الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

زائرٌ خطير حطّ رحاله في المياه اللبنانيّة... يقتل من يلمسه ويلتهم الثروة السمكيّة

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
زائرٌ خطير حطّ رحاله في المياه اللبنانيّة... يقتل من يلمسه ويلتهم الثروة السمكيّة
زائرٌ خطير حطّ رحاله في المياه اللبنانيّة... يقتل من يلمسه ويلتهم الثروة السمكيّة
A+ A-

غزت شواطئ البحر الأبيض المتوسّط قادمة من البحر الأحمر منذ حوالي 4 سنوات. انها "سمكة الأسد"، أغرب أنواع الأسماك وأكثرها جدليّة في الشكل والمواصفات والقدرات، صارت الشغل الشاغل لمرتادي المنتجعات السياحية الساحلية. حصل ذلك بعد التحذيرات المتتالية التي نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي من خطورة هذا النوع من الأسماك السامة الذي قد يودي بحياة من يُقدم على لمسها في حال تعمّدت لدغه بإبرها السامة التي تغلّف اجزاء متفرّقة من جسمها. فهل في تلك الأقاويل من مبالغة؟ وكيف يمكن لسمكةٍ سامة كهذه ان تعتبر من اشهى أنواع الأسماك التي يمكن للانسان ان يتناولها وأطيبها مذاقاً على الإطلاق؟


واقعياً، حقائق عديدة على اللبنانيين معرفتها عن سمكة الأسد لتبديد الهواجس واتخاذ الاجراءات الوقائية الضرورية. أولاً انها سمكة سامة وخطيرة على الأطفال، او في حال كان الفرد الذي تعرّض للدغتها يعاني من مشاكل صحيّة. وهي في هذه الحالة قد تؤدي الى شلل اعضاء جسم المصاب وبالتالي الوفاة في حال أتت الاصابة محكمة ومباشرة في الجسم، ونتجت عن سمكة كبيرة الحجم. لكن تأثير التعرّض للدغتها يختلف باختلاف عمر المصاب الذي قد لا يعاني من مضاعفات خطيرة في حال كان راشداً ويتمتّع بصحّة جيّدة ولم تكن الاصابة محكمة ومباشرة. لكنه سيدخل حتماً الى المستشفى ويعاني من ارتفاعٍ في حرارة الجسم والتهابات. هذا ما تؤكّده الغطّاسة مها الحاج، أولى الغطاسات اللبنانيات اللواتي عاصرن البحر 5 عقود زمنيّة. لكنها تؤكّد انه لا داعي لخوف السباحين وهلعهم من المسألة، لأن السمكة المذكورة تعيش على عمق 50 متراً تحت المياه، وبالتالي يبقى الصيادون والغطاسون الأكثر عرضةً لمخاطرها.


سمك اللقّز في لبنان في خطر
لعلّ أبرز المخاطر الناتجة عن سمكة الأسد، هي عمليّة تكاثرها السريعة، حيث تستطيع وضع ملايين البويضات ما يجعلها تتكاثر بسرعة. كما أنها تعتبر في منأًى من أفواه الأسماك الأخرى، التي تخشى الاقتراب منها وافتراسها نظراً لإبرها السامة. حتى ان اسماك القرش نفسها، تخشى الاقتراب منها ولو في مراحل الجوع الشديد. ما يعني ان تكاثرها في مياه المتوسّط عمليّة مرجّحة سريعاً. وهذا ما يدعو الى القلق، والخوف من تضاؤل الثروة السمكية اللبنانية، لأن سمكة الأسد تتغذّى على بيوض سمك اللقز الشهير في لبنان. "يعتبرون انها سمكة في غاية الجمال في المياه ويتساءلون عن سبب قتلي لها، حتى لو لم ابادر الى أكلها، لكنني أقتلها لأنها دخيلة على المتوسّط وتأكل بيض اللقز ما يعني انني قد اخسر وجود اللقز في لبنان في حال منعت تكاثرها"، تقول الحاج.


الأسد أشهى أنواع الأسماك... وهكذا تؤكل
وصل انتشار سمكة الأسد الى فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن مكان تواجدها كان محصوراً سابقاً في البحر الأحمر. في تلك المقاطعة، يبادر الصيادون الى اصطيادها وأكلها، حيث تعتبر من أشهى أنواع الاسماك. الحاج بدورها، لم تكن تجرؤ على تناولها، لكنها بعد ان شاهدت مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعرّفت على طريقة تقطيعها والتخلّص من سمّها قبل أكلها. تقول: "بعد موت السمكة، يجب قصّ ابرها المنتشرة في أجزاء جسمها والتي يبلغ عددها 12 ابرة. في البداية كنت اقتلها دون أكلها، ولكنني وجدت انه في فلوريدا باتوا يصطادونها ويأكلونها فيما يبلغ سعر الكيلو منها 50 دولارًا. قررت ان آكلها وقرأت كيف يمكن تحضيرها كطبقٍ للغداء وحاولت. لحمتها بيضاء ومذاقها لذيذ وهي اشهى من سمك اللقز. لكنها تبقى سمكة دخيلة على المتوسط ولا يجب ان تتخطى حدود انتشارها البحر الأحمر".


رحلة طويلة من مصر الى لبنان فاليونان
وصلت سمكة الأسد الى المياه اللبنانية عبر قناة السويس واضحينا نجدها في غالبية المناطق اللبنانية وحلّت أخيراً في طرابلس. هذا ما يؤكّده نقيب الغطاسين في لبنان الأستاذ محمد سارجي الذي يشرح لـ"النهار" كيفية قدومها الى لبنان. يقول: "غزو الاسماك يبدأ عادةً من الجنوب باتجاه الشمال. وهكذا وصلت الأسد من قناة السويس في مصر الى جنوب لبنان. وكثّفت انتشارها من جهة الشواطئ اللبنانية وصولاً الى السورية ومن ثمّ الى الشواطئ التركية فاليونان وايطاليا. وحصل ذلك بحكم طبيعة البحر، حيث البحار مفتوحة بعضها على بعض والسمك يمشي فيجد نفسه يصل الى شواطئنا".


بحكم خبرته واستطلاعاته المتواصلة، لا يجد سارجي ان هذا النوع من الأسماك يعيش على مقربة من الشاطئ. فهي تستقرّ في معظم الاحيان في مستوياتٍ منخفضة تحت المياه على عمق 30 متراً. ولا تتواجد على عمق 3 امتار على سبيل المثال. كما انها لا تتحرّك كثيراً بل تجلس بجانب بعضها البعض ولا يمكن حكر اعدادها. ولكنه يشير الى ضرورة القيام بدراسات علمية لمعرفة تأثيرها على التنوع البيولوجي ولمعرفة ما اذا كان لها اعداء طبيعيين في البحر يتغذَّون منها. وعن امكانية تناولها من قبل الانسان، يميّز بينها وبين سمكة النفيخة السامة. يتابع: "سمكة النفيخة باتت تشكّل خطرًا اساسيًّا في المتوسّط. هي سمكة فيها سم يقتل متواجد في الكبد وهي تصدره عندما تشعر بالخطر فتؤدي الى تسمّم من يأكلها. ولكن سمكة الأسد تؤكل لأن السم لا يكون داخل الكبد بل داخل حسك الشوك الذي يغطي جسمها".


مفاد الأمر. سمكة الأسد ليست كسمكة النفيخة. هي خطرة في حال لدغت أحدهم وهي على قيد الحياة. لكن سمّها لا يتعدّى حدود أشواكها. وبانتظار تدعيم الدراسات حول واقع تواجدها في المياه الاقليمية اللبنانية، لا بد من اتخاذ الحذر وتعرّف روّاد البحر على شكلها لتفادي لمسها عشوائيّاً. لكن حسرة واحدة تضاف الى القصة. الثروة السمكية في لبنان، لم يكن ينقصها سوى عدوٌّ مائي. كان يكفيها خصمها البشريّ. هي التي لم يكتب لها، العيش الرغيد.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم