الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الطلاق المعلّق

راجح الخوري
A+ A-

منذ اللحظة الاولى استعجل وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للإتحاد الأوروبي في اجتماع عقدوه في برلين، بريطانيا ان تبدأ اجراءات عملية الانفصال، من خلال تفعيل المادة ٥٠ من اتفاق لشبونة التي تنص على ان الانسحاب من الإتحاد الأوروبي يكون "طوعياً وأحادياً".


الاستعجال جاء نتيجة مؤشرات فورية لإتجاه بريطانيا الى استمهال تفعيل تلك المادة بدليل ان ديفيد كاميرون قرر تقديم استقالته في نهاية أيلول المقبل، تاركاً لمن يخلفه ان يبدأ عملية الخروج بحجة انه يؤيد البقاء في الفضاء الأوروبي. ولهذا لم يتردد رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز في وصف قرار كاميرون بالمخزي قائلاً: "لقد سجن كاميرون قارة كاملة منذ عام 2013 من أجل مفاوضاته التكتيكية وهو يكرر اليوم أخذها رهينة لمشاورات داخلية، فيما يستطيع حزب المحافظين اذا أراد ان يدعو غداً الى اختيار رئيس جديد للوزراء"!
أما وزير خارجية فرنسا جان - مارك ايرولت فطالب بتعيين رئيس وزراء جديد خلال أيام، مشدداً على انه "يجب ألا تلعب لندن لعبة القط والفأر"، في حين رأى رئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر ان على بريطانيا الخروج فوراً متخوفاً من ألا يكون الطلاق ودياً بل يسلك مساراً صعباً ومعقداً جداً، خصوصاً لأن العلاقة القائمة بين بريطانيا وشركائها الأوروبيين لم تكن منذ البداية علاقة حب حقيقي!
واضح تماماً من خلال المؤشرات الأولية التي رسمتها حركة الأسواق والبورصات ومن خلال الانقسام بين البريطانيين، ان الخوف يتصاعد من ان يؤدي استمهال بريطانيا في تقديم طلب الخروج رسمياً، الى زيادة الغموض ومضاعفة الشكوك في الأوساط المالية والاستثمارية، ما قد يؤدي فعلاً الى نشوء أزمة ثقة اقتصادية تخلخل نظرة المستثمرين الى السوق الأوروبية عموماً.
ولكن ليس خافياً ان الاستمهال البريطاني مدة شهرين ونيف لبدء عملية الخروج بتفعيل المادة ٥٠، يعود اولاً الى الرغبة في امتصاص الصدمة العميقة، وربما القاتلة اذا انطلقت حركة انفصالية داخل المملكة المتحدة التي تتألف من أربع دول وليس مقاطعات [بريطانيا - اسكوتلندا - إيرلندا - ويلز]، وثانياً الى الرغبة في اكتشاف الآثار العملية اقتصادياً وسياسياً لقرار الانفصال، فاذا كان من الممكن هضمه تمضي به، واذا كانت نتائجه سيئة كما بدا فوراً بعد ساعات يمكن البحث عن مخارج للعودة، بإستفتاء جديد تبرره عريضة الملايين الثلاثة أو بعدم اقرار البرلمان البريطاني نتائج استفتاء الخروج، ولو كان ذلك يشوّه صورة بريطانيا ويمزق الديموقراطية فيها!
في بروكسل يتحدثون عن ورود رسائل بريطانية الكترونية مفعمة بالحب بعد تاريخ من رسائل الغضب، في حين يؤكد وزير المال جورج أوزبورن أن لندن لن تبدأ اجراءات الخروج إلا في الوقت المناسب... والطلاق معلّق مرحلياً!


[email protected] - Twitter:@khouryrajeh

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم