الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

انعكاسات خطيرة لانهيار الوحدة الأوروبية وحظوظ ترامب تنتعش من منحى التشدد

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
انعكاسات خطيرة لانهيار الوحدة الأوروبية وحظوظ ترامب تنتعش من منحى التشدد
انعكاسات خطيرة لانهيار الوحدة الأوروبية وحظوظ ترامب تنتعش من منحى التشدد
A+ A-

أنهى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حياته السياسية بشكل درامي، إذ يخشى أن يذكره التاريخ كما يرجح مطلعون على أنه قاد بريطانيا الى الخروج من الاتحاد الاوروبي، في الوقت الذي لم يكن مضطرا فعلا الى أن يدعو الى استفتاء نتيجة حسابات داخلية، غير مدرك حساسية المرحلة في اوروبا والعالم والتداعيات السلبية التي فتحها على الغارب بالنسبة الى بريطانيا واوروبا، وحتى بالنسبة الى الولايات المتحدة. فكاميرون كان وعد بإجراء الاستفتاء في حال نجاحه في انتخابات 2015، ردا على انتقادات من حزب المحافظين بأن بريطانيا لم تقرر أو لا، البقاء في الاتحاد الاوروبي منذ عام 1975. وقد استغل هذا الاخير احد ابرز تطورات العامين الماضيين، اي الهجرة الكثيفة الى اوروبا وبريطانيا، ويتهم كثر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأنه أدى دورا كبيرا في إتاحة المجال امام الهجرة التي انهكت اوروبا، فيما كانت هذه الهجرة عامل ابتزاز من اردوغان للاوروبيين، ولذلك شهد استفتاء البريطانيين تصويت المدن على عدم الخروج من اوروبا، على عكس المناطق الريفية التي تتأثر أكثر بمنطق المزايدات. وليس واضحا كيف يمكن أن يؤثر الخوف المتزايد من الهجرة على طريقة التعامل مع دول المنطقة، ومنها لبنان، بناء على الاهتزاز العميق الذي أحدثه هذا العامل لدى الأوروبيين، فيما يعدّ الاتحاد الاوروبي شريكا مع لبنان وسواه من دول المنطقة على هذا الصعيد. كما أن هناك عامل التقشف في الموازنة، اضافة الى العمل على وقف دفع رسوم بمليارات الجنيهات، لقاء قليل من المنافع وفق ما قال الراغبون في الانفصال عن اوروبا. ومن هذه الزاوية كان ما روج عن مساهمة بـ350 مليار جنيه استرليني تدفعها بريطانيا للاتحاد الاوروبي، الامر الذي تم نفي ترويجه من جماعة الداعين الى الانسحاب فور صدور نتائج الاستفتاء، وهو ما يفيد بالاستفادة القصوى في الحملات التي سبقت. ففي مكان ما، كان التصويت انتقاميا وعاطفيا أكثر منه موضوعيا وعقلانيا. وفي أول الانعكاسات السلبية المباشرة لصدور نتائج الاستفتاء على خروج بريطانيا من اوروبا، أعلن كاميرون تقديم استقالته مفسحا المجال امام سواه لقيادة هذه العملية، فيما هرع المرشح الديموقراطي بيرني ساندرز المنافس لهيلاري كلينتون الى الاعلان عن دعم تأييده الى منافسته، بعدما كان متريثا في انتظار انعقاد المؤتمر العام للحزب الديموقراطي، نظرا الى المخاوف التي أثارها الاستفتاء البريطاني الذي أخرج بريطانيا من اوروبا وما يمكن ان يؤدي ذلك الى ارتفاع حظوظ مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بأفكاره المتطرفة، وتاليا رجحان كفة هذا المنحى غير المعتدل في العالم. وهو الامر الذي قد يبشر بمعركة صعبة في الولايات المتحدة على غير ما لاح امكان حسمها لمصلحة كلينتون، بحيث ان مواقف ترامب قد تجد صدى أكبر على وقع نجاح الخطاب نفسه في بريطانيا، وتردد أصدائه في اوروبا. وهذا المنحى المتشدد سرعان ما اكتسب زخما سرت عدواه كالنار في الهشيم في أنحاء عدة من أوروبا في الوقت نفسه. ويقول سياسيون مطلعون وخبراء في شؤون المملكة المتحدة إن ما اقدم عليه كاميرون لم يكن ضربا ذكيا، لعدم تقديره ان المناخ السياسي غير مناسب لاستفتاء مماثل في هذا التوقيت الحرج والصعب في العالم بأسره، وان بريطانيا ستخسر كثيرا كما تخوف هو نفسه في حملته من اجل ترجيح كفة البقاء في الاتحاد الاوروبي. فبدا الحدث التاريخي بكل ما للكلمة من معنى، والذي هز العالم، هو نتيجة قرار في غير وقته من كاميرون، ولحسابات داخلية واستغلال سخيف من ضمن حزب المحافظين في بريطانيا، محدثا لتغييرات جذرية ليس في اوروبا فحسب بل في العالم كله، نظرا الى الترابط العضوي الذي أضحى بين الدول من جهة أولى وموقع بريطانيا المؤثر من جهة ثانية. وفيما تبدو الصورة ضبابية بالنسبة الى كثر لمعرفة النتائج الفعلية وانعكاساتها، وان تكن هناك تقديرات متضاربة على هذا الصعيد، فإن الواقع ان المسألة ككل تبدو قفزة في المجهول، باعتبار انها لم تجر تجربتها منذ عقود انتقلت في خلاله لندن من مدينة كبيرة الى مدينة عالمية بحكم انضوائها من ضمن الاتحاد الاوروبي، كما ان رجحان كفة خروج بريطانيا من اوروبا هو بمثابة دق المسمار الاول في نعش أوروبا. فمن جهة بدت وحدة المملكة المتحدة نفسها مهددة مع موقفين مختلفين لكل من اسكوتلندا وايرلندا، ومن جهة أخرى سارعت دول اوروبية اخرى الى التشجع بتجربة بريطانيا للمطالبة بالخروج من الاتحاد الاوروبي والانفصال عنه، فيما ارتبك قادة الدول الاوروبية وزعماء كثر، خصوصا أن التوقعات كانت ترجح نجاح فريق عدم الانفصال، فكانت النتائج مفاجئة فجرا، ولو ان الاحتمال المعاكس لم يكن مستبعدا كليا.


ويخشى السياسيون الخبراء في هذا الاطار أبعد من مظهر ديموقراطي قد يكون هلل له كثر، في حين يرى آخرون أنه تم استغلاله على نحو قد يؤدي الى نتائج كارثية. والخشية هي من الانعكاسات الخطيرة لانهيار التجربة الاوروبية، والتي كانت تجربة فريدة، بحيث ستفترض ان تضطر دول العالم الى اعادة حساباتها في ضوء الاهتزاز الكبير الذي أحدثه التصويت على انفصال بريطانيا عن اوروبا.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم