الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

البيان الرئاسي لمجلس الأمن واللا رد فعل: تسليم الزعماء بمرجعية الخارج باستحقاقاتهم

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

بلغت السلبية السياسية في لبنان، ان لم يقل اكثر، ان البيان الرئاسي الذي وجهه مجلس الامن الى الزعماء السياسيين واورده مندوب "النهار" في نيويورك الزميل علي بردى الخميس الماضي علما ان البيان تلي في جلسة رسمية امس في مجلس الامن، ان لا دلالة البيان ولا مضمونه حظيا بأي تعليق سياسي من اي جهة داخلية. فلا هو دخل الى الخطاب او الموقف السياسي للزعماء او للسياسيين من باب الترحيب به ولا حتى من باب التوظيف السياسي الذي يمكن ان يعتمده فريق سياسي في وجه آخر في مثل هذه الحال من اجل الضغط معنويا في موضوع انتخابات الرئاسة. وكأنه لم يعد لدى الافرقاء السياسيين "العصب" المطلوب لذلك او لعلهم باتوا مقتنعين بعدم جدوى التناحر الداخلي بقوة حول موضوع الرئاسة لان الموضوع ليس في يد اللبنانيين او انه لم يعد كذلك وما دام فك اسر الرئاسة وسائر الاستحقاقات بات مرتبطا بالدول الاقليمية ولم يعد موضوعا داخليا تستنزف المواقف على اساسه. والبيان في مضمونه دعا الزعماء اللبنانيين الى التصرف بمسؤولية وتقديم استقرار لبنان والمصالح الوطنية على السياسة الحزبية معتبرا ان الشغور والشلل السياسي الناجمين عنه يضعفان بشكل خطير قدرة لبنان على مواجهة ما وصفه البيان بالتحديات الاستثنائية.


قد لا يشكل بيان رئاسي يصدر عن مجلس الامن حدثا في حد ذاته كبيرا او صغيرا خصوصا ان الموقف الذي يتضمنه معنوي وغير ملزم ولا يتسم عادة بوقع كبير وقد يعتبره كثر من باب رفع العتب الدولي في ظل عدم القدرة او العجز عن تقديم المساعدة الفعلية للبنان من اجل انهاء ازمته. الا ان مروره ايضا مرور الكرام في ادبيات السياسة اللبنانية امر غير معهود فيما يجب ان يلقى اهتماما ومتابعة. اذ يكتسب هذا البيان اهميته من واقع انه البيان الثاني بعد بيان مماثل اصدره المجلس في 24 ايار الماضي في ذكرى مرور سنتين على الشغور في سدة الرئاسة الاولى ولو كان البيان الاول صحافيا وليس رئاسيا ولا يكتسب الوقع نفسه. انما ميزة البيان الاخير ان فرنسا هي التي اعدته اذ من جهة تتوج زيارة رئيسها فرنسوا هولاند لبيروت في نيسان الماضي ثم زيارة وزير خارجيتها جان مارك ايرولت لبيروت في 11 تموز الجاري بترجمة سعيها الى مساعدة لبنان بأمر عملي تضعه على النار، وكأنما تسعى من جهة ثانية الى وضع الدول الكبرى امام مسؤولياتها من خلال دعم توجهها الى اصدا ر بيان قد يساعدها في ممارسة الضغوط حيث يجب ومتى حان الوقت لذلك. ولعل الدول الكبرى لا يعنيها كثيرا الموضوع اللبناني راهنا لكنها يمكن ان تماشي فرنسا في هذا الاطار من ضمن العلاقات التبادلية التي تحكم المصالح في ما بينها في الوقت الذي لا يحتم صدور البيان ان اعضاء في مجلس الامن مهتمون اكثر من اي وقت مضى بالشغور الرئاسي في لبنان وان هناك اي تغيير في مقاربتهم للموضوع او بناء على الاعتقاد ان البيان يمكن ان يقدم او يؤخر كثيرا في موضوع التطورات اللبنانية. لكن فرنسا القلقة اصلا على الامن والاستقرار في لبنان وفق ما عبر مسؤولوها وكذلك على الوضع الاقتصادي وسائر الملفات المتصلة به خصوصا موضوع اللاجئين السوريين يمكن ان تكون وظفت هذا المنطق من اجل تحفيز اجماع دولي بحيث يوجه هذا الاخير رسالة قوية عن موقف موحد في مجلس الامن من الشأن اللبناني. ذلك ان المجتمع الدولي لا يتحرك من حيث المبدأ كل مرة من اجل توجيه رسائل محددة، وهو فعل في ايار الماضي في مناسبة ذكرى الشغور الرئاسي، بل في حال كان ثمة خطر من انفجار على الاستقرار وعلى الامن سعيا الى تجنبه. كما يكتسب هذا التطور اهميته من واقع ان البيان الرئاسي يحظى عادة كما هذا القرار باجماع يظهر من خلاله ان الاسرة الدولية متفقة في موقفها في ما يتصل بالشأن اللبناني. وهو امر يمكن ان تكون سعت اليه فرنسا من اجل امتلاك اوراق قوية تسمح لها بتعزيز موقفها التفاوضي مع ايران مثلا في موضوع محاولة اقناعها بفك رهنها للانتخابات الرئاسية اللبنانية استنادا الى ان هناك موقفا اجماعيا، لعل فرنسا فضلت الحصول عليه بدلا من قرار يتعذر ان تؤمن اجماعا حوله، بحيث يتفق فيه حتى حلفاء طهران كروسيا والصين حول الموضوع. وتاليا يمكن فرنسا ان تطلب حتى من هذه الدول مساعدتها في الضغط حيث يلزم استنادا الى موقفهم الاجماعي او تستخدم هي هذا الضغط. ومن هذه الزاوية يمكن اعتبار البيان الرئاسي الذي يصدر عن مجلس الامن اكثر اهمية من القرار الذي قد يضعفه عدم الاجماع حوله من خلال الامتناع عن التصويت او اي شيء من الاحتمالات التي يسمح بها الموقف داخل المجلس. فالبيان وان كان يتوجه الى الزعماء اللبنانيين من اجل ان يتحملوا مسؤولياتهم ازاء ايجاد تسوية عاجلة للازمة المؤسساتية فانما يشير بديبلوماسية ايضا الى الشركاء الاقليميين باعتبار ان الجميع يدرك ان ازمة لبنان هي على مستويين هي ازمة اتفاق الزعماء اللبنانيين وازمة توافق المرجعيات الاقليمية للزعماء اللبنانيين.
الا انه وبالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين خبراء فان صدور هذا البيان نتيجة الحاجة التي يمثلها انما يعني ان الازمة لا تزال طويلة اذا كان هناك من يتحصن باوراق من اجل الاستعداد للتفاوض ربما في ايلول المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة او سوى ذلك.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم