الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المسيحيون في الالتباس القائم مع دول الخليج فقدان عامل الثقة يحتِّم مقاربات وآليات مختلفة

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

تكشف مصادر ديبلوماسية عربية ان العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان تستمر معقدة بقوة ولا تشمل لبنان الدولة فحسب بل ايضا مكوناته الطائفية بحيث لا يقتصر هذا التعقيد على تدخلات " حزب الله" في دول الخليج ما ادى الى تصنيفه تنظيما ارهابيا بل شمل ايضا المكونات الطائفية الاخرى ولا سيما منها المسيحية، وإن كان الكلام ليس شموليا او تعميميا. وفي ظل المعلومات التي اشارت اليها "النهار" قبيل انعقاد القمة العربية في موريتانيا غدا يبدو الموقف اللبناني ضعيفا ازاء مطالب التضامن معه في ظل عدم نجاح المحاولات لترطيب العلاقات. فبعض الدول العربية لا يود "ان يسمع" عن لبنان مطلقا والبعض الاخر لا يخفي خيبته تبعا لسنوات طويلة من الدعم ذهبت هباء في رأي هذه الدول. الا ان ما يتصل بالمكون المسيحي تحديدا يبدو معقدا وملتبسا في الوقت نفسه. اذ تكشف المصادر الديبلوماسية المعنية ان جملة امور ساهمت في هذا الالتباس الذي يتفاعل في الموقف من احد ابرز المرشحين للرئاسة ايضا. اذ ان ما كشفته بعض الدول الخليجية من عناصر تنظيمات تستهدف امنها بجوازات سفر مزورة كانت لاسماء مسيحية لبنانية فيما كشف ان هؤلاء عناصر من " حزب الله" لم تثر اشكالية كيفية حصول التزوير المتقن مما يطرح علامات استفهام ليس المجال الان لسياقها فحسب، انما اثارت ايضا اشكالية غير مفهومة بالنسبة الى الدول الخليجية اذا كان الحزب يحظى بغطاء مسيحي سياسي ويتاح له ايضا توظيف هذا الغطاء في تدخله العربي من دون ان يحظى بأي رد فعل رافض او معترض نظرا الى احتمالات توريطه مكونات اخرى في صراعه مع الدول الخليجية. وهذا الامر لم يثر ارتياحا في الوقت الذي لم تساعد ايضا مواقف سياسية لحلفاء الحزب المسيحيين في تبديد التداعيات السلبية حتى الان. اذ انه ومع الضجة الكبيرة التي اثارتها المواقف التي اعلنها وزير الخارجية جبران باسيل وادت الى ما ادت اليه على صعيد تردي العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، فان لقاءات خاصة بعيدة عن الاعلام في مناسبات معينة لم تترك مجالا لان تسري كيمياء حقيقية بين وزير الخارجية وبعض نظرائه الخليجيين في ظل تعليقات لم تبد مناسبة او موفقة. وذلك علما ان هذه الكيمياء لم تسر سابقا في الاصل بين العماد ميشال عون وقادة عرب التقاهم في محطات سابقة ايضا. لكن اذا تم غض النظر عن ذلك لمصلحة ان الدول العربية لم يعد يعنيها ما يجري في لبنان كثيرا، اللهم باستثناء المملكة السعودية، فان ثمة خللا كبيرا اصاب علاقة المسيحيين بمجملهم مع دول الخليج بحيث لم يعودوا موضع ارتياح كما في السابق نتيجة العوامل السياسية المذكورة خصوصا في حال اعتمد المنطق الذي يدافع عن تعطيل العماد عون للرئاسة بانه الاحق بها كونه يمثل الغالبية من المسيحيين استنادا الى ان ترجمة هذا المنطق اي تمثيل الغالبية من المسيحيين انما تعني موقفا لن يريح الدول الخليجية ازاءه لعدم ارتياحها للعماد عون ولا لتحالفه الوثيق مع " حزب الله". ومن الصعب بالنسبة الى هذه الدول ان ترى استقلالية ما في رئاسة الجمهورية في ضوء اداء لا يوحي بالثقة من جهة ولا يطمئن من جهة اخرى. وتخشى المصادر الديبلوماسية ان يكون الاداء السياسي الذي اعتمد في محطات عدة قد خلق حذرا ازاء المسيحيين يتناقض مع تاريخ طويل لهم في الدول الخليجية، الامر الذي ساهم في عدم التردد في ابلاغ كثيرين منهم اخيرا كما ابلاغ زعمائهم ممن على صلة بالقيادات الخليجية بعدم الترحيب بهم كما في السابق.


هذه المعطيات تسلط الضوء على واقع بالغ الخطورة بالنسبة الى المسيحيين انطلاقا من ان آخر ما يحتاج اليه هؤلاء هو تضرر موقعهم وليس فقط موقع لبنان في الدول العربية. اذ ان عدم اثارة النقاط المذكورة علنا لاعتبارات واسباب كثيرة مفهومة لا يعني ان الامور يمكن ان تعالج نفسها بنفسها او انها تنتظر كما لبنان تسوية سياسية عربية ايرانية تنهي ازمة انتخابات الرئاسة. فلبنان لا يمكن ان يعيش من دون بعده العربي وهناك اقتناع لدى مسؤولين عرب كثيرين بان الابتعاد عن لبنان ربما يترك الساحة رحبة امام نفوذ ايراني اكبر فيه. لكن، وعلى عكس ما يعتقد او يؤمن بعض السياسيين في لبنان، فان دول الخليج يمكن ان تعيش بسهولة من دون اللبنانيين وان كانت مساهماتهم الفردية مميزة احيانا وفاعلة. وفي ظل الوضع الحالي الذي تعتقد فيه بعض الدول الخليجية ان لبنان يسيطر عليه "حزب الله" يصعب الاعتقاد بالنسبة اليها ان مرشحي الرئاسة الاساسيين يمكن ان يخرجوا على هذه السيطرة تبعا لاقتناع بانهم لا بد انهم سيخشون على حياتهم في حال فعلوا قياسا بما حصل في الاعوام الاخيرة في لبنان. لكن وبمعزل عن موضوع الرئاسة الذي يستمر معقدا بالاعتبارات الاقليمية كما بالاعتبارات الداخلية، ولو ان البعض يستمر في تبسيطه في لبنان، فان من مصلحة المسيحيين ايجاد مقاربات تعيد الثقة الى التعاطي معهم من اجل ان يبقى الافق العربي مفتوحا امامهم ويكونون اكثر اطمئنانا خصوصا في ظل ما يجتاح المنطقة. وهو عمل ثنائي تبادلي يخشى الا تتوافر له الآليات القيادية في هذه المرحلة مما يرسم تساؤلات غير مريحة بالنسبة الى المكوّن المسيحي على المديين القريب والمتوسط على الاقل.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم