السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بعد تفجيرات القاع...من يدافع عن المسيحيين؟

المصدر: "النهار"
الشدياق يوسف "رامي" فاضل
بعد تفجيرات القاع...من يدافع عن المسيحيين؟
بعد تفجيرات القاع...من يدافع عن المسيحيين؟
A+ A-

أَفَقنا صباح أمس على خَبَرٍ هَزَّنا جميعًا ونمنا على خبر أقلق مضاجعنا، وأحزَنَ شعبنا وعاد فنكأ جرح القاع الأول الذي تمّ في 27 حزيران عام 1978 بجرحٍ ثانٍ في التاريخ عينه من عامِنا هذا. هي يدُ الإرهاب تمتَدُّ إلى هذه البلدة الوادعة فتوقع فيها ما أوقعت من شهداءٍ وجرحى، ومن حزنٍ وأَلَمٍ، اليدُ عينها التي تقتل الأبرياء يوميًا من العراق وسوريا وصولًا إلى لبنان، وكأنَّه كُتِب على شعوبنا أن تتشارك الكأس وأن تتَّحد بواسطة الألَم، وأن يجمعها الحزام الناسف بدل الأحزمة الثقافيّة أو الاقتصاديّة.


نعم اليوم نؤكد شركتنا وشراكتنا مع سائر المشرق، وأنَّ الوجع الذي يُصيبُ طفلًا في العراق وأرملةً في سوريا يصيبنا نحن أيضًا. نؤكّدُ على حقّنا في تعزية إخوتنا ممن قُتِلوا غدرًا وممن استشهدوا ببطولةٍ ليرفعوا دمهم قربانًا عن الأحياء. نعم فنحنُ أيضًا نعرف كيف نموت ببطولة. ونعرف كيف نرفع ذواتنا كالقرابين إلى السماء. هكذا فعل الشهداء أبطال بلدة #القاع حين تصدّوا للإنتحاريين فوفّروا على أبناء بلدتهم المزيد من الموت والمزيد من الحزن.


اليوم نفهم ردة فعل شعبنا وغيرتهم على دم إخوتهم وبنيهم، اليوم نفهم العتب والاشمئزاز من دولة تركت الجزر الأمنية في المخيمات وتركت الحدود مفتوحة لقوافل الموت والدمار. اليوم نرفع الصوت عالياً في وجه طبقتنا السياسية عساها تجتمع لتحصين بيتنا الداخلي وانتخاب رئيس لجمهوريتنا العتيدة.


نتمنى بإصرار أن نرى السياسيين يجتمعون ولو على جثامين الشهداء من أجل احترام دمهم وحقن دماء الأبرياء من الناس الذين يحيون الرعب بانتظار الانتحاري الجديد. لن نستطيع أن نحافظ على هيبة دولتنا ولن نسعى لتهدئة شعبنا ما زال التقصير فاضحاً لهذه الدرجة، وما زالت الدماء رخيصة في عيون تجار الدم والسلاح! واليوم أيضًا ورغم فداحة اللحظة التي تستوجب الصلاة ومراجعة الذات، يطلُّ علينا البعض بأسئلةٍ وخطابات تزيدنا جرحًا واشمئزازًا، وتضيف إلى جهالة الإرهاب جهالةً لا عذر لها. من يدافع عن المسيحيين؟! ومن قال إننا بحاجة لمن يدافع عنّا؟ ومن قال إنَّ السؤال الواجب طرحه هو "من يدافع عن المسيحيين؟" لا وبل هو "من يدافع عن الإنسان"؟


من قال إن أبناء القاع وأبطالها بحاجة إلى من يتاجر بهم ويستغلّ دمهم في هذه اللحظات بالذات من أجل تمرير اليأس أو الخوف أو الطائفية أو حتّى العنصريّة. لسنا بحاجة إلى كلّ هذه التعليقات الطفيليّة التي لا تعرف سوى استعمال الآلام في حسابات سياسيّة بغيضة لا غاية لها سوى التفرقة وزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد والدم الواحد. نحن ككلّ مواطن لبنانيّ ذرف الدموع على أحبَّته الذين ماتوا في تفجيرات المساجد والمقاهي في طرابلس والضاحية وفي كلّ بقعة من بقاع بلدنا. لسنا بحاجة إلى من يدافع عن المسيحيين بل نحن بحاجة إلى من يدافع عن الإنسان في لبنان. أين جامعة الدول العربيّة من مأساة المهجّرين السوريين؟ أين هي من توزيع إخوتنا على البلدان العربيّة من أجل حفظ كراماتهم ومن أجل تخفيف العبء عن البلد الصغير الذي يدعى لبنان؟ أين الأمم المتحدّة من الحرب السوريّة التي تقتل الإنسان السوريّ وتتشظّى إلى لبنان فتقتل الإنسان اللبنانيّ؟ أين الضمير العالميّ في حربه الفولكلوريّة على تنظيم "#داعش" وعلى خلايا الإرهاب؟ ألا تستحقّ الحدود اللبنانيّة- السوريّة قوات حفظ سلام كالقوات المنتشرة على الشريط الأزرق؟ أين ضبط الحدود من تهريبات المال والسلاح والعناصر والإرهاب إلى سوريا ومنها؟


في هذه اللحظات العصيبة نضع المجتمع الدوليّ و#جامعة_الدول_العربيّة والدولة اللبنانيّة أمام المأساة الحاصلة في بلادنا ونرفض كلّ خطاب طائفيّ أو عنصريّ. نرفض أن يتحوَّل نظرنا عن وجع شعبنا إلى "فزّاعات القشّ" التي تلوح لنا كلّما دفعنا ثمن التخاذل الدوليّ والإقليميّ.


في النهاية لا بدّ لي من مناشدة المسيحيين بالقول أن لا أحد يمكنه الدفاع عنكم سوى شهادتكم المسيحيّة، وسوى من تحملون اسمه. لستم غرباء عن الشهادة والإستشهاد، ولا عن التضحية أو عن الفداء. وللحقيقة فلا بدّ لنا من أن نتذكّر أن الوسيلة والطريقة الوحيدة التي جعلت حضورنا يكبر في هذا البلد، والتي جعلت أعدادنا تكثر ونسبنا ترتفع هي المحبّة والشهادة الحقّة ليسوع المسيح.  لست أعزّيكم بل أبارك لكم بالشهادة وأبارك للبنان بقرابينه التي ارتفعت إلى السماء وأنا كلّي رجاء بأن السماء ستنزل علينا كلمّا عشنا شهادتنا ومحبّتنا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم