الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

من داريا السورية الى شحيم اللبنانية: أطلب العلم ولو في الصين

المصدر: "النهار"
رمزي مشرفية
من داريا السورية الى شحيم اللبنانية: أطلب العلم ولو في الصين
من داريا السورية الى شحيم اللبنانية: أطلب العلم ولو في الصين
A+ A-

"من يتألم يتعلم" ربما هذه العبارة لا تعني كثيرين إلا أنها قد تؤثر بالبعض ليتطلع نحو حياة أفضل بكل مكوناتها. ربما التربية البيتية وراء ذلك كما ربما الألم والقهر الذي يعاكس قدر الإنسان أيضاً سبب آخر لذلك. لكن تبقى الإرادة وحدها الأقوى للمواجهة كما واجه محمد عمار سعيد كوشك وهو اللاجىء السوري الى لبنان معاناته بالنصر العلمي.
"سبحان العاطي" بهذه العبارة وصف من التقيناهم أو تحدثنا معهم وكانوا على معرفة بعائلة الطالب السوري محمد عمار سعيد كوشك (16 عاما) المتفوق والذي تبوأ الدرجة الثانية في لبنان في الشهادة المتوسطة، وزاحم المتفوق الأول الذي سبقه بدرجة واحدة فقط، فنال محمد 268 علامة بمعدل 14،19. وذلك في متوسطة شحيم الرسمية المختلطة الثالثة-الفرع الإنكليزي.
هناك دائماً متفوق أول وثان وثالث وهناك متفوقون في كل المسابقات والإمتحانات والأعمال والأبحاث، فالتفوق ليس عطاء من الرب فقط إنما جهد وعمل ومحبة لعلم أو لوظيفة أو لهواية. وهذا ما حصل مع الطالب السوري محمد عمار سعيد كوشك ابن داريا السورية واللاجىء الى لبنان مع أهله ضمن عائلة مؤلفة من أب وأم و3 صبيان و4 فتيات. في تشرين الثاني 2012 استقروا بادىء الأمر في مجدل العنجر، ومنذ سنتين إنتقلت العائلة الى بلدة شحيم في إقليم الخروب حيث استأجرت منزلاً في طبقة ارضية من مبنى عند مفترق "الشميس". نجاح محمد عمار لم يأتِ عبثاً فهو شاهد على كد ونجاح والده سعيد في "مصلحة" امتهنها عندما كان في السادسة من عمره ألا وهي تقديم أطباق الفول وتوابعها، وإنتقلت معه الى لبنان حيث اسـتأجر مطعمين للغاية، أحدهما في برجا بدوام قبل الظهر والثاني في شحيم فترة بعد الظهر وحتى العاشرة ليلاً. كل ذلك من أجل تقديم مقومات العيش الكريم له ولعائلته.
لم تؤثر أحداث البلد الأم لمحمد، سوريا، على نفسيته ودراسته بل عزلهما عن المأساة التي يعيشها بلده والمعاناة التي يتكبدها مع مواطنيه في أقصاء الأرض. فنهل ما نهله من العلم ووضع كل همّه في كُتب بين يديه وحصد ما حصد. إلا أن التفوق هذا لم يكن البداية في عائلة عمار كوشك فابنته، شقيقة محمد، نور (17 عاماً)، تفوقت أيضاً في الشهادة المتوسطة وفي المدرسة نفسها ونالت معدل 14،17 . وبحسب مدير مدرسة شحيم الرسمية الثالثة ربما يكون هناك متفوق ثالث هي شقيقة نور ومحمد، "لمى" ابنة الـ14 عاما التي ستتقدم الى امتحانات الشهادة المتوسطة العام المقبل، ولأن "المكتوب بينقرا من عنوانو" فيبدو أن "لمى" تسير على خطى شقيقها وشقيقتها.


"محمد عمار قاهر الظروف"
وقال محمد عمار الذي التقته "النهار" في مدرسته: " (...) أهم شيء المتابعة من البيت الى المدرسة والكادر التعليمي، كل هؤلاء كان لهم الدور الكبير في نجاحي بالرغم من التأثير القاهر من الظروف التي نمر بها في وطننا الأم والتي أوجبت علينا أن نكون لاجئين، إلا أن كل ذلك لم يمنعني من تخطي العقبات والتطلع نحو مستقبل أفضل".
واضاف:" لقد واجهت الصعوبات بالنسبة للمنهج، فهناك فارق كبير ما بين المنهجين الدراسيين اللبناني والسوري خصوصاً بما يختص باللغة الإنكليزية، إلا أنني كنت أدرس كثيراً وأسال أكثر بكثير حتى وصلت الى ما أصبو اليه. إني أشكر أهلي بالدرجة الأولى ومدير مدرستي ماجد كيوان الذي سهر على متابعة دراستي الى جانب الكادر التعليمي في المدرسة فرداً فرداً، كلهم لهم الفضل بنجاحي".
وكشف محمد عمار أنه سيتجه في علومه الثانوية الى فرع علوم الحياة ليتخصص في الطب.


"العائلة الكادحة"
مدير مدرسة شحيم الرسمية الثالثة ماجد كيوان تحدث لـ"النهار" فقال:" يساعد أبوه الكادح في أوقات الفراغ ويتلقى علومه في مدرستنا الفرع الإنكليزي. وهو مسجل وشقيقه وشقيقاته في مدرستنا منذ سنتين. لقد بدا محمد طالباً نشيطاً ذا سلوك ممتاز، ولدى وصوله كانت لغته الإنكليزية صفراً بل دون الصفر، إلا أنه تمكن بفترة قصيرة جداً من تلقي اللغة والانخراط. لقد دخل المدرسة بدوام عادي مثله مثل الطلاب اللبنانيين، لأن مدرستنا لا تُعطي صفوفاً للاجئين في فترة المساء كما غير مدارس".
ووصف كيوان عائلة سعيد كوشك "ببيت العلم"، وقال :" بحسب تقارير المُدرسين فإن شقيقة محمد عمار، لمى، ستكون متفوقة في الشهادة المتوسطة العام القادم".


"أهم شي عنا العِلم"
والتقت "النهار" رابعة والدة محمد عمار في منزلها في شحيم، وقالت:" همنا الوحيد العلم، لا شيء أمامنا إلا أن ينال أولادنا العلوم والشهادات. م يبق لنا شيء، خرجنا من ديارنا بما علينا من ثياب، داريا محاصرة وكل شيء سُوي بالأرض. لا أحد يستطيع الدخول ولا الخروج من داريا".
وتروي رابعة:" لقد عانينا ما عانيناه عندما حاولنا تسجيل اولادنا هنا في مدرسة شحيم، لا المستندات المطلوبة لدينا ولا حتى أوراقنا الثبوتية إلا أنه تدريجيا وبعناء كبير كانت الأمور تُحل، وما نزال حتى اليوم نُعاني هذه المشكلة، كل يوم أوراق وقوانين جديدة لا نعجز عن تأمينها".
وتشكر أم محمد الجهة التي ساعدت في تقديم مستلزمات دراسة أبنائها من دون أن تسميها لأنها بحسب قولها لا تعرف شيئاً عن هذا الموضوع.
وختمت:" زوجي عمار يعمل من الساعة السادسة حتى العاشرة مساء لتقديم الحياة الكريمة لنا في ظروف صعبة جداً، نحن نقطن في منزل ندفع بدل إيجاره 300 دولار. ولا امل في هذه الدنيا إلا علم أولادنا وتفوقهم".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم