الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

أيها المريض.. قل شكراً للبرزاني !

المصدر: "النهار"
جوان سوز- صحافي سوري كردي
أيها المريض.. قل شكراً للبرزاني !
أيها المريض.. قل شكراً للبرزاني !
A+ A-

ظهر يوم أمس الشاعر الكردي الكبير "فرهاد عجمو" ابن مدينة #القامشلي على شاشة فضائية كردستان 24 ـ من غرفة العناية المشدّدة ـ في مشهدٍ حزين ومؤلم، بل ويمكننا القول أنه مؤسف أيضاً، فالشاعر عجمّو، قدّم الكثير للأدب والشعر الكُرديّين، إضافة للأغنية الكُرديّة، وكان ممكناً أن يتم مدّ يد العون والمساعدة له في محنته الصحيّة هذه من قبل الحزب الديموقراطي الكُردستاني أو التابعين له دون هذه "الهوبرة" الإعلامية، حيث جاء في مقدمة ذاك التقرير التلفزيوني "على الرغم من أنه يُمنع الدخول لغرفة الشاعر عجمّو إلا أننا تمكننا من الحصول على موافقة الدخول لغرفته!". عند سماعي لهذه الجملة الّتي قالتها المراسلة بتوترٍ واضح، تفاجأت، وظننت لوهلة أنها تنقل لنا حدثاً مهماً من جبهات القتال بين المقاتلين الكُرد وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فهي تقول للمتابعين الكرام "إنني أقدم لكم إنجازي هذا، لقد حررت المشفى ودخلت إلى غرفة الشاعر المريض رغماً عنه !".


 


الغريب في الأمر، أن الشاعر عجمّو، كان قد أجرى استئصالاً لورم داخل جمجمته قبل ساعات من بث ذلك التقرير، ما يعني أن حالته الصحية ـ وأن كانت مستقرة ـ لا تسمح له بمثل هذا الظهور، لكن مراسلة الفضائية التي يملكها ـ مسرور البرزاني ـ نجل الرئيس مسعود البرزاني، مسموح لها أن تقابل الأموات حتى، وليس من هم في الوضع الصحي الحرج الّذي يعيشه الشاعر عجمّو، وكيف لا يكون ذلك وأن العملية الجراحية أجريت له في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كُردستان العراق، فالأسرة المالكة يحق لها ما لا يحق لغيرها، علماً أن أصغر فرد لدى هذه العائلة يمضي للعلاج في أوروبا وأمريكا وأن كان يعاني من ألمٍ في أسنانه، والسؤال إن كان الحزب الديموقراطي الكردستاني ومن هم في حكمهم من أعضائه غيورون على صحة الشاعر عجمّو إلى هذا الحدّ الكبير، لماذا لم ينقلوه إلى أوروبا إذاً؟


قد يعتقد أحدهم، أن هذا المقال يعارض سياسات الأسرة الحاكمة في إقليم كُردستان العراق، أو أنني أدافع عن عبد الله أوجلان زعيم العمال الكُردستاني الّذي لا علاقة له بعملية الشاعر عجمو ولا التقرير التلفزيوني. لا أيها الكُردي المتحزّب، ان الأسرة الحاكمة أو الحزب الديموقراطي الكُردستاني، وان تكفّلتا بدفع فاتورة تلك العملية، فيجب أن يتم هذا الأمر بشكل سرّي، وألا يتم استخدام الشاعر عجمّو، أقصد هنا ألمه الّذي صار مادة إعلامية للترويج السياسي للحزب الديموقراطي الكُردستاني والّذي كان واضحاً في تقرير بثته فضائية "روداو" التي يملكها نيجرفان البرزاني، وهو ابن أخ وصهر الرئيس البرزاني، حيث ظهر في ذلك التقرير مقرّبون من الحزب الديموقراطي الكُردستاني الّذي يتزعمه البرزاني، كما لو أنهم يقولون للجمهور، إن البرزانيين يساعدون هذا الشاعر ـ المسكين ـ في ظاهرة مشابهة لعمل الجمعيات الخيرية في سوريا والتي تعمل على نشر صورة العائلات الفقيرة وهم يستلمون المواد التموينية وقد أكل الفقر ملامح وجههم، والمثير للقرف أكثر هو كلام مذيع فضائية روداو في التعريف بالشاعر الكبير عجمو، حين قال على الهواء مباشرة، إن أغنية من كلماته للفنان الكردي "شيدا" أنتجتها فضائية "روداو" علماً أن هناك من هو أهم من الفنان شيدا غنى لهذا الشاعر الكبير ولم نسمع مثل هذا الخطاب من أحد.


 


إذاً، أيها الكُردي المتحزب، لا علاقة لنا بالأسرة الحاكمة، ولا بحزبهم، لكن ما يهمني ألا يتم الإتجار بألم شاعرٍ كبير. هذا الأمر يجب أن يكون مرفوضاً يا سادة لاسيما وأن العديد من مشاهير الفنانيين الكُرد والكتاب وغيرهم يقيمون في أربيل الآن تحت رعاية تلك العائلة مع خدم وحشم أيضاً، علماً أنهم ليسوا بحاجة لدولار واحد، وبناءً على ذلك، أين المشكلة فيما لو تمت مساعدة الشاعر عجمو بشكل سري، أم أن القضية يجب أن تكون للترويج السياسي وأن المساعدة دون هذا الشكل المهين غير ممكنة. المبكي في الأمر هو كلام صديق صحافي كردي قال لي ذات مرة، إن آباءنا في سوريا، كانوا يخفون صور البرزاني الأب وينقلونها من غرفة لأخرى كلما مرّ شرطي ما من القرية، وها هم عائلة البرزاني، يتصرفون بهذا الشكل المخجل مع شاعرٍ كبير. لقد صدق صديقي هذا في كلامه حين قال" يا سيد مسعود البرزاني، نحن إلى جانبك ولسنا تحت حذاءكَ".


 


أخيراً، وبالعودة إلى التقرير الأول والّذي يفتقر لأدنى مقومات العمل المهني، لا يمكن بشكل أو بآخر تبرير هذه المقايضة الرخيصة والواضحة من خلال اقتحام غرفة الشاعر الكبير من قبل المراسلة التلفزيونية، خاصة وأنه كان ممكناً أن يتم تسجيل تقرير تلفزيوني وأن يكون الطبيب المشرف على عملية الشاعر عجمو مصدراً بهِ أو أحد أقربائه المرافقين له، ليوضحوا للمشاهدين نجاح العملية الجراحية تلك واستقرار حالته، بدلاً من ظهور الشاعر عجمو بنفسه في موقف صعب، كادت فيه المراسلة أن تقول له "أيها المريض.. قل شكراً للبرزاني" وقد اخطؤوا في كتابة اسمه في المانشيت العريض على شاشة التلفزيون أيضاً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم