الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يشمل التطهير "ثعلب تركيا" وكاتم اسرارها؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
هل يشمل التطهير "ثعلب تركيا" وكاتم اسرارها؟
هل يشمل التطهير "ثعلب تركيا" وكاتم اسرارها؟
A+ A-

كل ساعة تحمل الانباء خبرًا جديدًا عن #تركيا وتأتي بتفاصيل اضافية عن الانقلاب العسكري الفاشل، ومع ذلك فإن التساؤلات تزداد في شأن ما حصل وما قد يحصل لاحقا. ولعل ابرز هذه التساؤلات ليس فقط من حرض على هذا الانقلاب او قاده، بل من تمكن من افشاله. فبعدما تردد كثيرا ان جهاز المخابرات ورئيسه حقان فيدان الملقب بـ "ثعلب تركيا" اضطلعا بدور كبير في احباط التمرّد والقضاء عليه، جاء اقرار الرئيس رجب طيب اردوغان بوجود فجوات وأوجه قصور كبيرة في عمل الاستخبارات قبل محاولة الانقلاب لترسم علامات استفهام كبيرة حول الجهاز ومستقبل رئيسه الذي كان يوصف بأنه اليد اليمنى للزعيم التركي وكاتم اسراره و"اخطر رجل في تركيا"!


ومنذ انتهاء المحاولة الانقلابية الفاشلة الجمعة الماضية، والسؤال الابرز هو كيف تحرك المئات لا بل الآلاف من الضباط الانقلابيين ونزلوا إلى شوارع العاصمة واسطنبول والمدن الكبرى في غفلة عن عيون رجال المخابرات الذين كلفهم #اردوغان عَدَّ أنفاس الجنرالات والضباط لتوجسه منهم، وتأكيده مرارا أن بينهم اعضاء في "اخوية" فتح الله غولن، آخر خصوم الرئيس واشدهم تنظيمًا وخطرا عليه!


السؤال حيّر الجميع إلى حد أن مراسل قناة "أ تي في" الموالية قال في تقرير له على الهواء "إن المخابرات لم تنبّه الرئيس أردوغان لوقوع الانقلاب على رغم علمها به"، في تصريح هزّ الأوساط التركية لما فيه من اتهام خطير للمخابرات ورئيسها فيدان.
لكن المخابرات نفت التهمة، وصدر بيان عن الجيش قال إن رئيس المخابرات جاء إلى قيادة الأركان وأبلغ اليهم بوجود مخطط انقلابي الساعة الرابعة عصرا، ومن بعد ذلك جرى إبلاغ الرئيس بالأمر، فيما بدأ الانقلاب في التاسعة مساء.


هذه المسالة أثارت جدلًا آخر في شأن عدم قدرة رئيس أركان الجيش على احباط الانقلاب قبل بدء تنفيذه، رغم علمه به قبل خمس ساعات. كما تساءلت أوساط عن أسباب بقاء أردوغان في فندقه بمرمريس حتى الساعة الواحدة ليلا، في حين تقتضي الحيطة أن يغادر المكان فور اعلامه من المخابرات بوجود انقلاب. وهذا السؤال جرّ الى تساؤل آخر عن سبب استقلال اردوغان طائرته في هذا التوقيت والتوجه الى اسطنبول، رغم علمه بوجود طائرات للانقلابيين في سماء المدينة، وهي مجازفة خطيرة، إذ إنه ما كان ليضمن أن الجنرال الذي سيؤمن له الرحلة ليس انقلابيا.


وعلى رغم هذه الملاحظات، تهافتت الانباء التي عملت على تسويق فيدان على انه "البطل" الذي ساهمت تحركاته في إفشال مخطط الانقلابيين وإرباك حساباتهم عندما عقد اجتماعاً سرياً مع رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال خلوصي أكار، والرئيس الثاني في الهيئة الجنرال يشار غولار، وقائد القوات البرية، قبل ساعات من الانقلاب الفاشل، عقب توصل جهاز الاستخبارات إلى معلومات تفيد بوجود محاولة انقلاب، في اليوم نفسه. واعتبر البعض ان رجل المخابرات القوي نجح في دفع الانقلابيين لتعجيل تحركاتهم قبل موعدها المقرّر في خطتهم بـ7 ساعات، ما ساهم في إفشال انقضاضهم على الدولة.


وقال هؤلاء ان جهاز الاستخبارات رصد في الساعة الرابعة من عصر يوم الانقلاب محادثات مشبوهة قد تشير إلى أن هناك تحركات قد تؤدي إلى انقلاب عسكري في البلاد، ما دفع بفيدان الى التوجه الى قيادة الأركان فوراً والتقى برئيس الأركان في حدود الساعة الرابعة والنصف وأطلعه على هذه المعلومات، ولم يستطيع فعل أكثر من ذلك لأن جهاز الاستخبارات ليس لديه الصلاحيات اللازمة لمتابعة الجيش. واضافوا ان رئيس الأركان أجرى بدوره اتصالات عدة، لكن مدير الاستخبارات العسكرية الذي كان ضالعاً في المؤامرة، وكذلك مساعد رئيس الأركان أكدا أن لا شيء غير طبيعي، وأن هناك تحركات عادية لبعض القوات.


وبحسب هذه المصادر فإنه تحت إصرار رئيس الاستخبارات أصدر رئيس الأركان أمراً لكل الفرق ومعسكرات الجيش بوقف أي تحركات في ذلك اليوم حتى المعتادة منها، وأمر بوقف مهمات أي طائرات عسكرية. وغادر فيدان مبنى هيئة الأركان قرابة الساعة الخامسة والنصف وعاد إلى مقر المخابرات واستمر في تتبع الأمر، على رغم تأكيد هيئة الأركان عدم وجود أي شيء. واضافت هذه المصادر انه بعد تأكد المخابرات من أن هناك انقلاباً عسكرياً اتصل حقان بأردوغان وأعلمه بالانقلاب، وطلب منه الحديث الى الناس عن الأمر، كما أمر كل فروع المخابرات بالتصدّي للانقلابيين والقتال حتى الموت.
وعلى رغم الأداء البطولي الذي وصف به جهاز فيدان، إلا أنه فشل بوضوح في كشف المحاولة الانقلابية وإفشالها قبل وقت كاف، كما أن أردوغان فجر قنبلة غير متوقعة في مقابلة مع قناة "الجزيرة" الفضائية حين قال إنه عرف بالانقلاب من "نسيبه" وليس من قائد جهاز استخباراته. ولم يكتفِ الرئيس بذلك بل تحدث صراحة عن "ثغرات" في عمل المخابرات، وأنها "لو أدت ما عليها وعملت بشكل جيد" لتغير الموقف، وأكد أن "العنصر البشري" أهم في العمل الاستخباري من تطوير التقنيات. لاحقاً، وفي حديثه لقناة تركية قال الرجل ما هو أخطر، حين أشار إلى أنه اتصل بفيدان ليلة الانقلاب لكنه "لم يصل إليه"!!


وافادت مصادر مطلعة على الاوضاع التركية الداخلية لـ"تورك برس" انه بغض النظر عن تقييم الرئيس التركي لأداء جهاز الاستخبارات ورئيسه فيدان، أهو تأخر أم إهمال أم تقصير أم غير ذلك، إلا أن مستوى غضبه او عتبه واضح جداً، ولعله يشير إلى استبدال فيدان قريباً وإعادة هيكلة الجهاز أيضاً ليصير أكثر فاعلية.
وبالفعل بدأت عملية التطهير داخل الجهاز اذ أعلن رسميا عن اقالة 100 من موظفيه "لوجود ملفات تحقيق بحقهم".


كما توقعت المصادر نفسها تغيير رئيس هيئة الأركان باعتباره لا يصلح رمزاً للمؤسسة العسكرية في المرحلة المقبلة، إذ فشل في كشف أو إحباط التمرد داخل الجيش، واعتقل وأهين من مساعديه، كما دمغ عهده بالمحاولة الانقلابية، بينما تحتاج المؤسسة العسكرية لـ "رمز" يقودها، وقد يكون مثلاً قائد الجيش الأول الذي رويت عنه الكثير من التفاصيل الإيجابية في مقدمها اتصاله بأردوغان وإعلانه الولاء له واستعداده لحمايته، وقد فعل.
وتوقعت ايضا إغلاق الكليات الحربية التي ترفد قطاعات الجيش المختلفة بالضباط ووقف الانتساب للجيش موقتاً، باعتبار أن هذه المدارس كانت إحدى وسائل جماعة غولن للوصول إلى النفوذ داخل المؤسسة العسكرية والسيطرة عليها.


كما رجحت إلغاء قسم الدرك أو تسريح أعضائه وتوزيعهم على الأقسام الأخرى باعتباره أحد أهم طرفين (مع القوات الجوية) شاركا في الانقلاب، بعد أن فصلت تبعيته قبل أشهر عن الجيش وأتبع لوزارة الداخلية ضمن حزمة قرارات أصدرها البرلمان. كذلك إلحاق رئاسة أركان الجيش بوزارة الدفاع وإلغاء استقلاليتها عنها، وتاليا إتمام السيطرة "المدنية" على الجيش. وبحسب هذه المصادر فقد جرى توقيف أكثر من ثلث قيادات المؤسسة العسكرية من رتبة لواء فما فوق، وإبقاء أكثر من ربعهم رهن الاعتقال.


ويرى البعض أن حجم الاعتقالات التي جرت عقب عملية الانتقالات واعتقال نحو 18 ألف شخص حتى الآن ستعتبر أحد المآخذ الخطيرة على رئيس جهاز المخابرات التركية. لكن البعض يرى أن أردوغان حوّل المحاولة الانقلابية الفاشلة إلى فرصة للتخلّص من جميع معارضيه في مختلف مؤسسات الدولة بضربة واحدة.


وكان ينظر إلى فيدان على أنه رائد إصلاح جهاز المخابرات التركية، حيث شهد الجهاز في عهده نقلة نوعية كبيرة، فانتقل من جهاز مترهّل محاط بالخلافات الداخلية من كل اتجاه، إلى واحد من أجهزة المخابرات القوية والناجحة في العالم. وعكست الألقاب التي أطلقها الأتراك على هذا الرجل أهمية وخطورة دوره في هذا البلد، فالرجل يحمل لقب "كاتم أسرار أردوغان"، وقد أطلق أردوغان بنفسه هذا الوصف أو اللقب، كما يلقب بأنه "يد أردوغان الضاربة"، ويسميه الأتراك أحيانا بـ"السكين"، ثم كان لقبه بعد محاولة الانقلاب الفاشلة "منقذ أردوغان".


ومع التلميحات المتداولة عن احتمال شموله في عملية التطهير الواسعة الجارية الآن في المؤسسات التركية، يبدو ان التغيير في تركيا لن يطاول فقط صورتها والمؤسسات بل رجالاتها ايضا، طبعا ماعدا اردوغان نفسه.


[email protected] .lb
Twiter: @amine_kam

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم