الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الإرهاب يعود إلى الساحة اللبنانية متأبطاً بنك أهداف داخلياً وإقليمياً... فهل ينجح؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
الإرهاب يعود إلى الساحة اللبنانية متأبطاً بنك أهداف داخلياً وإقليمياً... فهل ينجح؟
الإرهاب يعود إلى الساحة اللبنانية متأبطاً بنك أهداف داخلياً وإقليمياً... فهل ينجح؟
A+ A-

بُعيد الغزوة الليلية الثانية للارهاب في بلدة القاع، اوشكت على الانطواء مقولة سعى كثيرون الى ترويجها وتكريسها، وهي ان البلدة البقاعية الحدودية القصية ليست مقصودة بذاتها، وان الارهابيين كانوا عابري سبيل في طريقهم الى تنفيذ عمليات في اماكن اخرى، الى درجة ان البعض لام شادي مقلد لاعتراضه المجموعة الارهابية مما جعل أفرادها يغيّرون اهدافهم ويفجرون انفسهم في البلدة.


وعليه تيقن المترددون من ان الارهاب المتربص انما يطرق من الان فصاعدا كل الابواب والجدر اللبنانية من دون انتقاء او اصطفاء، وانه جاء هذه المرة متأبطاً بنك اهداف يختلف عن كل استهدافات عملياته السابقة، والتي قصدت في حينها اكثر ما يكون بيئة معينة ومناطق بعينها وارادت الحاق اكبر قدر من الاذى والخراب بها، ومن ثم اغراق الساحة برمتها في مناخات خلافية متفجرة تزيد منسوب التناقضات الداخلية الكامنة وتسعّر مستوى الخلافات، لاسيما ان كثيرين حمّلوا "حزب الله" مباشرة وحصراً المسؤولية كونه "استقدم الدب الى كرمه والكرم اللبناني عموما" وشرّع الساحة على كل احتمالات التفجير.
بعد آخر غزوة للارهاب في الضاحية الجنوبية قبل اقل من عامين، وكان ميدانها برج البراجنة التي ظلت حتى حينه بمنأى عن الاستهداف، وفي اعقاب سلسلة اجراءات امنية مشددة وعمليات تفكيك لمجموعات وخلايا نائمة ووافدة، وإقفال العديد من معابر الموت الآتي من سوريا وجرود عرسال التي يبسط الارهاب هيمنته عليها، اقام كثيرون على اعتقاد جوهره ان خطر الارهاب قد ابتعد وانه اسقط من حساباته هذه الساحة لاسيما بعد تقلص البيئات الحاضنة اثر انتهاء حرب المحاور في طرابلس، فضلا عن التداعيات التي خلفتها غزوة عرسال الشهيرة والتي فرضت مناخات مختلفة. لكن غزوتي القاع الاولى والثانية، ومع ظهور ثمانية انغماسيين دفعة واحدة وفي زمن قصير، فان دوائر متابعة رأت ان الارهاب في هذه الحال انما يريد بلوغ واحد من هدفين: إما التمهيد لاحتلال البلدة ووصلها بأفق جغرافي اوسع، اي حيث تتمركز الجماعات المسلحة اصلا في الجرود العالية، او وصلها بما يعرف بجرود القاع حيث مخيمات للنازحين السوريين تتباين المعلومات حول عدد النازلين فيها ولكنها تتفق على انه يتجاوز العشرين الفا. واما ابلاغ المعنيين رسالة تنطوي على مضامين متعددة الترهيب من جهة، والقول انه (الارهاب) في طور ولوج عتبة مرحلة جديدة من التعاطي مع الساحة اللبنانية من جهة اخرى.
ترجيح كفة احد الاحتمالين يحتاج الى وقت والى آراء خبراء استراتيجيين، ولكن التوجه العام لدوائر القرار في 8 اذار هو ان هذا الارهاب شرع في ساحات عمله المتصلة في سوريا والاردن ولبنان في نقلة نوعية. ففي الساحة الاولى، وتحديدا في ريف حلب الشمالي والجنوبي، اصيب هذا الارهاب بـ "حال انتشاء" ورفع معنويات بعد هجماته هناك والتي سمحت له باستعادة اجزاء مما فقده سابقا من المحور المعادي، مما اتاح له ولرعاته تنظيم حملة تضخيم وتهويل لانجازاته طوال اكثر من اسبوع مشفوعة بكلام عن استقدام اكثر من 15 الف مقاتل جديد الى الجبهة الحلبية واسلحة متطورة بينها صواريخ مضادة للطائرات، مضافاً اليها كلام عن استعداد لفتح دمشق بدءا من حلب. وفي مرحلة ثانية ضرب الارهاب في الاردن بقصد توجيه رسالة الى النظام بان عليه عدم التملص من التزامات سابقة له.
اما ضربته الاخيرة في القاع فهي تستهدف ما يتجاوز البلدة نفسها ومحيطها ربما. فالارهاب المتسلح بكل هذا القدر من الجرأة وبهذا الاصرار والعناد على تحدي كل التوقعات والاجراءات المتخذة اثر الضربة الاولى، انما يريد الايحاء بانه يملك قوة ارهابية فائضة وان بمقدوره الفعل ساعة يشاء وتجاوز كل الاجراءات، وانه بناء عليه صار لزاماً على الساحة اللبنانية ان تتعايش مجددا مع تأثيرات ظلال حضوره السوداء كما قبل نحو ثلاثة اعوام، وان تستعيد قسرا مناخات الشحن والحقن والسجال الداخلي الحاد. واستطرادا فان الارهاب يستدرج الساحة الداخلية الى حال من التيه والارباك اكثر مما هي ضائعة ومربكة، وان تضعف ممانعة الممانعين وبالتالي يتهاوى تلقائيا منطق الدعوة الى الصمود والمواجهة والتجذر في القاع وسواها.
أضف ان الارهاب يبتغي من ضربتيه استنساخ الاجواء السوداء التي خيمت على البقاع ابان موجة التفجيرات المتتالية التي استهدفت الضاحية ومن ثم البقاع، لاسيما بعد الغزوة العرسالية الشهيرة اذ بدت تلك المنطقة برمتها وكأنها صارت اسيرة ردود فعل خجولة ومحدودة على فعل الارهاب وضرباته الموجعة.
ومن البديهي الاشارة الى ان الارهاب، اياً تكن مسمياته، لا يضرب خبط عشواء كما يخال البعض، بل هو نتاج عقل منظم ومحترف واهدافه عادة اوسع مما يُظن. وعليه فان هجمته الارهابية التي كانت آخر محطاتها في القاع انما يريد منها الرد على هزائمه الاخيرة في العراق وتلميع صورة "انتصاراته" الاخيرة في سوريا وافهام الجميع انه ما برح في ذروة حيويته واندفاعته، وانه مطلوب منه ان يصمد الى حين تسلُّم الادارة الاميركية المقبلة والتي يعقد عليها رهانا واضحا بانها ستتعامل مع الموقف في سوريا بخلاف التردد الذي تعاملت به ادارة اوباما الذي سمح لنظام بشار الاسد بالصمود طوال الاعوام الخمسة السالفة. ومن المفيد الاشارة الى ان الدوائر عينها وصلت الى استنتاج يتصل بأهداف عاجلة يريد الارهاب ان يكرسها على المستوى الداخلي ابرزها:
- ترويع المسيحيين وتدفيعهم ثمن ولاءاتهم السياسية التي بدت في الاونة الاخيرة كأنها تصب في خانة معينة.
- التأثير سلبا على المحاولات الرامية لايجاد تسويات داخلية جديدة منطلقها ان يد فريق 8 اذار هي الاعلى، وعليه يتعين ان تكون هذه التسويات وفق شروطه.
- اعادة احياء التباينات حول مسالة وجود النازحين السوريين وتجديد الرهان على امكان ان يتحولوا تحت وطأة الحملات ضدهم والضغوط المكثفة عليهم الى احتياطي لادوار معينة، لاسيما ان عددهم يتجاوز المليون والنصف مليون نازح وهم منتشرون على طول الخريطة اللبنانية، وهو سيناريو لطالما تردد في فترات سابقة.
- تجديد السجال حول مسألة مجموعات الدفاع الذاتي عن البلدات المستهدفة.
لقد "ضحّى" هذا الارهاب اخيرا بثمانية من انتحارييه، لكن الاثمان التي يعتقد انه سيجنيها كبيرة وكبيرة جدا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم