الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

اختفى علاء وحسين بسحر ساحر... ويوم وُجدا، حلّ الخبر كصاعقة

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
اختفى علاء وحسين بسحر ساحر... ويوم وُجدا، حلّ الخبر كصاعقة
اختفى علاء وحسين بسحر ساحر... ويوم وُجدا، حلّ الخبر كصاعقة
A+ A-

هم لا يمتلكون المال ليرتادوا مسابح من الدرجة الثالثة. ليس معهم بدل أجرةٍ يكفل تنقّلاتهم حتّى. لكن من حقّهم أن يسبحوا. من حقهم ان ينسوا للحظة أن القدر قسا عليهم. جعلهم يختبرون معنى العوز. مواطنٌ لبنانيّ يعيش فقراً مدقعاً. او نازحٌ سوريّ شرّده الزمان، وحطّم ذكريات ماضيه. لا فرق في معاني التوصيف. يوم وثق علاء الدين محمد محمد بمياه شاطئ جبيل المالحة، لم يكن يدرك أن البحر سيغدر به. او أنه لم يكن يأبى لغدره. طعنة قدرٍ اضافيّة، منتظرة. معتادة. لا لسعة وجعٍ فيها. وهكذا حصل. اختفى في 25 أيار الماضي. عنونت المواقع الاخبارية بعد ساعات أن علاء " قضى غرقاً عصر اليوم، بينما كان يمارس هواية السباحة على شاطىء #جبيل. وعملت فرق الإنقاذ في مركز الدفاع المدني جبيل، على إنتشال الجثة ونقلها الى مستشفى".


وفي 2 أيار، كان قد سبقه الى اختبار المصير نفسه، فتىً سورياً يدعى ألان لقمان رشو، لم يتجاوز عمره 12 عاماً. اختفى وهو يلتقط صوراً على ضفاف نهر بسري في جزين. أبلغ والده عن اختفائه، ليتبيّن لاحقاً ان المياه جرفته وهزمت أنفاسه. وصفت وسائل الاعلام عمليّة انتشاله من قعر النهر بالمضنية. أحمد جابري وحسين الشاوي، طفلان سوريان لاقا الحتف نفسه، غرقاً في مجرى نهر الغزيل. بعدما كانا يمرحان أمام مخيّم اللاجئين في حوش الحريمة الذي يقع قرب النهر. أما علي، مراهقٌ لم يتجاوز الخامسة عشرة، فكان بينه وبين الموت برهة. غرق في بحر #صيدا في 29 ايار، لكن فوج اطفاء صيدا أنقذه، بعدما سحبه من المياه بأعجوبة.


هذه النماذج، على سبيل المثال لا الحصر، تعكس واقعاً أليماً يعيشه عشرات المواطنين سنويّاً على الشواطئ اللبنانية، بعد ازدياد مظاهر #النزوح السوري من جهة، وغياب المسابح الشعبيّة المجانية، التي يمكن في حال وجدت أن تؤمن للفقراء حقّهم في السباحة، دون أن يتحوّل هذا الحقّ الى مضجع. يأتي ذلك في ظلّ غياب الثقافة العامّة لدى المواطنين في كيفيّة التعامل مع التيارات البحرية ونقص عديد الفرق الانقاذية وعتادها.


"تسبح ع خير"
تداركاً لازدياد حالات الغرق، كان لافتاً إطلاق وزارة الداخلية والبلديات حملة توعية عنوانها "تسبح ع خير". وجاء قي بيان كتب في موقع الوزارة: "في مناسبة بدء موسم السباحة بحيث ترتفع نسبة حالات الغرق التي يتعرّض لها المواطنون والقيمون ولا سيما الأطفال أثناء السباحة او في خلال وجودهم في محيط مجاري الأنهار وبرك الري، والتي أدّت بتاريخ 5 حزيران 2016 الى 6 حالات وفاة بينها 4 قاصرين واصابتان. تطلب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من المواطنين والمقيمين توخي الحذر أثناء السباحة والعمل بالنصائح والإرشادات".


وتتمثّل أبرز الارشادات التي وجّهتها القوى الأمنيّة بضرورة مرافقة الراشدين للأطفال الى المسابح ومراقبتهم، وعدم نزول السباح الى الشاطئ منفرداً، وعدم الشروع الى السباحة بعد تناول الطعام مباشرةً وعدم استخدام العوامات في المناطق الغميقة خوفاً من انجرافهم، والامتناع عن السباحة في التيارات المائيّة والنزول تدريجياً الى المياه، واختيار أماكن السباحة حيث يوجد رجال الانقاذ. هذا اضافةً الى الامتناع عن مضغ العلكة او احتساء الكحول، وارتداء الملابس البحرية الملائمة.


عدم خبرة في أحوال البحر وفجوات رمليّة
لعلّ المشكلة الأولى التي تؤدي الى زيادة حالات الغرق في السنوات الأخيرة هي الجهل الذي يعتري روّاد الشواطئ ومغامرتهم بمصيرهم الشخصي، خصوصاً اولئك الذين لا يمتلكون أي مقوّمات او سبل للعيش اللائق.وفي هذا الإطار، يحصر نقيب الغطّاسين الأستاذ محمّد سارجي في حديثٍ لـ"النهار" الأسباب التي أدّت الى زيادة أعداد ضحايا الغرق على الشواطئ اللبنانية بثلاثة اسباب. الأوّل طبيعي له علاقة بالتيارات والأمواج البحريّة وطبيعة #البحر في ايام معيّنة من السنة، حيث لا يدرك المواطن كيف يقرأ حركة الموج ويغرق. وبرأيه أن تغيّر المناخ صعّب إمكان معرفة حالة البحر بحسب أشهر السنة. في شهر نيسان، على سبيل المثال، كان الموج هادئاً في حين أن شهر ايار شهد عواصف وامطار ما انعكس سلباً على البحر.


أما السبب الآخر، وهو الأهم بحسب سارجي، فيتمثّل بسرقة الرمال عن الشواطئ اللبنانيّة. يقول: "شفط الرمل هو أخطر عمليّة تعدٍّ على البحر، تستتبعها عمليّات سرقة غير قانونيّة بغية التجارة. هذا ما يؤدّي الى تكوّن فجوات عميقة في قعر الشاطئ، لا يمكن إعادة تعبئتها بسهولة. يتفاجأ السبّاح بالحفرة التي تنقله من عمق مترٍ الى 3 أمتار، ولا يقوى على السيطرة على زمام الأمور في حال وجود تيارٍ قويّ يساهم في اضعافه وارهاقه".


ويشير سارجي الى أن المواطن يصرّ أحياناً على ممارسة نشاط السباحة في أمكنة خطرة رغم وجود تحذيرات صريحة عبر اللافتات التحذيريّة وعناصر الإنقاذ الذين غالباً ما لا يفلحون في اقناع السبّاح بخطورة المكان الذي يسبح فيه. ويضيف: "مجاري الأنهر هي أخطر الأماكن للسباحة، لأن التيار المائي يتّجه بقوّة نحو البحر. وتالياً على المواطن أن يبادر الى تحمّل المسؤوليّة".


ضرورة تصنيف الشواطئ وتشييد المسابح الشعبيّة
لعلّ أبرز الحلول التي طرحتها نقابة الغواصين المحترفين في لبنان للحدّ من ازدياد مظاهر الغرق على الشواطئ اللبنانيّة يتمثّل بضرورة اتخاذ البلديّات مبادرات فعّالة لتصنيف الشواطئ في لبنان، ووضع لافتات تحذّر المواطنين من السباحة في المساحات المائيّة الخطرة والاستعاضة عنها بالمسابح الشعبية. هذا إضافةً الى تفعيل دور الرقابة والإرشاد على الشواطئ من شرطة االبلديّات. هذا ما يؤكّده سارجي، معتبراً أن هذه الخطّة بدأت تفعّل في الساحل اللبناني الجنوبي وبالتحديد في صيدا.


برأيه تفعيل هذه الخطّة يتطلّب توافر آليات في خدمة المنقذين كالغواصات والمراكب، التي لا تزال إمكانات تأمينها خجولة. "ما هي الطريقة المثلى للتعامل مع التيارات المائيّة التي يصادفها السبّاحون فجأةً خلال ممارستهم السباحة؟". يجيب أن "الحل الأفضل هو عدم محاربة التيار البحري والاصرار على #السباحة في اتجاهٍ معاكس، بل الاسترخاء على وجه المياه. يمكن السباح ان ينام على ظهره ويرتاح. ومن ثم يحاول كسر التيار عندما يستشعر أنه بات ضعيفاً، فيسبح عائداً نحو الشاطئ، او يتولّى المنقذون نجدته من خلال مركب او دولاب نجاة".


وعن أفضل موسم للسباحة يشير الى أن "الفترة الممتدة ما بين شهري ايلول وتشرين الثاني هي الأمثل، بعكس ما يعتقد غالبية اللبنانيين. في هذه الفترة من السنة يكون البحر هادئاً ونظيفاً وجميلاً. أما في أوائل فصل الصيف في أشهر حزيران وتموز وآب، فهي فترة تتعزّز فيها موجات الباراونزات، حيث الهواء قويّ جدّاً بين فترة ما قبل الظهر وبعده".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم