاية حزيران على ممارسة السباحة كل يوم أربعاء بعد الظهر في مسبح الجامعة الاميركية. فالمسؤولون كانوا يعتبرون ان السباحة في مياه البحر قبالة الجامعة كانت صحية ان على صعيد التفاعل مع مياه البحر أم ممارسة الرياضة.
اليوم نشهد جماهير اللبنانيين تمارس السباحة في مياه ملوثة، وكثيرًا ما تعاني نتائج التلوث، كما ان أكل الخضار الطازجة والفاكهة دون تعقيم كثيرًا ما يؤدي الى مشاكل في الامعاء وحالات تسمم.
بلدنا الذي كنا، نحن وأشقاؤنا العرب نتغنى بخضاره وفاكهته نقاء هوائه، حرمنا هذه النعمة نتيجة اغفال المسؤولين وزراء ونواباً ومديرين عامين واعضاء مجالس بلدية ضرورة الحفاظ على بيئة نظيفة تسهم في الحفاظ على الصحة وعلى صورة البلد المتفرد بنقاوة المياه والهواء والبيئة.
السيدة ايمان عبد العال، أمام مأساة تلوث الليطاني، تجد الحل لمواجهة هذه الازمة التي لحقت بأكبر نهر في لبنان، في الاسراع في اصدار القانون المتعلق بالتلوث على الليطاني من منبعه وحتى مصبه، ونحن نؤيد توجهها ونشير الى ان قانوناً كهذا متوافر منذ عام 1988 أي منذ 28 سنة، لكن التطبيق مهمل، والاهمال هو في المقام الاول من السلطات العامة ومن بعد المواطنين. فمتى نستفيق على ان النعمة التي ورثناها قاربنا على تبديدها؟!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم