الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كارثة خطيرة تطال أهمّ شرايين الخريطة اللبنانية

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
كارثة خطيرة تطال أهمّ شرايين الخريطة اللبنانية
كارثة خطيرة تطال أهمّ شرايين الخريطة اللبنانية
A+ A-

مصانع غذائية. ومياه آسنة. ومخلّفات طبيّة. ومرامل. ومبيدات حشريّة. ومعامل كيميائيّة. وكثافة سكّانية متفاقمة. ونزوح سوريّ. ومخيّماتٌ مشيّدة على قرابة مجاري المياه. وأطنان نفايات عشوائيّة. وروّادٌ غير مسؤولين. وإرشادٌ غائب. وبنى تحتيّة رديئة. وتغيّرٌ مناخي. وانخفاضٌ في معدلات المتساقطات. وضعفٌ في دفق المجاري. وشحٌّ سريع في الصيف. وجفاف. وسباحة في مياهٍ مبتذلة. وريّ مزروعات من الصرف الصحيّ. وسياحة نهريّة غائبة. إنّه اختصارٌ لواقع #الأنهار في لبنان عام 2016. لا نقول جديداً عندما نشير الى تلوّثها. صحيح أنها مشكلة متعاقبة منذ عقود. لكنها اليوم باتت كارثة. "يصوّر نهر الليطاني اليوم كأنه النهر الأكثر تلوّث في العالم". عبارةٌ قالها الخبير البيئي الدكتور بلال جوني في مستهلّ حديثه لـ"النهار". وماذا بعد؟


لا شكّ في أن الاساليب التي يلجأ اليها اللبناني للتخلّص من المياه الآسنة معروفة. "هناك 3 طرق معتمدة لتصريف المياه المبتذلة: اما في الوادي وبالتالي تلويث المياه الجوفيّة، واما من خلال مجاري الأنهر او في #البحر. ان تراجع دفق المياه سنويّاً في المجاري اللبنانية لأسباب مناخية بحتة يؤدي الى الجفاف المبكر وبالتالي زيادة نسب التلوّث وسيطرة المياه المبتذلة على المجاري"، بهذه العبارة يختصر الباحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية، الجامعة اللبنانية، الدكتور كمال سليم في حديثٍ لـ"النهار" تأثير مياه الصرف الصحي على تلوّث الأنهار في ظلّ غياب خطّط فعّالة لتصريفها. فهل لا يزال من ثروة لبنان النهريّة ما لم يتحوّل بعد الى مياهٍ آسنة؟


أكثر 5 أنهر لبنانية ملوّثة
غالبيّة الأنهار في لبنان ملوّثة. عبارة لا مبالغة في قولها، في وطنٍ تتحوّل فيه مجاري الأنهر خلال فصل الصيف الى مجرّد مجارٍ للصرف الصحي بعد جفاف المياه فيها. هذا ما يؤكّده سليم مصنّفاً أكثر 5 أنهر ملوّثة. يقول: "يعتبر نهر الليطاني أكثر الأنهار الملوّثة في لبنان بسبب التكاثر السكاني الهائل في المنطقة نظراً للنزوح السوري ما ضاعف كميّة المياه الآسنة إضافةً الى وجود المصانع. ويليه في مستوى التلوّث نهر الغدير الذي لا أريد أن اسميه نهراً بل هو عبارة عن مجرى صغير للصرف الصحي".


ويتابع: "يجاريهم في التلوّث نهر البارد الذي يعاني ضغوطاً سكّانية هائلة الى جانب الأوساخ التي تصرّف في مجراه. أما نهر بيروت فحدّث ولا حرج، حيث يتعرّض في الصيف للجفاف التام ما يحوّله الى مجرى للصرف الصحي. اضافةً الى نهر انطلياس الذي يعتبر نهراً صغيراً جدّاً لكنه ملوّث".
وعن الأنهر اللبنانية التي لا تزال في منأى عن مظاهر التلوّث الكبيرة، يقول: "يبقى لدينا نهرا الدامور والأولي حيث نسبة التلوث فيهما متوسّطة. اضافةً الى الجزء اللبناني من نهر العاصي الذي لا يعاني من ضغوط سكّانية كثيفة. أما نهر ابرهيم فهو يعتبر أفضل الأنهر اللبنانية غير الملوّثة نظراً لابتعاده عن التجمعات السكانية".


نسبة العكر في المياه تجاوزت 37%
لا يخفى على أحد أن مسألة تلوّث الأنهار في لبنان، مشكلة بيئيّة مزمنة قديمة عانت منها البلاد منذ عقودٍ من الزمن. لكن العنصر الطارئ في السنوات الأخيرة المنصرمة، تمثّل في الكثافة السكانية الهائلة التي سبّبها النزوح السوري خصوصاً في مناطق البقاع وعكّار، اضافةً الى الدور السلبي للمصانع الكيميائيّة والغذائيّة والمخلّفات الطبيّة والمبيدات الحشريّة والزراعيّة التي تهدّد المياه الجوفيّة.


الخبير البيئي الدكتور بلال جوني يؤكّد في حديث لـ"النهار" أن "تلوّث الأنهار في لبنان تجاوز كلّ الخطوط الحمراء ". ويقارب المسألة من ناحية علميّة بحتة مشيراً الى أن نسبة العكر في #المياه التي لا يجب ان تتجاوز 3% كحدٍّ أقصى، وصلت في نهر الليطاني الى 37%. في حين نسبة الكوليفورن التي لا يجب ان تتجاوز نسبتها 10 أمتار مكعّب، وصلت الى 1000 نقطة مشكّلةً رقماً جنونيّاً. يأتي هذا بحسب جوني في ظلّ قلّة كميّة الأمطار وتراجع المتساقطات، ما يجبر بعض المزارعين الى الاعتماد على الصرف الصحي لريّ المزروعات والبساتين، بدلاً من المياه النظيفة.


السياحة النهريّة الى تقلّص
"الى أي مدى أعاقت نسب التلوّث المستجدّة حركة السياحة النهريّة الشهيرة في لبنان؟"، يجيب جوني انه "اذا ما اردنا التكلّم عن #السياحة، فإن السباحة في نهر الليطاني ممنوعة تفادياً للتيفوئيد والصفيرة وأمراض الجهاز الهضمي التي تعتبر نسبتها عالية في المناطق البقاعيّة. السياحة النهريّة تأثّرت كثيراً، وما من أحدس يجرؤ على اصطحاب اولاده الى النهر بعد اليوم. من هنا يتوجّب على الدولة تحمّل مسؤوليتها حيال تنمية السياحة النهريّة. وعلى مصالح المياه ووزارة البيئة ان تتحلّى بدور أكبر لإنقاذ هذا القطاع على رغم جهودها المبذولة.


ضرورة تفعيل معامل تكرير الصرف الصحي
لعلّ المشكلة الأكبر التي يمكن أن تنجم عن تفاقم تلوّث الأنهار، تكمن في عدم فاعلية السدود في ظلّ غياب نوعيّة المياه. هذا ما يشدّد عليه سليم جازماً ضرورة تشكيل هيئة اشراف فعليّة لاعادة احياء النهر من موته المحتّم. وتترجم الأداة الفعليّة برأيه، بجهود الوزارات المعنيّة والبلديات وهيئات المجتمع المدني التي تضطلع بالدور الاساسي في النوعية. الإدارة الفعليّة التي لها علاقة بالوزارات والبلديات والمجتمع المدني الذي يلعب دوراً اساسياً في التوعية وضمان عدم الاعتداء على النهر. هذا فضلاً عن ضرورة تفعيل معامل تكرير لمعالجة النفايات الآسنة، في حين أن النفايات الصناعية تبقى أقل وطأة من العضويّة.


من جهته، يسلّط جوني الضوء على تدارك أهميّة استثمار قدرة معامل تكرير المياه الآسنة الاستيعابيّة، حيث يوجد في لبنان اليوم 19 معمل تكرير، بعضها يعمل لساعات محدودة رغم أن قدرته الاستيعابيّة كبيرة. فيما البعض الآخر متوقّف عن العمل قسراً نتيجة عدم توافر #الكهرباء. ويلفت الى ضرورة تنظيم معالجة مشكلة الصرف الصحي في مناطق النزوح السوري حيث تفرغ المياه الآسنة مباشرةً في الأنهر. كما لا بد برأيه من الرقابة على المخلفات الصناعية والطبية ومعالجتها. وعن المبيدات الحشرية التي يستخدمها المزارعون عشوائيّاً، يقول: "يجب استخدام الطرق العلمية المدروسة او انتقاء انواع المبيدات الأقل ضرراً على البيئة للحدّ من نسب التلوّث. مشاكل الجهاز الهضمي كبيرة في المناطق المحاذية للمصانع كالبقاع والجنوب. نحن لسنا على مشارف أزمة، بل بتنا حقّاً في كارثة وعلى الدولة المساعدة".


بات النهر في لبنان بركة مياهٍ مبتذلة تزيّن سطحها نفايات القرى الجبليّة والداخليّة العائمة. بركة غير صالحة للسباحة. أو لغسل الصحون والخضار. أو لريّ المزروعات. أو للتأمّل الشاعري. أو لرسم لوحة فنيّة. أو لاصطحاب الأصدقاء في مشوار. أو لاستنشاق عبير المياه العذبة. أو لاستشعار صقيعها في عزّ الصيف. أو لتشييد مقهى سياحيّ. أو لاستمراره في حال كان قائماً. أو لزيارته في حال عاند الواقع. أو لتناول سمكةٍ تربّت في حوض مياهه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم