الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

استفتاء بريطانيا وانتخابات أميركا

هشام ملحم
هشام ملحم
A+ A-

حاول المرشح الجمهوري دونالد ترامب استغلال نتائج استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الاوروبي ليبرر طروحاته المعادية للعولمة، وللمهاجرين، ولما يسمى "المؤسسة السياسية التقليدية" التي يفترض انها اختطفت صنع القرار من أيدي الشعب الاميركي، مشيراً الى ان هذه المشاعر هي التي تفسر تمرد البريطانيين على العولمة التي فتحت البلاد للمهاجرين، وجعلت وظائفهم تبحر الى الصين والهند، ووضعوا مستقبلهم في أيدي بيروقراطيي الاتحاد في بروكسيل.
طبعا هناك عوامل مشتركة بين الناخبين في أميركا وبريطانيا، وحتى لغة وشعارات مشتركة، مثل اصرارهم على ما يسمونه "استعادة بلادنا وسيادتنا"، والتي تعني ضمناً استعادة البلاد من البيروقراطيين والمهاجرين (اللاتينيين في أميركا، والمسلمين في بريطانيا). وهناك تشابه أيضاً في طبيعة الخلفية الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الناخبين في البلدين، فهم بمعظمهم من الرجال البيض من ذوي التعليم المحدود، أو الذين لم يحسنوا دخلهم ورواتبهم والذين يمكن اعتبارهم من ضحايا العولمة. ترامب ادعى ان البريطانيين "قد استعادوا السيطرة على بلادهم، وهذا ما سنفعله عندما نستعيد أميركا".
لكن المقارنة بين أميركا وبريطانيا أكثر تعقيداً. والتجربة التاريخية للبلدين مختلفة جذرياً، وعلاقة أميركا بالهجرة محورية وقديمة وهي بنيت على سواعد موجات متتالية من المهاجرين منذ 250 سنة، بينما تجربة بريطانيا مع الهجرة حديثة العهد ومرتبطة بارثها الاستعماري في آسيا وافريقيا، وليس لأميركا ارث استعماري مماثل.
كذلك لا يمكن المقارنة بين استفتاء على مقترح معين، وانتخابات رئاسية لمرشحين لحزبين كبيرين لهما مواقفهما وبرامجهما الانتخابية ، كما ان النظام الانتخابي الاميركي فريد من نوعه ومعقد ولا يتقرر فقط عبر الاقتراع الشعبي بل بالفوز بالعدد الكافي من أصوات المجمع الانتخابي، لان الولايات هي التي تقرر الفائز. وهناك فئات وشرائح أميركية اجتماعية واتنية مهمة قادرة على تحييد طروحات ترامب المبنية على سياسة الترهيب والتخويف والعنصرية. ويشرف ترامب على حملة انتخابية تفتقر الى الكوادر البشرية ذات الخبرة والموارد المالية الضرورية للفوز، اضافة الى انه يواجه تمرداً قوياً داخل حزبه دفع عدداً من الشخصيات الجمهورية المعروفة أمثال مستشار الامن القومي السابق برنت سكوكروفت، ووزير الخزانة السابق هنري بولسون، وريتشارد ارميتاج لاعلان رفضهم لترامب وتأييدهم لحملة هيلاري كلينتون. ويواجه ترامب في كلينتون مرشحة قوية وذات خبرة واسعة، وماكينة انتخابية فعالة تملك المهارات والمال.
صحيح ان ترامب يمثل ظاهرة سياسية - اجتماعية معادية لقيم اساسية تعتبر جوهر الدستور الاميركي، وتقاليد أميركا على الاقل في السنوات الخمسين الاخيرة، لكن الذين يكتفون بالاستخفاف بترامب قد يندمون في تشرين الثاني المقبل كما ندموا عندما فاز بترشيح حزبه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم