الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تركيا-إسرائيل...علاقات على أنقاض فلسطين

المصدر: "النهار"
رانا أبي جمعة- إعلامية
تركيا-إسرائيل...علاقات على أنقاض فلسطين
تركيا-إسرائيل...علاقات على أنقاض فلسطين
A+ A-

تعود العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى زمن #النكبة. فتركيا التي رحبت بقيام جامعة الدول العربية عام 1945 هي نفسها التي اعترفت بإسرائيل في 28/3/ 1949، فأقامت علاقات ديبلوماسية معها على مستوى القائم بالأعمال عام 1950 لترفع التمثيل إلى مستوى السفارة بعد عامين فقط.


كان الأمل أن تصبح إسرائيل عنصر سلام واستقرار في الشرق الأدنى، هكذا كانت تمنيات رئيس الجمهورية التركية الثاني بعد سقوط الخلافة العثمانية آنذاك عصمت أينونو، أما وزير خارجية تركيا في ذلك الوقت نجم الدين صداق فرأى في إسرائيل "حقيقة واقعة"، ذلك أن أنقرة كانت تعتبر تل أبيب عنصر توازن بوجه أطماع السوفيات وحليفاً محتملاً في إطار المنظومة الأمنية والسياسات الغربية في منطقة الشرق الأوسط. والمهم في هذا المقام أيضاً أن تركيا كانت أول دولة مسلمة تعترف بالكيان الإسرائيلي.
في بداية السبعينات وتحديداً في 22/5/1971، شهد تاريخ العلاقات بين الطرفين خطف قنصل إسرائيلي وقتله في إسطنبول على يد أفرادٍ من "جيش تحرير الشعب التركي" الذي أسسه ماهر تشايان، وذلك في ظل الانقلاب العسكري الثاني أو ما يعرف بـ"انقلاب المذكرة".
في أواخر السبعينات وبداية الثمانينيات تأثر الاقتصاد التركي بالارتفاع المفاجىء لأسعار النفط العالمية - على إثر سقوط شاه إيران عام 1979- والذي جعل يوميات المواطنين الأتراك أكثر صعوبة. وفي الوقت نفسه، علت أصوات القوى والمنظمات اليسارية التي وقفت الى جانب العرب في حرب عام 1967 معتبرةً أن إسرائيل دولة مستعمرة. وعليه قيل بأن الضرورة ولا شيء غيرها أجبرت تركيا على الانفتاح على الدول العربية، فكان موقف لافت لوزير الخارجية مسعود يلماز وقتذاك إذ قال باستحالة التوصل الى حلٍ دائمٍ للصراع ما لم تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب 1967 معترفة بالحقوق الفلسطينية ولو جزئياً. وهنا تجدر الاشارة الى أن تركيا اعترفت بالدولة الفلسطينية بعد مضي ست ساعات على إعلانها في الجزائر عام 1988.



وفي التسعينيات، مع وصول حزب الرفاه الإسلامي (حُل عام 1998) الى الحكم قيل بأن أنقرة أصبحت أمام خيارين، الخيار الكمالي-الأميركي-الإسرائيلي وخيار الإخاء الإسلامي. ويتصل هذان الخياران بالأزمة الداخلية التركية حول الهوية والحكم والإقتصاد. ففيما سعى حزب الرفاه وقائده نجم الدين أربكان الى إضفاء الطابع الإسلامي على تركيا، وهي العضو في حلف شمال الأطلسي مع الانفتاح على المحيط العربي والإسلامي الى جانب تسوية الصراع القائم بين القوميتين التركية والكردية من منظور إسلامي، عمد الكماليون والجيش التركي إلى إسقاط هذا المسعى من خلال التمسك بخيار التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل وتبني الحل العسكري للمسألة الكردية.
ظهر هذا التناقض الى العلن حين انتقد أربكان اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الجيشين التركي والإسرائيلي والتي وقعت في شباط من العام 1996، فبادرت المؤسسة العسكرية التركية الى دعوة إسرائيل لمناورات مشتركة بحرية وجوية تركية أميركية إسرائيلية. حتى إن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الفاتح غوكخان باجيك ذهب للقول في معرض تحليله للعلاقات بين الطرفين التركي والاسرائيلي "بأنه تحالف بين الجيش التركي وإسرائيل أكثر منه بين تركيا وإسرائيل". (من كتاب "تركيا بين الكمالية والأردوغانية").
وبالعودة الى هذه الاتفاقية وملحقها يمكن القول إنها تشكل خطراً على سوريا والعراق وإيران وعلى المنطقة العربية ككل. فهي تسمح لتركيا بتقديم المساعدة لإسرائيل عبر تزويدها بالمعلومات الاستخبارية والمعلومات الخاصة بالإنذار المبكر للصواريخ، كما تقدم للطائرات الحربية والسفن الحربية الاسرائيلية ملجأ في مطاراتها وقواعدها التركية. هذا وتشكل تركيا السوق الكبرى للصناعات العسكرية الإسرائيلية، كما انها أول دولة مسلمة توقع اتفاق تجارة حرة مع إسرائيل.
لم يكن لحزب العدالة والتنمية فور وصوله الى الحكم عام 2002 أية مواقف معادية لإسرائيل، فالحكومة برئاسة رجب طيب أردوغان آنذاك (زار متحف الهولوكوست عام 2005 منتقداً العداء للسامية) حاولت التزام قدر من التوازن بين القضية الفلسطينية والعلاقة الجيدة مع اسرائيل فكانت عرضة للشد باتجاهين متعاكسين.
بكلام آخر، كان حزب العدالة والتنمية يسعى الى عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي وتالياً لا يريد إغضاب الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما قاعدته الشعبية تميل الى دعم القضية الفلسطينية.
ولعل أبرز موقف يعبر عن وجهة الحزب الحاكم تجاه #القضية_الفلسطينية، هو موقف أردوغان بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في غزة عام 2006. فقد أكد في 27/1/2006 "إن على الأخوة في حماس أن يتركوا عاداتهم وتصرفاتهم في الماضي للماضي، عليهم أن يدخلوا عالماً جديداً بنظرة جديدة الآن وقد أصبحوا عملياً طرفاً في الحكم. وأن السلاح يجب أن يكون فقط في أيادي القوات المسلحة لأي دولة ..." .
وفي زيارة لوفد من الحركة إلى أنقرة برئاسة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العام نفسه، تحدث أردوغان عن ضرورة التخلي عن الكفاح المسلح والاعتراف بدولة #إسرائيل.



التطورات اللاحقة باتت معروفة، بدءاً من الحرب الإسرائيلية على غزة في آواخر عام 2008، حيث دعا أردوغان إسرائيل الى وقف غاراتها الجوية والمجتمع الدولي الى التحرك وعدم الكيل بمكيالين، مروراً بانسحابه من مؤتمر دافوس الاقتصادي الشهير احتجاجاً على منعه من التعليق على مداخلة للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن الحرب، وصولاً الى أسطول الحرية الساعي الى فك الحصار عن قطاع غزة، اذ هاجمت القوات البحرية الإسرائيلية الاسطول وبخاصة سفينة "مافي مرمرة" التي كانت تقل مساعدات تركية ونشطاء فقتلت تسعة منهم. ثم تراجعت العلاقات الديبلوماسية والسياسية بين الطرفين، فيما قال وزير الدفاع التركي محمد وجدي غونول في 6/6/2010 "إن حكومته لن توقف التعاون في مجال الدفاع مع إسرائيل".
خلاصة القول أن الحكومة التركية حددت مطالبها من إسرائيل لتعود العلاقات الى سابق عهدها، بالاعتذار الرسمي لتركيا وهذا ما حصل، ودفع تعويضات مالية لذوي الضحايا وهذا أيضاً ما اتُفق عليه، أما المطلب الأهم وهو رفع الحصار عن قطاع #غزة فبقيَ مادة للأخذ والرد على مدار ست سنوات تقريباً، ويبدو أن العلاقات التركية الإسرائيلية المتجددة عبر اتفاق المصالحة ستقوم على أنقاض القطاع المحاصر.


@ranaabijomaa


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم