الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

روز ماري

حياة ابو فاضل
A+ A-

الصغيرة الزهرية اللون، الشقراء الزرقاء العينان، فتحت أول نافذة لي على انكلترا يوم كنت طفلة في صف الـ KG في مدرسة برمانا العالية الانكليزية. وكان لها رئيس انكليزي وزوجته علّمتنا اللغة الانكليزية، إلى أن تركتنا ذات يوم لتنجب روز ماري التي طالما ذكرتنا ببطلات قصص الأطفال مثل "الأميرة النائمة" و"سنو وايت". وكانت كلّما حملتها أمها لتزورنا في الصفوف أو في الحديقة تحمل لنا فرصاً كثيرة وتأخذ منا حباً واهتماماً وتقارباً طفولياً يمحو ما قد يفرّق بين صغار المكان وطفلة صغيرة جذورها في بلاد الضباب.


هذا ما حملته ذاكرتي عن أول لقاء لي مع "انكلترة"، من خلال إرسالية "كويكرية" أسست مدرسة برمانا العالية في القرن التاسع عشر. وتعلّمت في هذه المدرسة أعداد كثيرة من أبناء لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، وكان الأساتذة انكليزاً ومن لبنان، وبينهم من جاء من سوريا وفلسطين.
وكبرنا وآلمتنا مأساة فلسطين، وآلمنا أكثر أن الانكليز ساهموا في اتمامها بدءاً من بلفور ووعده، وانتهاء بمناصرة عرب ساعدوا في الخفاء وفي العلن انتشار الاحتلال الصهيوني للأرض، ومنع عودة من هاجر في البدء تفادياً لقتال ما انتهى بعد ولن ينتهي أبداً.
مادة الأدب الانكليزي كانت نافذة أخرى على "انكلترة" التي اجتاحت الكوكب على مر التاريخ مستعمرة على مراحل معظم قاراته، ناهبة كنوزها، وحارمة أهلها الأصليين موارد بلدانهم الطبيعية. جوزف كونراد كاتب انكليزي نقل صورة صادقة عن الاستعمار البريطاني الذي نهش قلب افريقيا في روايته الشهيرة: "قلب الظلام". ومن الهند التي قسمها الاستعمار البريطاني الى هند هندوسية وباكستان مسلمة، زارعاً بذور فتنة طائفية مستمرة - من الهند، غاندي الذي واجه مسالماً النبض الانكليزي المفرّق، المفكّك وحدة الشعب، من غير أن يلجأ الى العنف.
وفتحنا في الصفوف العالية على شكسبير وعلى عمق تحليله للعواطف البشرية السلبية والايجابية خالطاً بين واقعية الطموح البشري الى السلطة والمال، وعالم خيالي تداخلت فيه نبوءات جنيات ورسائل أشباح لتحدد سلوكاً كأنه انفلت من حدود انسانية الى مساحة يتلاقى فيها المألوف مع خارج المألوف: أسلوب خاص بفكر شكسبيري، متطور باستمرار... وقد تمحى ذنوب "انكلترة" التي ارتكبتها بحق الانسانية جمعاء فقط لأنها "والدة" شكسبير.
واليوم أثار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إرباكاً منذراً بتفكك مجتمعي غربي لا بد حاصل، وقد سبقناهم الى تفكّك لن يسلم منه مكان فوق الكوكب. فالزمن زمن انهيارات جيو – سياسية استهكلت كل الطاقات البشرية في اختبار موجع قبل تفتح الوعي الانساني على وحدة وجود هي الأساس.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم