السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حلف الأقليات وجعجع "المزعج"

المصدر: "النهار"
أندرو حبيب- باحث
حلف الأقليات وجعجع "المزعج"
حلف الأقليات وجعجع "المزعج"
A+ A-

"حسن شاطري" أو "حسام خوش ناويس"، من يذكر هذا الاسم؟ هو الجنرال الإيراني الذي قُتل منتصف آذار عام 2013 في طريق عودته من دمشق إلى بيروت، والذي قيل عنه أنه قيادي رفيع في فيلق القدس، لا بل مسؤول فيلق القدس في لبنان، والمشرف على مصالح الحرس الثوري في الشرق الأدنى، وهو الذي كان يعمل تحت ستار رئيس "الهيئة الإيرانية لإعادة الإعمار في لبنان". في الواقع، كان أكثر من ذلك بكثير.


أشرف حسن شاطري على إعادة بناء القوة الصاروخية لحزب الله بعد حرب تموز 2006، كما أشرف على إعادة إنتاج وحدات النخبة التابعة للحزب، والتي كانت قد تأذّت بشكل كبير خاصة في آخر أيام هذه الحرب. وكان هو القناة التي تمرّ عبرها الأموال الإيرانية بحجة إعادة الإعمار، بينما تمّ استخدامها من ضمن استراتيجية عمل معقّدة–كانت له اليد الطولى في رسمها– تشمل الرشاوى السياسية الضخمة واستئجار الأقلام الصحافية وافتتاح محطات ورعاية صحف وإذاعات، ومنح صفقات إعادة إعمار في الضاحية الجنوبية مقابل الحصول على تأثير في سياسة بعض المجموعات اللبنانية. ليس هذا عن عبث، بل هو لبّ مشروع "كوريدور القوة" الجنوبي – الذي يذكّر بكوريدور الغاز الجنوبي الذي يمر في "حمص" ليصل إلى شواطئ لبنان – ذات الطابع السياسي والاقتصادي والعسكري، والممتد من طهران مرورًا ببغداد ودمشق وحمص وبعلبك وصولًا إلى الشواطئ اللبنانية. وكان لا بدّ من نظرية سياسية ترافق كوريدور القوة هذا، وتكون تغطية تنظيرية لأهدافه العميقة، وتكون أيضًا "الغراء" الذي يجمع أجزاءه ويوصل إليه بطريقة منمّقة جميلة مبطنة، تستطيع أن تحاكي وعي الجماعات المتواجدة على خطّه الجغرافي في الإقليم، وحتى دغدغة آذان الدول الغربية: إنها نظرية حلف الأقليات.
إنساق من انساق من المسيحيين خلف هذا المشروع، ولكن وقف بوجهه شخصان: البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، وسمير جعجع. الأول بخطابه اللبناني السيادي ووضْعه الأمور في نصابها الصحيح عندما كان يُسأل عن حزب الله ودور حزب الله، والثاني بثباته على المشروع الرافض للهيمنة الإيرانية على لبنان، والرافض لكل منطق حلف الأقليات، وبخطابه الذي ما زال صداه السياسي يتردّد، حين وحّد دماء "قنات وبلا والأشرفية وزحلة"، بدماء "حمص وحماه ودرعا". وعلينا جميعًا التفكّر بالتالي: هل من سياق فعلي غير هذا السياق، توضع فيه محاولة اغتيال جعجع في 4 نيسان 2012، بعد خلوّ سدّة بكركي من قامة كقامة البطريرك صفير، المُحاط بمَن كانوا حوله يوم "استقال"؟
إن خطورة مشروع حلف الأقليات لم تأتِ فقط من قدرته على جمع فُتات الكنائس المشرقية - التي تعوّدت تاريخيًا على العيش في ذمّة "الحاكم المتغلّب صاحب الشوكة" وفي ظل "تسامحه" - بل لأنه استطاع التغلغل في البيئة التي كانت تاريخيًا عصيّة على هذا المنطق، أي البيئة المارونية اللبنانية. صحيح أن اغتيال حسن شاطري شكّل ضربة كبيرة لهذا المشروع، إلّا أن ثبات القوات اللبنانية كرأس حربة في مواجهته لبنانيًا، ليس بالأمر الذي يُستسهَل أو يُتناسى. ويُسجّل لسمير جعجع، هذا المقاتل الشمالي الذي صعد من صفوف "الفلاحين" وليس من صف "الملأ الأعلى" السياسي والعائلي، أنّه صاحب دور كبير في مواجهة مشروع حلف الأقليات، مثلما كان له الدور الأكبر – وربما الأوحد – في إسقاط الاتفاق الثلاثي سنة 1986. كما ويُسجّل له أنه يشكل حاليًا مصدر إزعاج كبير للإيرانيين، الذين عوّدونا في كل مناسبة شبيهة على استحضار ملف الديبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين اختفوا في لبنان إبان الحرب، واتهام جعجع بالمسألة. ولكن لا تخفى على المتتبّعين، ماهية الأسباب الحقيقية لهذا الهجوم. وقد كانت لافتة المعلومات التي كشفها جعجع أمام الرأي العام، في مناسبتين، بشأن الدور الذي يلعبه الإيرانيون في تعطيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية. وربما انزعج هؤلاء لإعلانه معرفته بما دار في اللقاء الذي جمع السفير الإيراني في لبنان بديبلوماسيين أوروبيين حيث قال لهم أن الحل الرئاسي في لبنان يبتدئ بحراك منهم تجاه الفاتيكان لإقناع الجنرال ميشال عون بالتخلي عن سعيه للوصول إلى بعبدا. وانزعجوا أكثر عندما كشف مؤخرًا عن معلوماته عن الدور السلبي الإيراني في الملف الرئاسي اللبناني، والذي ظهر إبان زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى باريس.
إن المسار الذي انتهجه جعجع في المسألة الرئاسية، هو مسار يؤدي إلى انكشاف حقيقة النظرة الإيرانية تجاه الجنرال عون، والتي أصبحت علنية حتى في بعض الدوائر الإيرانية. فللمفارقة مثلًا، إن أحد الباحثين الإيرانيين المقربين من الحكومة الإيرانية والذي كان يتردد إلى لبنان للحصول على شهادة دكتوراه – حصل عليها مؤخرًا – وهو ممّن تابعوا المؤتمر الذي عقدته القوات اللبنانية حول التداعيات الاستراتيجية للاتفاق النووي، كتب مقالًا في أحد أهم المواقع الالكترونية الإيرانية الذي يُعنى بالسياسة الخارجية، يقول فيه أنّ المرشّح الأفضل والأول والفعلي للجمهورية الإسلامية هو الوزير سليمان فرنجية وليس الجنرال عون، وأن إعلان النوايا بين عون والقوات وتخلّي جعجع بالتالي عن ترشيحه، فتح الباب أمام "حزب الله" والإيرانيين للإتيان بمرشحهم الفعلي والموثوق إلى سدة الرئاسة، سليمان فرنجية.
وعليه، أن تكون علاقة القوات بعون على شاكلة ما ظهر منذ إعلان النوايا-واستُتبع في الانتخابات البلدية– يعني أقلّه إن القوات، بما تمثّله من خطاب لبناني سيادي يمكن الاتكال على الضمانات التي يقدمها، تأكل عند عون من صحن حزب الله. كما يعني بأن استمرار التعطيل الإيراني واستمرار جعجع بكشفه ومحاولة الالتفاف عليه، هو مسمار إضافي يُدقّ في نعش نظرية حلف الأقليات، لأنّه يهدّدها بخسارة الثقل المسيحي الذي يشكله الجنرال عون.
على السنّة اللبنانيين مواكبة حراك سمير جعجع. وإن كان يريد الرئيس سعد الحريري القضاء نهائيًا على نظرية حلف الأقليات، أمامه فرصة تاريخية الآن: الإعلان بالسير بالجنرال عون رئيسًا مقبلًا للجمهورية اللبنانية.


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم