الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أيّها الكُردي السوري: كُنْ عربيًّا دائمًا

المصدر: "النهار"
خُناف كانو-كاتبة كُرديّة تقيم في ألمانيا
أيّها الكُردي السوري: كُنْ عربيًّا دائمًا
أيّها الكُردي السوري: كُنْ عربيًّا دائمًا
A+ A-

طوال سنوات الدراسة في سوريا، منذ بداية مرحلة التعليم المدرسي انتهاءً بالجامعة، كان شعار الطلاب الكرد السوريين في مدارس " البعث" أو المدارس التابعة للنظام السوري: "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة".


في كلّ صباح على جميع الطلبة أن يحيّوا العلم ويصفّقوا صفقة طليعية كونهم "طلائع للبعث"، لم يكن معظم التلاميذ يكترثون أو يسألون عن ما يقولونه، كانت الشعارات رنّانةً روتينية يردّدها التلاميذ كآلات، مبتسمين خلسةً في الطابور الطويل الذي كان يقف أمامه الكادر التدريسي والمدير، فيما يقف خلفهم الإداريون الذين لم يألفهم الطلبة سوى حاملين عصاهم الخشبية، ليطرقوا بها على أيدي الطلاب إنْ شردوا عن حبّ الوطن أو تأخروا عن واجبهم الأزلي في توحيد أمّة العرب، فيما كانت مادة "التربية القومية" من المواد الأساسية في المنهاج الدراسي، حيث لا يلبث الطالب أن يفتحَ الكتاب حتى تسقط عليه هلائل وأقوال وبشائر القائد الخالد عن القومية العربية التي تربّعت على عرش العالم، حتى جدران المدرسة لم تسلم من هذه الأقوال الخارقة، لم يكن هناك جديد في منهاج التربية القومية، فعروبة سوريا كانت حلقًا في إذن كل طالب، حيث يتذكرها أكثر من اسم قريته وحارته، وفي التاريخ كل شيءٍ بناه العرب وشيده فيما كان الغربيون الكفّار يسرقون أفكار العرب وهي لازالت تحبو، فتصل إليهم بقدرة قادر، ويضّطر التلاميذ أن يحفظوا هذه الهزيمة النكراء للعدو الغاشم.



بعد عام 2011 تغيّر القالب الجامد أو رحلَ إلى غير رجعة، ليرسم المتظاهرون الكرد بجانب إخوتهم العرب من السوريين صورة جميلة متساوية لسوريا المستقبل، حتى باتت كلمة"البعث" مكروهة لدى غالبية النخب السورية، ليسَ كحزبٍ شمولي حاكم وحسب، وإنّما ككلمة في قاموس اللغة العربية أيضا، فما فعله هذا الحزب في سوريا عمومًا وفي الكرد خصوصًا جعلهم يثورون عليه لإسقاطه، لكن ماذا ينتظر الكرد السوريون ممن يسمون أنفسهم اليوم بالمعارضة السورية سواء كانت في اسطنبول أو في الرياض؟


 


يطلب بعض ممن يعتبرون أنفسهم ممثلين عن الشعب السوري من الكرد السوريين أن يكونوا لطفاء في دعمهم للثورة السورية، أن ينسوا كل ما جلبه لهم نظام البعث من اضطهاد ونكران، ليقنعوا أنفسهم بمجيء بديل يظنُّ نفسه أفضل، أن لا يثوروا على مفهوم البعث الذي لازال قائمًا في فكر المعارضة والذي جرّدَ الكُرد من كرديتهم وجعلهم عربًا، أن يؤمنوا بفكرة الأمة العربية الواحدة، في حين إنّ هذه المعارضة التي أثقلت كاهل الشعب السوري ولم تستطع أن تحشد رأيًا دوليًا لإنهاء الحرب في #سوريا، تطلب منّ الكرد أن يؤجّلوا مطالبهم وأن يتحالفوا مع المعارضة لإسقاط النظام، ضاربين بعرض الحائط معاناة الكرد الأولى والتي لازالت مستمرة، حيث إنّ المعارضة نفسها حين تصف الكرد بالانفصاليين، تشجّعُ على هذا الأمر الذي لايتفّقُ مع مبدأ الفيدرالية، والتي ستكون برأي العديد من المتابعين أفضل حل للمسألة الكردية في سوريا، حيث إنّ منطقة الجزيرة السورية ظلّت الوحيدة المحافظة على تنوّعها السّوري حتى بعد تأسيس الإدارة الذاتية فيها، والسّؤال الرّئيس الذي يُطرَح باستمرار في الشارع الكردي، ما هو الفرق بين رؤية النظام والمعارضة للكُرد؟


 


حاول النظام بكل جهوده أن يُدْخِلَ الكُرد بوعي أو من دونه في بوتقة الصهر القومي، حتى ينسوا أنفسهم ويصبحوا عربًا، لكن بعد مرور أكثر من أربعة عقود توضّح للعالم بأنّ كُرد سوريا لازالوا كُردًا، ولم تستطع كل محاولات الصهر أن تحظى بالنّجاح، فيما لازالت المعارضة السورية تحمل فكر البعث في رؤيتها للكرد، فتارة هم أبناءٌ للجن، وتارة أخرى وافدون ،كما إنَّ محاولات الحكومة التّركية في توطين العرب السّوريين اللاجئين في المناطق الكردية في تركيا، تثبت هذه المعادلة التي تصفّقُ لها المعارضة السورية لعربها، فيما تعتبر كُرد الجزيرة السورية أجانب أو وافدين، واصفة كُردَ الدّاخل السّوري ب"المتميزين" لأنّهم وبحسب أحد العنصريين من النخب العروبية السورية "جل ما يربطهم بالأكراد هو ما يتردد على أسماعهم بأنهم من أصول كردية وربما أغلبهم لم يعد يعرف هذه الحقيقة".


لايقصد هذا المقال الشعب العربي وإنّما من يمثّله من القوميين العنصريين فقط، بالمحصلة فإنّ كل الدلالات والإشارات لفكر المعارضة السورية تشير إلى أنّ البعثّ يُبْعَثُ من جديد، فقد كتب كُرد العراق على بوابة مقبرة الشهداء في مدينة حلبجة على لافتة:"ممنوع دخول البعثيين"، في إشارةٍ إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، أمّا في سوريا فكأنّ المعارضة العروبية المتمثلة بالإئتلاف والنظام السوري لا يذكران الكُردي السّوري إلّا بعبارة : كُنْ عربيًّا دائمًا...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم