الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ذكرى ثورة 30 يونيو: اين الحريات واين لقمة العيش؟

المصدر: النهار
امين قمورية
ذكرى ثورة 30 يونيو: اين الحريات واين لقمة العيش؟
ذكرى ثورة 30 يونيو: اين الحريات واين لقمة العيش؟
A+ A-

قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال اهتزت مصر بانتفاضة شعبية عارمة عرفت باسم ثورة 30 يونيو وجاءت في اعقاب خضات سياسية تلت انتفاضة شعبية مماثلة في 25 يونيو التي توجت باطاحة الرئيس حسني مبارك الذي خلفه على رأس السلطة الرئيس الاخواني محمد مرسي الذي اطاحه العسكر بعد هزة 30 حزيران 2014 ما اشعل جدلا لم يتوقف بعد عما اذا كانت الثورة الثانية انتفاضة شعبية ام انقلاب عسكري؟


ولما حمل يوم 30 حزيران قائد الجيش عبد الفتاح السيسي الى قصر الرئاسة بزخم شعبي وباحلام كبيرة كان توق المصريين كبيرا الى دولة حديثة عصرية تعيد للقاهرة دورها الاقليمي المفقود والطبيعي وتنقل مصر من دولة عالمثالثية تعيش على حافة الفقر والامية الى ما يفترض ان تكونه واقعا دولة صاعدة على غرار الهند والبرازيل واندونيسيا وتركيا. في حين كان المتشائمون يخشون ان يتراجع بلدهم ليعود "دولة بوليسية تتحكم قلة من الافراد بمصيرها ولا تستطيع الانطلاق الى الامام.


لكن بدلا من مواجهة أزمات مصر الحقيقية المتمثلة في اتخاذ القرارات الصعبة بعد الثورة٬ بداية من مواجهة تكلسات نظام قديم أنتج بيروقراطية عدائية ورافضة للتغيير، أُدخِل المصريون في مناظرات ومشاحنات زائفة وصراعات احدثت شرخا في المجتمع بدلا من توحيده ولاسيما على خلفية الصراع بين الاسلاميين والعلمانيين وبين العسكر والمدنيين، وبينما كان العنصر البشري المتمثل في شباب الثورة يدفع باتجاه التغيير٬ اصطدم بتركيبة الدولة وبنيتها المتجمدة وغير القابلة للتغيير.


وفي الذكرى الثالثة للثورة يتسع نطاق خيبة الأمل في تحقيق تحول ديموقراطي في مصر مع تزايد وطأة القيود على الحريات وتراجع الاوضاع المعيشية بفعل الاختناق الاقتصادي وتدهور الاحوال الامنية بفعل الحرب الضروس التي يشنها الارهاب.
وكان السيسي وعد المصريين بالكثير من الانجازات، وقال بلسانه في الذكرى الاولى لتسلمه السلطة : "سنتين كمان هتلاقوا أمر عجيب حصل في مصر، وهتستغربوا حصل إزاي.. ده هيحصل بإرادة المصريين". لكن الأزمات لم تتوقف عن ملاحقته، في ظل غياب الدولة والحكومة، والتي أثرت سلبيا في توتر العلاقات مع بعض الدول الغربية، فضلا عن تراجع شعبيته داخليا.


ولعل أبرز الأزمات التي شهدتها مصر تراجع أوضاع حقوق الإنسان والحريات، التي تسببت في انتقادات غربية واسعة لسياسات النظام الحالي، فضلا عن الملف الأكثر تأثيرا وهو الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار وهو أمر يرتبط بعدم القدرة على ضبط سعر صرف الدولار مقارنة بالجنيه المصري، وأخيرا التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، في إطار اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.


واذا كانت مصر اعتادت على مواجهة التحديات الاقتصادية، فان الوضع تداعى بشكل ملحوظ منذ تولّي السيسي بسبب تراجع السياحة وعائدات قناة السّويس، إلى التّمرد الإسلامي المستمر بقيادة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ومع تدني الاحتياطات الأجنبية إلى مستويات خطيرة، وبلوغ معدل التضخم السنوي نسبة مذهلة قدرها 9 في المئة وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 13 في المئة ووصول العجز في الموازنة إلى نحو 12 في المئة، فإن ماليّة القاهرة واستمراريّة حكومة السيسي واستقرار مصر تواجه جميعها خطراً متزايداً.


وفي حين بذل السيسي جهوداً متضافرة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، فإنه لم يعالج مشاكل الاقتصاد البنيوية والأساسية في مصر، وأهمها الدور المتضخم الذي تؤديه القوات العسكرية في النظام المالي - حيث يسيطر الجيش على ما يقرب من 30 في المئة من الاقتصاد - ودعم المواد الغذائية والطّاقة الّتي تمثل نحو 20 في المائة من الموازنة السنويّة. فهذه الإعانات، بالإضافة إلى رواتب سبعة ملايين موظف في ادارات الدولة المتعددة والمتضخمة وخدمة الدين، تساوي 80 في المئة من الإنفاق الحكومي السنوي.
ومن القضايا التي تزيد الأمور تعقيداً، ولادة طفل جديد كلّ تسع عشرة ثانية من الزّمن تقريباً، الأمر الذي يشكل نمواً سنوياً يعادل 2.6 في المئة، وما يعني أنّ عدد سكّان مصر قد يتضاعف ليصل إلى 180 مليون شخص بحلول عام 2050، في الوقت الذي يعيش أكثر من نصف المصريّين تقريباً على أقل من دولارين في اليوم.


وجاءت قضية تخلي مصر عن جزيرتي تيران وصنافي لصالح السعودية لتزيد الطين بلة فالطريقة التي أُعلِن بها الخبر خلفت غضباً شديداً لدى قطاعات واسعة وطرحت مسألة كيفية تعاطى الرئيس المصري مع الملفات الكبرى للدولة المصرية. وقد ادى ذلك الى تنظيم تظاهرات واسعة، لينتهى الأمر برفع عشرات الدعاوى القضائية ضد الرئيس ورئيس الحكومة أمام القضاء لرفض الاتفاق .
المؤكد أن شعبية السيسي اليوم هي ليست شعبيته في 2013، حيث أدت قراراته المتعاقبة إلى تزايد السخط وعدم الرضا يوماً بعد يوم بين الكثير من فئات الشعب، حيث لم يعد الرجل في صدام مع "الإخوان" فحسب، فاتساع دائرة الاشتباه والاعتقال في حق الناشطين من المجتمع المدني، جعلت منه خصماً للقوى الثورية والناشطين السياسيين من الشباب. وبالطبع لم تسمح الخلافات الإيديولوجية بين التيار الثوري والتيار الإسلامي بتوحيد الصفوف ضد السيسي، وهو ما يجعله في أمان نسبي، لكن هذا لا ينفي أن الرجل صار أكثر محاصرة بتعدد الجبهات الرافضة له ولسياسته.
وتعد جبهة الاعلام أكثر الجبهات المعارضة خطورة والتي تزايدت اخيراً حدة نبرتها الهجومية. فالسيسي منذ أن صعد للحكم، وهو مهتم بالإعلام، فأحياناً يقول بإن جمال عبد الناصر كان محظوظاً بإعلامه التعبوي الذي سانده، ومرة أخرى يوجه انتقاداً مباشراً أو تهديداً مبطناً للإعلاميين، قائلاً: "يعني هو القطاع بتاعكم ده ما فيهوش مصايب ولا إيه؟". بل وأكثر من ذلك؛ يحرض الشعب على الإعلام بقوله اليوم: "ما تسمعوش كلام من حد، اسمعوا مني أنا بس". ثم يضيف ساخراً من الإعلاميين: "الإعلام مش فاهم حاجه، واللي عاوز يعرف يجي لي أنا".


وبدأت تظهر في مصر تسريبات عما يعرف باسم "صراع الأجهزة"، والمقصود بذلك، هو الصراع بين أجهزة القوة ممثلة في المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، و"جهاز الأمن الوطني". وهي ثلاث أجهزة، كل منها يمتلك أدواته الخاصة للضغط، وبالطبع كل منها لديه أذرعه الإعلامية التي تعبر عن مواقفه، وعليه فأحد أهم وسائل إدراك حجم هذا الصراع، هو تحليل الخطاب الإعلامي للبرامج التلفزيونية والتي بات من المعروف سلفاً لمن تدين بالولاء حتى نكوّن صورة عما يجري خلف الستار في دولة باتت توصف بأنها "أرض الخوف".


وكان اندلاع ثورة 25 يناير، وما أعقبها من ضربات موجعه للأمن، ممثلة في حرق لأقسام الشرطة، واقتحام مقرات "جهاز أمن الدولة"، أدت إلى تغيير شكل المعادلة من جديد. فقد أصبحت الدولة في قبضة المؤسسة العسكرية، وهي المؤسسة الوحيدة التي كانت تعمل بانتظام في تلك الفترة، وبدأ اسم المخابرات الحربية واسم مديرها في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي يظهر ويلمع، ولم يمض عامان حتى كان السيسي رئيساً للبلاد.
بصعود السيسي للحكم بدا أن الجميع يحاولون تثبيت أقدامهم في هذا النظام الجديد، وبدا أن هناك مناوشات تحدث خلف الستار لجس النبض وتحديد الأوزان النسبية لكل جهاز؛ فمن ناحية إن "جهاز أمن الدولة" الذي تغير اسمه إلى "جهاز الأمن الوطني"، حاول السيطرة من جديد مستغلاً علاقاته التراكمية مع رجال الأعمال ومفاتيح "الحزب الوطني". ومن ناحية أخرى، هناك جهاز المخابرات الحربية الذي هو محل ثقة بالنسبة للرئيس بحكم الانتماء والولاء، وهو الجهاز الذي يسعى لوضع تركيبة جديدة تمنع ظهور جمال مبارك آخر في المستقبل، وتتفادى تطور الأمور بشكل يقود لثورة جديدة.
ويوضح الصحافي المصري ماجد عاطف ان هذا الصدام المكتوم بين الجهازين الأمنيين في مصر، لم يبق حبيس الغرف المغلقة طويلاً. فما أن تشكل البرلمان الجديد حتى احتدم الصدام وطفا على السطح، إذ حاول "جهاز أمن الدولة" فرض سيطرته على البرلمان، من خلال تكوين تحالف برلماني برئاسة اللواء سامح سيف اليزل تحت اسم "في حب مصر".


وفي المقابل، فإن المخابرات الحربية لم تصمت طويلاً؛ إذ زعزعت تماسك التحالف من الداخل، فتوالت الانسحابات فجأة، وعجلت بفشله، فقضت تقريباً قضاء تاماً على سيف اليزل قائد التحالف، والذي هاجمه الإعلامي توفيق عكاشة "المحسوب على المخابرات الحربية" قائلاً: "هل سامح سيف اليزل أقوى من الرئيس؟ هل هو الذي يحرك الرئيس السيسي". وفي الوقت نفسه تقريباً تمت الإطاحة بقيادات رفيعة من "جهاز الأمن الوطني". وهو ما اعتبر ضربة قوية أخرى من المخابرات الحربية.
إذن، فوجود صراع بين الأجهزة الأمنية في مصر بات شبه واضح، لكن الأمر الذي ما زال غير واضح هو مدى عمق هذا الصراع، وهل هو صراع حول النفوذ والسيطرة فحسب، أم أن هناك خلافات أخرى؟
وذهب حقوقيون إلى القول إن الانتهاكات والتجاوزات في فترة حكم السيسي لم تعد تقاس بالأرقام، ولم تعد ذات دلالة، على ضراوتها، بعد أن استساغتها الآذان والعيون.
وقال الباحث في الملف الحقوقي المصري بجنيف، أحمد مفرح، إن "الأرقام لم تعد مؤثرة، لأنه لا توجد محاسبة أو تحقيق فيما يتم من جرائم أو انتهاكات ترتكبها قوات الجيش والشرطة تحت رعاية السلطة السياسية، الأمر الذي أعطى الأمان والحماية لمنتسبي الأجهزة الأمنية إذا ما ارتكبوا جريمة بحق المواطنين يعاقب عليها القانون".
[email protected]
Twiter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم