الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لماذا أنا قويّ؟

عقل العويط
عقل العويط
لماذا أنا قويّ؟
لماذا أنا قويّ؟
A+ A-

يقول قائلٌ في قلبي، ما يأتي: لم يعد عندي حيلة. فأنا أكتب لأنسى. وأقرأ لأنسى. وأعشق لأنسى. وأنام لأنسى. لكني أفشل في النسيان لأن لا شيء في مقدوره أن يُنسّيني الواقع الرهيب؛ واقع الحياة الكلبة هذه، الذي تتضافر العوامل المختلفة، مثلما يتضافر الكُثُر، لجعله نظامَ حياة. ثمّ يقول قائلٌ في قلبي، متداركاً: هو التماسك الداخلي الشعري، يصون العقل، حائلاً دون تفكّك الخلايا وتدمير الأعصاب.
أشهد لنفسي أنها قويّة إلى حدّ عدم السقوط في الابتزازات الرخيصة، التي من شأنها، في لحظات الضعف، أن تُحني جبلاً شامخاً وقوراً، فكيف لا تُحني هشاشة شاعر! أسأل: لماذا أنا قويّ؟ وأجيب: لأن المطلق الذي لا يُرى، قد رأيتُه مرةً، بالصعق الشعري. كانت تلك الواقعة كافيةً لأعرف، بتواضعٍ عظيم، أني مسؤولٌ معنوياً عن مصير الحبّ، حيث أستطيع أن أكون مسؤولاً، وأني مطلوبٌ للسهر على أمورٍ كثيرة، لا تُحسَب في عداد الأشياء والأوقات، حيث أستطيع أن أسهر. هذا المطلق؛ وهو الحرية كلّها، والهواء، والينابيع، والبحار، والغيوم بأشكالها، والليل بأسره، والأحلام، والشموس، والقمر، والحبّ كلّه، والمرأة كلّها، والكلمات؛ قد جعلني سابقاً، ومن شأنه أن يجعلني على الدوام، شديد الحرص على المسؤولية، وشديد السهر المتهيّب أمام التجليات. في الكرامة المسؤولية، ويا لمشقّة السهر!
لكنْ، هل أنا قويٌّ حقّاً لأواصل المسير؟ أعرف أني لستُ قوياً بما يكفي لكي أواجه الوحوش الذين تُطلقهم الحياة الكلبة من دهاليزها وأقبيتها؛ مرّةً، بالضجر الوجودي، ومرّةً باستحالة التغلّب على كلبية الحياة، وثالثةً بالإذلال المتعدّد القناع والوجه. لكني أواجه هؤلاء الوحوش، مدركاً – بالمنطق - أن الربح الأخير لن يكون لي، ولا لورثة المطلق، بل سيكون، على غرار مآل التجارب الكونية المتراكمة، للحياة الكلبة نفسها.
إنه لمن المؤلم حقّاً أن يستشرف المرء مصيراً لا سبيل إلى دحره. لكنْ، على الرغم من هذا الاستشراف، يظلّ يتنازعني تجاذبٌ مُضنٍ بين التحدّي والاستسلام، أنا الذي لن يستسلم إلاّ مضرّجاً. فكيف، يا ترى، أواصل التحدّي، وكيف أمتنع عن الاستسلام؟ أجدني "مؤمناً" بأنه لا "يحقّ" لي أن أظهر بمظهر الفرد المثخن بالجروح. فكيف أربح؟ مسؤولية الشاعر أن يعثر على الحلول. هذه فرادته. وإلاّ، فليذهب إلى الجحيم. فإذا كان هو يجد الحلول المعنوية لذاته، فمسؤوليته العظمى أن "يُقنع" الآخرين بأن لا حلول خارج البرهان الشعري.
كيف أكون قوياً؟ أكون قوياً بأن أُقنِع هذه الحياة الكلبة بالذات، بأن لا خلاص إلاّ بالشعر وبالشاعر. هذه هي مسؤوليتي!


 


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم