الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الصمود يحتاج إلى أكثر من البنادق

بيار عطاالله
الصمود يحتاج إلى أكثر من البنادق
الصمود يحتاج إلى أكثر من البنادق
A+ A-

يكبر الحزن في القلب كلما تقدم المرء على الطريق المتجه من بعلبك الى اقصى البقاع الشمالي، ناحية رأس بعلبك والهرمل والقاع. ذاك الطريق الهدية "من شعب الثورة الايرانية الى شعب المقاومة" كما تشير اللافتة المرفوعة الى جانب الطريق، يصل ايضاً الى الحدود السورية ويربط ما بين مدينة حمص السورية وكل انحاء شمال شرق لبنان، وبهذا المعنى يمكن القول ان القاع هي بوابة لبنان الشرقية – الشمالية والممر الالزامي للآتين من الداخل السوري ،ولا بد من العبور فيها وعبرها للوصول الى الداخل اللبناني او اقله الى اعالي جبال عكار ولبنان.


ذُهل الاهالي بوجوه الوزراء والنواب والسياسيين الذين زاروا البلدة متضامنين، لكن الذهول الاقصى او الحيرة هو من اللحظة التي تلت تشييع جثامين الشهداء، وانصراف وسائل الاعلام عن البلدة الى اخبار اخرى في مناطق اخرى، لتعود القاع تواجه مصيرها بيدها، وحيدة، لا حول لها ولا قوة الا مساندة الجيش وهبّة الاهالي في البلدة والجوار. وتلك حقيقة مؤلمة يجب البحث في كيفية التعامل معها، ذلك ان الكلام على ان التكفيريين يتحصنون على مسافة ستة كيلومترات من البلدة ليس بالامر السهل، ولا يمكن تجاوزه الى التطمينات الكلامية والوعود التي لم تمنع الانتحاريين من ممارسة فعل الابادة الجماعية للاهالي لو تسنى لهم ذلك. والكلام على حضور الجيش في البقاع الشمالي وعند خطوط المواجهة مع "داعش" واخواتها يحتاج الى الكثير من الترجمة العملانية بالدعم والمساندة لا بالقرارات الوزارية، وخطوط الجبهة الواسعة جداً لا تحتاج الى خبير عسكري ولا الى محلل استراتيجي لكي يدرك المرء انها تحتاج الى طوافات عسكرية مقاتلة، وطائرات من دون طيار او مع طيار لمراقبتها ليل – نهار مع كل ما يحتاج اليه نظام المراقبة هذا من دعم ناري وقوات عسكرية، كما يقول احد الضباط المتقاعدين ممن كان هناك يروي سيرة ما حدث بعيداً من التأويل والنظريات.
يستطيع الاهالي في القاع حماية مداخل بلدتهم الكبيرة بواسطة البنادق القليلة التي يمتلكونها اسوة بكل اللبنانيين، وهم ادرى بشعاب احيائهم ومداخلها وحاراتها الواسعة، لكن المشكلة انهم يحتاجون الى دعم حقيقي يمكّنهم من البقاء والصمود الى حين انتهاء الحرب في سوريا، ذلك ان العسكريين المتقاعدين، وعلى كثرتهم في القاع، يحتاجون ايضاً الى اسباب البقاء والصمود والى تصريف انتاجهم الزراعي وحمايته من المنافسة، والبطيخ والزيتون وغيرها من الخضر والانتاج الحيواني اساسية كي لا تموت عائلاتهم جوعاً او فقراً، ومن حق اولادهم ان يحظوا بالتعليم الجامعي والمدرسي والرعاية الصحية. والمبادرة الشجاعة من الرابطة المارونية والمؤسسة المارونية للانتشار أمس الى تقديم دعم مالي للاهالي الصامدين، ربما كانت الخطوة الاولى في مشروع آلاف الاميال، وهي تحتاج الى ترجمة عملانية من مزيد من الشخصيات اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً بتعزيز مقومات البقاء والاستثمار والصمود في البلدة، كي لا يشعر اهلها بانهم متروكون لمصيرهم وقدرهم في تلك البادية المفتوحة على كل المفاجآت الانتحارية والمشاريع الشرق الاوسطية.
اذا تلفّت المرء من امام كنيسة مار الياس غرباً، تلوح له الهرمل وقمم السلسلة الغربية لجبال لبنان وتلال عكار، ويقول الاهالي ان القبيات تبعد ساعة على الاكثر عن القاع. ومن هذه الوقائع الجغرافية يمكن فهم كلام قائد الجيش العماد جان قهوجي عن مشروع "داعش" القديم في الوصول الى شاطئ البحر. ربما كان الامر صعباً على هذا التنظيم التكفيري نتيجة الاوضاع المزرية التي يمر بها وتراجعه على الجبهات العسكرية، لكن ذلك لا يعني انه فقد القدرة على المبادرة والهجوم من مواقعه في السلسلة الشرقية الوعرة والجرداء، والخاسر قد يلجأ الى جميع الاساليب والوسائل لتعزيز وضعه. ويكفي التجول في شوارع القاع ورأس بعلبك والجديدة والفاكهة ومراقبة ردود افعال الناس والاستماع الى هواجسهم لكي يدرك من لم يدرك بعد حجم التهديد الذي يشعرون به، وعظيم المسؤولية التي يتحملها الجيش والاهالي و"حزب الله" في الدفاع عن تلك المنطقة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم