الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

سبعون عاماً على حبّ بيكيت الأول

المصدر: "النهار"
رلى راشد
سبعون عاماً على حبّ بيكيت الأول
سبعون عاماً على حبّ بيكيت الأول
A+ A-

في 1946، أكمل صاموئيل بيكيت تأليف تنويعه الشخصي على أحد نصوص إيفان تورغينييف الذي يرتقي زمنياً الى 1860 وعمد إلى مدّه بالمسمّى عينه: "الحبّ الأول". في الحكايتين ثمة رواية لحبّ فتيّ وفي حين يتقاطع النصان عند مخزون العنف الذي يحتمل أن يبزغ من المشاعر المُبكرة ثمة اختلاف جليّ بينهما في النبرة وفي المناخ.
يقدّم الروسي تورغينييف في مقاربته صورة طبيعيّة عن فظاعة الحياة والحال انه يصف المعيش من دون اللوذ بالأقنعة بينما لا يصل إلى حدّ التشكيك في طبيعة البشر. أما الإيرلندي بيكيت فيجعل نصه حاضنة لرجل يقيم جردة لحياته ويتعثّر بحماقاته وارتيابه، في أعقاب موت والده وطرده من غرفته – الملاذ. ها هنا رجل يواجه المجهول المشرّع أمامه ويحاول ترويض مشاعره المتأرجحة بين الغبطة والتعاسة.
وإذا كان تورغينييف والى جانب الثلاثي غوغول وتولستوي ودوستويفسكي ارتبط على نحو وثيق بالرواية الروسيّة في هيئة القرن التاسع عشر، فإنه حجز لنفسه فسحة على حدة في وسط هذا المشهد. أُُخذ على تورغينييف أحياناً إصراره على إتمام لوحات سرديّة محدودة على مستوى العناصر ليأتي ردّه عبر نصه حصراً ومن طريق تلك الدقّة اللافتة والفريدة التي أتقنها. على هذا النسق بانت "الحبّ الأول" في نسخته، حكاية بسيطة ظاهرياً تنشغل بسرد حبّ مراهق، لتتسم في الباطن بمنظور متأنٍ ومتبصّر لما قد يفرزه الحبّ الراشد من عنف، بعدذاك.
نقرأ تورغينييف يرسم ملامح أسرة شخصيّته الرئيسية "قام والدي الوسيم في سنه اليافعة بزواج عقلانيّ. بدت حياة والدتي التي تكبره بعشرة أعوام تعيسة جدا: كانت دائمة القلق والغيرة والصمت ولم تتجاسر في حضور زوجها الذي خشيته إلى حد كبير، على فضح نفسها، علماً أنه أعجب بهذه الصرامة الباردة".
أما بيكيت فيجعل حكايته التي تعدّ من بين أولى تجاربه المكتوبة مونولوغاً مديدا يبدأ على هذا النحو "أربط زمنياً - على نحو صائب أو خاطىء - بين زواجي ووفاة والدي. أما الصلات الأخرى (أي على مستويات سواها) بين هاتين المسألتين، فأمر محتمل أيضاً. يصعب عليّ بالفعل أن أقول ما أظنني أعرفه".
"الحبّ الأول" عند بيكيت تجربة مسكوبة بضمير المتكلّم حيث يجتمع المرح مع الإنفعال والتشاؤم وحيث تُبشّر شخصية الراوي المُرغم على التشرّد بجميع ملحقاتها التي سيبعثرها بيكيت في عناوين كثيرة لاحقاً وخلال مساره التأليفي.
لا مكان ها هنا للحبّ كتجربة تلقينيّة وتأسيسيّة كما يلوح في ذهن الراوي بداية. لا أمل في أن ينقذه الحبّ من اللامعنى، ذلك انه سيصل إلى الفشل. يكتب بيكيت عن حقائق الحبّ التافهة والفجّة منطلقاً من مفهوم العلاقة المادي والذي يجعل الآخر قبالتك وفي لحظة معينة، شخصاً مزعجاً.
يأتي بيكيت في "الحب الأول" بشحنة درامية معطوفة على العبث ليكتب "الحبّ الأول" كمقدمة للحبّ الأخير، فنقرأ في خاتمة الحكاية "ربما كنتُ أحتاج إلى علاقات حبّ أخرى. غير ان الحبّ، هذا أمر لا يمكننا أن نطلُبهُ كالبضاعة".


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم