الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

التغيير قَدَر!

علي حماده
A+ A-

قلائل قادة المستوى السياسي اللبناني الذين يعترفون بصدق بأن لبنان هو في طور تحولات داخلية، ولا سيما بعد الحراك المدني الذي طبع العام الماضي مع أزمة النفايات، ثم الانتخابات البلدية والاختيارية التي أصابت شظاياها التغييرية جميع القوى السياسية. وكما قلنا سابقا، فإن كل الكبار بدون استثناء ، وان بدرجات متفاوتة، تلقوا صفعات في تلك الانتخابات. لقد شكلت الانتخابات الاخيرة اختبارا أوليا لما يمكن أن يكونه المستقبل في المدى المتوسط.
عندما نقول قلائل يعترفون بصدق، نعني أن قلة من القادة صادقة في كلامها عن أن قطار التغيير بدأ رحلة الالف ميل في لبنان. فبعيدا، عن التشنج الطائفي والمذهبي والقبلي، يتجه جمهور لبناني عريض عابر للطوائف نحو التغيير ليس الشامل، وإنما على مراحل، وضمن كل مكون على حدة. الجميع معنيون. كل القوى السياسية الكبرى معنية بما يحصل. وقلة أدركت أن ما يحصل هو بداية انقلاب في البلد قد يطول مساره سنوات طويلة، أما الأكثرية فهي في عمق تفكيرها تعيش انفصاما حقيقيا، تتحدث عن مزاج شعبي جديد، وبداية تغيير في الصورة، ولكنها لا تفعل شيئا استنادا الى العبر والدروس التي نتجت من الانتخابات البلدية والاختيارية. هي متحجرة في العمق ولا يقلل من تحجرها كلام كثير يقال عن التغيير والتحول والثورة الكامنة في بلد بدأت الاجيال الصاعدة فيه تدرك أنها ليست أكثر من وقود في حروب صورية بين الكبار على المسرح.
بناء على ما تقدم، ليس في لبنان بين القوى الخمس أو الست الكبرى المكونة واقعاً لـ"المجلس الرئاسي" او "مجلس الشعوب"، استنادا الى تعبير الزميل سركيس نعوم، من يعارض حقيقة العودة الى قانون الستين. وليس بين هؤلاء، بالرغم من أطنان التصريحات والمواقف، من يتمسك بصدق وتصميم بإدخال النظام النسبي الى الانتخابات النيابية المقررة في السنة المقبلة. كلّ يدعي تمسكه بالنسبية، إما شاملة وإما جزئية، وكلهم يجتهد لابتداع طريقة للعودة الى قانون الستين، من دون تحمل مسؤولية العودة ستين عاماً الى الوراء! في هذا الوقت، يواصل لبنان مساره الانحداري اقتصاديا واجتماعيا، والهجرة تتزايد في أوساط الشباب الذين يرون بأم العين هذا الحجم المخيف من الفساد الذي يمارس من دون رقيب ولا حسيب. هؤلاء يستمعون بأرقام فلكية الى الاموال التي تجنى هنا وهناك بالفساد الوقح: بعضه فساد حاملي شعار "العبور الى الدولة " الطيب الذكر، وبعضه الآخر فساد بائعي الدم ومروجي شعار "المقاومة والممانعة"، أما بعضه الثالث ففساد مسوقي شعار "استعادة الحقوق السليبة"!
في لبنان مزاج تغييري حقيقي، والمطلوب تشجيع كل تغيير شجاع أينما وجد، وخصوصا اذا ما تبين انه تغيير نحو مزيد من انخراط الشباب في القرار، ونحو مزيد من المحاسبة والمساءلة والترشيد.
صحيح أن نظامنا الطائفي معوِّق أساسي لكل تغيير بالمعايير الديموقراطية الحقيقية، لكن العصر يدفع الناس طبيعيا الى الوقوف رفضا للطاعة العمياء ودفعا الى الامام لمنطق الانعتاق من عبوديات غير مقبولة. وإذا لم ينزلق لبنان نحو حرب مذهبية لا تزال تشكل خطرا واقعيا، فإن الناس ذاهبة نحو التغيير بالتأكيد.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم