السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لبنان والانقلاب العسكري و"حزب الله" وأميركا: هل صار غير الممكن ممكناً؟

س. ن.
لبنان والانقلاب العسكري و"حزب الله" وأميركا: هل صار غير الممكن ممكناً؟
لبنان والانقلاب العسكري و"حزب الله" وأميركا: هل صار غير الممكن ممكناً؟
A+ A-

قالوا دائماً أن الانقلاب العسكري في لبنان مستحيل. وثبت ذلك يوم تحوّلت دول عربية شقيقة عدّة له إلى الحكم العسكري بفعل الانقلابات التي سُمّي بعضها ثورات نسِّبت إلى إيديولوجيات معينة قومية وأممية. ويوم فشلت محاولة الانقلاب التي قام بها في أوائل ستينات القرن الماضي الحزب السوري القومي الاجتماعي رغم جدّيتها. ويوم فشل انقلابان حرّض عليهما الوجود الفلسطيني المسلّح قام بأولهما العميد الركن عبد العزيز الأحدب، وُوصف في حينه بـ"التلفزيوني" لأنه لم يكن يمتلك من الأدوات الانقلابيّة إلا الإعلان على شاشة التلفزيون. أما الثاني فقام به الضابط أحمد الخطيب. علماً أن فشله لا يعني أنه لم يحقّق أهدافاً للمحرّضين عليه ولداعميه أبرزها شقّ الجيش اللبناني لتكريس سيطرة الوجود المذكور أعلاه على مسلمي لبنان وعلى مناطقهم الجغرافية بقصد تحويلها قاعدة خلفية للكفاح المسلح مجاورة للكيان الاسرائيلي الغاصب.


وقد ثبت القول المشار إليه أيضاً بفشل الحكم المخابراتي في لبنان مرتين. الأولى يوم شوّه تدخّل العسكر والأجهزة في الحكم أيام الرئيس الراحل فؤاد شهاب المحاولة الجدية والوحيدة التي قام بها لبناء دولة مؤسسات، إذ استعمل قسم من اللبنانيين الانتخابات النيابية عام 1968 للتخلص من "الشعبة الثانية" وتحكّمها بالسياسة في البلاد. ونجحوا في ذلك. لكنهم بالغوا إلى درجة جعل البلاد "بلا عيون" في وقت كان يسرح فيها ويمرح فلسطينيون مسلحون مدعومون من دول عدة عربية وغير عربية، وكان قسم مهم من أبنائها يخضع لاغراء التعاون مع هؤلاء أولاً بداعي الأخوة القومية، وثانياً بداعي إزالة الغبن اللاحق به في الدولة اللبنانية. أما المرة الثانية فكانت يوم انتهى "النظام الأمني اللبناني – السوري" الذي أسّسه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في لبنان بعد إيكال الدول العربية إليه بدعمٍ من المجتمع الدولي مساعدته على بناء دولته وسلمه الأهلي وفقاً لاتفاق الطائف عام 1989.
وقد ثبُت القول نفسه منذ عام 2005 حتى اليوم أي منذ خروج سوريا عسكرياً منه. إذ تسبّبت خلافات "شعوبه" بتعطّل الدولة أكثر من مرة، وانقسامها أكثر من مرة، وبتحوّلها دولة فاشلة أو شبه فاشلة، وبوقوف لبنان اليوم على أعتاب مرحلة قد تكون بالغة الصعوبة أمنياً ومؤسّساتياً وعسكرياً وربما كياناً ومصيراً. ظروف كهذه غالباً ما تدفع الجيوش وخصوصاً في العالم الثالث ونحن جزء منه سواء انطلاقاً من حس وطني عند قادتها أو بعضهم أو من شبق إلى السلطة، للتحرّك تحت عنوان رسمي هو تصحيح الأوضاع. لكنها في لبنان لم تفعل ذلك. بل كادت الانقسامات البنيوية أن تصيب الجيش وسائر المؤسسات الأمنية، فضلاً عن أنها عطّلت قيامه بمهمّاته أو أبطأت قيامه بها في ظروف أحوج ما يكون فيها لبنان إلى الحسم والى عدم التردّد في القرارات. وربما يكوّن ذلك عند العالم انطباعاً أن اللبنانيين عاجزون عن إقامة دولة وعن حماية وطن أو غير مؤهلين لذلك، وتالياً أنهم يحتاجون الى وصاية دائمة عليهم وإن ظالمة لهم.
لماذا هذا الكلام الآن؟
لأن لبنان يقف مرة أخرى أمام مرحلة صعبة بل صعبة جداً. فالمؤسّسات الدستورية معطّلة بفعل عدم انتخاب رئيس للجمهورية واقفال مجلس النواب وشلل الحكومة وعدم انتاجيتها واستحالة تغييرها. و"الشعوب اللبنانية" ليست لها نظرة واحدة إلى أحد أكثر التحديات التي تواجهها منذ نشوب "الربيع السوري" الذي تحوّل حرباً أهلية – مذهبية – اقليمية – دولية، وتالياً لا تمتلك خطة واحدة لمواجهتها. إذ أن ما يحرّكها خوف الكلّ من الكلّ ورهان الكل على الكلّ المتقاتلين في سوريا وفي المنطقة. ولأن الجيش اللبناني وحده يقوم بدوره لمواجهة التحدي المشار إليه أعلاه، والذي يمكن تلخيصه بالارهاب رغم اختلاف النظرة إليه عند الجميع، تساعده في ذلك المؤسسات الأمنية والأجهزة التابعة لها.
ولأن خطورة المرحلة الحالية والأخرى المقبلة لا يمكن تجاهلها. ففي القلمون السوري شريط أمني يسيطر عليه جيش الأسد وحلفاؤه من لبنانيين وغير لبنانيين. وفي المنطقة اللبنانية المتاخمة له شريط يسيطر عليه حليفه "حزب الله" باستثناء بلدة عرسال ذات الوضع "المختلف". فهي ضد "حزب الله" وهو يعتبرها مؤيّدة للارهابيين، والجيش فيها وعلى تخومها ورغم ذلك يعتبرها أحد الوزراء محتلة. وفي الجرود العالية المتداخلة بين لبنان وسوريا في هذه المنطقة مئات أو ربما آلاف من الارهابيين الذين صار اسمهم اليوم "جهاديين". والمنظمات التي ينتمي إليها هؤلاء وفي مقدمهم "داعش" تتعرّض الآن الى حرب ضروس تقودها أميركا وروسيا هدفها تدمير "دولة الخلافة الإسلامية" التي أعلنها زعيمه أبو بكر البغدادي تلافياً لتحولها مع الوقت، في حال بقائه وجراء امتلاكها بعض عناصر الدولة مثل الأرض والموارد، نقطة جذب واستقطاب لمسلمي العالم السنّة طبعاً. وهذه الحرب ستنجح رغم الوقت الذي يحتاج إليه ذلك. علماً أن ما سيعقبها لا يزال في عالم المجهول أو الغيب. ويعني ذلك أن على مقاتليه إما القتل في المعركة وإما الفرار إلى مناطق آمنة جزئياً تمهيداً للوصول الى مناطق أكثر أماناً كليبيا مثلاً. ولبنان قد يكون احدى الجهات التي سيحاول بعض هؤلاء اللجوء إليها، وقد يكون الساحة التي "يستيقظ" فيها "الجهاديون النائمون" كما يسمّون مع ما قد يثيره ذلك من إشكالات وحساسيات في الداخل الذي يعيش حرباً مذهبية ضارية لكن سياسية حتى الآن. وما حصل في بلدة القاع البقاعية أخيراً من تفجيرات انتحارية فجراً ثم ليلاً يدلّ على أن الاحتياطات العسكرية المتخذة سواء من الجيش أو من "حزب الله" الذي يقاتل داخل سوريا وعلى حدود لبنان معها ليست كافية. ويشير إلى أن "الجهاديّين" قد يكونون صاروا قريبين من اتخاذ قرار "بتوليع" الساحة اللبنانية واستخدامها. انطلاقاً من ذلك أتساءل إذا كان الجيش اللبناني يُقدم على تحرّك يُمسِك البلاد بواسطته وكل مؤسساتها ويوظّف كل طاقاتها من أجل مواجهة "داعش" واخوانه وأخطارهم؟
وينبع التساؤل، إضافة إلى الحال المشروحة أعلاه، من تلميحات استفساريّة أو استفسارات تلميحيّة خارجية عن دور ما لهذه المؤسسة في وضع الدولة على طريق "القيامة"، وفي توحيد جهود شعوبها كلها لمواجهة الارهاب على الحدود وفي الداخل، ولا سيما بعدما أثبتت خلال السنوات الخمس الأخيرة قوة وكفاءة وجدارة. وينبع أيضاً من استمرار رهان أميركا عليها وخصوصاً لمحاربة "داعش" والارهاب بعد نجاحها في ذلك على مدى سنوات، ومدّها بكل ما تحتاج إليه من سلاح وذخيرة للنجاح أو على الأقل للصمود وذلك لاعتبارات معروفة عدّة.
هل التساؤل جدّي؟
الأيام والتطورات وحدها ستثبت جدّيته أو عدمها، لكن التساؤلات التي تخطر على البال هنا كثيرة أبرزها الآتي:
1 – هل يستطيع الجيش اللبناني الإمساك بالسلطة من دون موافقة "حزب الله" ومساعدته؟
2 – هل تقبل أميركا قيام حكم عسكري مدعوم مباشرة أو مداورة من "حزب الله" هي التي تتهم الأخير بالإرهاب؟
3 – هل يقبل اللبنانيون الآخرون المعادون لـ"حزب الله" حكماً كهذا يكرّس في رأيهم سيطرة الأخير على البلاد؟
4 – هل تصمد وحدة الجيش في حال إقدامه (أو بعضه) على خطوة يعتبرها أحد شعوبه أو أكثر خطراً عليه؟
طبعاً الأجوبة عن هذه التساؤلات ليست سهلة، إلا أن التحليل لا المعلومات يسمح باعطاء بعضها وهو الآتي:
1 – يحتاج الجيش للامساك بالسلطة الى موافقة "الحزب" وربما إلى مشاركته.
2 – تعرف أميركا أن الجيش و"الحزب" يقاتلان عدواً واحداً في المناطق الحدودية على الأقل، وتعرف أيضاً أنهما يتساعدان عند الحاجة ولم تعترض على ذلك.
3 – طبعاً لن يقبل اللبنانيون الآخرون ذلك إلا إذا انطلق منه المجتمعان الاقليمي والدولي وفي سرعة لايجاد تسوية ما في لبنان. وإذا لم يحصل ذلك فإن البلاد ستتعرّض إلى مزيد من الانقسامات المكشوفة وربما إلى تفاقم عدم الاستقرار الأمني.
أخيراً قد يتساءل البعض لماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟
والجواب هو أن المسؤولية الوطنية تقتضي وضع اللبنانيين العاديين أمام ما يقال ويُتداول خلف الكواليس لأن مصيرهم ومصير وطنهم في "الدقّ".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم