الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بحرُ الظُلُمات والزبالة!

الياس الديري
الياس الديري
A+ A-

في البر لم فُتُكم في البحر فتُّوني، بالتِبِر لم بعتكم بالتبن بعتوني...
لا أمير الشعراء أحمد شوقي كان يوجّه كلامه الى البحر الأبيض المتوسّط عبر أحد شطآنه في لبنان، ولا أمير الطرب الموسيقار محمد عبد الوهاب قام بجولات تفقّدية للشواطئ اللبنانيَّة في زمنها الجميل.
إنما سيرة وانفتحت. ولأكثر من مناسبة. فالشاطئ الممتد من الناقورة جنوباً إلى النهر الكبير شمالاً، يكاد يكون هو الشاكي المتألّم من الاستهتار اللاحق به، ومن استعماله في معظم محطّاته، إمّا مصبَّات لمجاري بعض الأنهر أو لبعض المجارير... بل لكثير من المجارير التي كُتِبَ لها أن تكون في لبنان، وأن تغتسل بمياه بحره الأبيض، وتبلغ أعماقه الممتلئة بالزبالة والفضلات والحيوانات النافقة، وكل ما لم يعد صالحاً للاستعمال.
أين نكبُّ هذه السيارة الفارطة؟ في البحر. فإلى الأعماق فوراً. أين نرمي هذه البقرة النافقة؟ في البحر طبعاً. أين نفرِّغ كميونات وشاحنات وناقلات الزبالة التي من كل الأصناف؟ وهل من مكان أفضل من البحر؟
حتى ليكاد البحر الأبيض يتحوَّل بحر الظلمات بعينه ولونه.
وحتى لم يبقَ شاطئ واحدٌ يصلح للاستعمال "الطبيعي"، إذا ما شاء البعض أن يسبحوا، أو يغتسلوا، أو يجرّبوا صناراتهم بحثاً عن سمكة فالتة أو فارّة من وجه بقايا دواليب السيارات، وبقايا صناديق المواد العفنة.
أُتيح لي أن أطوف على شاطئ بحرنا، من بيروت إلى بعض الشمال، ومنها إلى بعض الجنوب. أي في اتجاهين معاكسين. فكان أن ندمت، ولعنت الساعة التي أقنعوني فيها بالقيام بهذه الجولة، التي تجعل الواحد منا يجفل، ويتساءل ما إذا كان حقاً هو في لبنان وأمام المراسي والمرافئ والشواطئ، والمسابح، ومناطق الصيد البحري؟
ما هذا البحر؟
من أين توافرت له كل هذه الأوساخ والفضلات، والأكوام من النايلون، والزجاجات الفارغة، والدواليب، وبقايا هياكل سيارات وكميونات، ومجموعات مكدّسة من علب التنك والبلاستيك، ومن كل الأصناف؟
ناهيك بالروائح التي تزكّم الأنوف، وتكاد تتسبّب بالدوران والدوخة لمتنشّق "عطرها". الى تلك الدفقات الواسعة النطاق مما تجود به على حصّة لبنان من البحر الأبيض المتوسّط...
هل بقي مكان كافٍ لطرح قضية "الثروة النفطية والغازية" التي بدأت الكباشات، والصراعات حولها منذ اكتشافها... وقبل أن يوفِّروا لها سبل الصعود إلى حيث تصبح صالحة للبيع والشراء، وتقاسم ما تجود به، أو الخلاف على حجم الحصص كما هي العادة؟
غالب الظن انها ستبقى حيث هي، والى أن تغطيها الفضلات والزبالة!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم