السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

سينما - كريستيان مونجيو: السينما لغة محدودة!

سينما - كريستيان مونجيو: السينما لغة محدودة!
سينما - كريستيان مونجيو: السينما لغة محدودة!
A+ A-

"السؤال الأصعب الذي يواجهه السينمائي هو: مِن كلّ ما يجري حولنا ما هي المادة المناسبة لتحويلها فيلماً؟ البعض يلجأ إلى الأدب وآخرون تخطر لهم أفكار نيرة. هناك الكثير من القصص المشوّقة والقوية لكنها لا تصلح لنقلها إلى الشاشة. عندما تفهم هذا، تفهم أيضاً ان السينما لغة محدودة. السينما يمكن أن تتبلور من تجربة أو حدث كنت شاهداً عليه، ولكن ليس كلّ شيء تستطيع أن تستمد منه فيلماً. بدأتُ أفهم هذا الأمر عندما صرتُ أتواصل مع الجمهور بعد عرض أفلامي. فهمتُ كم هناك أشياء عن السينما لا أعرفها. وفهمتُ ان هناك سينمائيين كباراً ينبغي مشاهدة أفلامهم كي لا تعتقد أنك تنجز شيئاً جديداً في حين يكون غيرك فعله من قبل".


بهذين البساطة والتواضع، يتكلم المخرج الروماني كريستيان مونجيو عن تجربته في فنّ صناعة الأفلام التي أوصلته إلى مهرجان كانّ حيث نال جائزته الأهم، "السعفة الذهب"، وعاد اليه هذه السنة مع جديده "بكالوريا" الذي أسندت اليه لجنة التحكيم في رئاسة الأوسترالي جورج ميللر جائزة الاخراج (مناصفة مع أوليفييه أساياس). بدقة تشبه العمل المختبري، يتابع سيناريو الفيلم بتمهل شديد "مغامرات" أب يريد لابنته النجاح في البكالوريا كي تلتحق بجامعة بريطانية وتخرج من بلاد بلا مستقبل. الحكاية بهذه البساطة، الا ان مونجيو لا ينتصر للخيارات المعتدلة عندما يطرح أزمة الفرد الاخلاقية في رومانيا الحديثة.
في ماستركلاس أقيم خلال نشاطات لقاء "قمرة" 2015 (الدوحة)، روى مونجيو مراحل بزوغ "الموجة الرومانية الجديدة": "كان هناك فيلمان رومانيان في بداية الألفية الثالثة في كانّ. في "اسبوعا المخرجين"، العام 2001 شارك كريستي بيو وفي العالم التالي شاركتُ أنا. أعدنا السينما الرومانية إلى كانّ بعد فترة طويلة من الغياب، وحصل هذا التواصل مع جيل جديد. قبل ذلك، كانت آخر مشاركة للسينما الرومانية في كانّ تعود إلى التسعينات على ما أذكر. كانت المرّة الأولى نأتي فيها بأفلام عن سقوط الشيوعية وبدأنا نثير الاهتمام. ساعدنا هذا على تحسين الظروف التي كنّا نصنع فيها أفلامنا في رومانيا. في بداية مساري كان من الصعب جداً ايجاد تمويل، معظم المال كان يذهب إلى سينمائيين مكرّسين. الشيء الايجابي هو تلك المنافسة التي ولدتْ بين السينمائيين، وكانت منافسة شريفة، ولكن في غضون سنوات قليلة، لم يعد الذهاب إلى كانّ بالنسبة للسينما الرومانية أمراً كافياً لإثارة الإنتباه، وخصوصاً مع ارتفاع التوقعات عند الناس. بدأنا نحصد الجوائز، لكن عناوين الصحف كانت تصغر مرة بعد مرة. مع الوقت، أصبح همّنا الأوحد أن نقدّم شيئا أفضل ممّا سبق، وهذا لإدراكنا اننا نأتي من مكان لا يمكننا أن نقدم فيه فيلماً كلّ عام. أنت تستثمر سنوات لتحقيق فيلم، فمن المستحسن أن يكون ذا معنى. هناك أناس سيذهبون لمشاهدته، لذا عليه أن يجسّد فهمي للسينما بطريقة مسؤولة. في تلك المرحلة، وضعنا أنفسنا تحت الضغط، كي نكون متأكدين أننا نقدم مادة فيلمية نزيهة وبسيطة. كنا نتفادى التلاعب بالمُشاهد وننبذ الأشياء التي سبق للسينما أن قدمتها مئات المرات. لم نكن نكترث بحجم الصعوبة التي يمثله البقاء على مقربة من الواقع. بدأنا نضع علامات استفهام جديدة حول كلّ الأسئلة التي نطرحها والقرارات التي نأخدها عادة ونحن نصوّر فيلما. مثلاً: لماذا ينبغي استعمال موسيقى؛ ماذا يعني اللجوء إلى المونتاج في هذه اللحظة؛ لماذا عليّ أن أقطع هنا بدلاً من أن أتيح للمشهد أن يتبلور".
عن فيلمه الأهم والأشهر، "أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان" الحائز "سعفة" كانّ 2007، روى مونجيو في اللقاء نفسه: "كنت على علم بتلك القصة لكني لم أفكر يوماً في نقلها إلى الشاشة. في البداية، وضعتُ بورتريهاً لنوع الفيلم الذي أريد انجازه. بهذه الطريقة، كان أسهل أن أجد القصة التي تناسب قيم الفيلم الذي أرغبه. كنت أريد مقاربة شخصية، سرداً كرونولوجياً. بحثتُ عن لغة تعني لي شيئاً وتكون ذات مغزى للمجتمع الذي أعيش فيه. أحد القرارات المهمة الذي يشغل السينمائي يتعلق بالمدة الزمنية التي تدور فيها حوادث فيلمه. كنت أعرف انني أريد ان أخبر قصة ضمن فترة زمنية قصيرة جداً ومن دون أن أفوّت أي تفصيل. كنت أميل إلى الاعتقاد ان على السرد أن يتضمن ليس فقط لحظات قوية بل أيضاً لحظات ضعف، لأن الحقيقة على هذا النحو. كنت أعرف منذ البدء انني أريد لقطات طويلة لا تنطوي على أي مونتاج أو موسيقى، كما انني لم أرد أي عنصر يشير إلى وجودي هناك كمخرج. أردتُ اظهار كلّ شيء بأبسط طريقة ممكنة. مع ذلك كله، عملي ينم عن احترام كبير للسينما الرومانية الشعبية، إلا انني أوظفها على طريقتي الخاصة. امتنعتُ من الموسيقى كي لا أشير إلى أن هذه لحظة تصاعدية، ولكن كان لا بدّ من لحظات تصاعدية. حاولتُ أن أضع المُشاهد في عقل الفتاة (الشخصية الرئيسية في الفيلم)، ولكن فجأةً فهمتُ ان للسينما محدودية. قبل التصوير، قررتُ أن الكاميرا يجب أن تتناسب مع حرارة الحركة. لم يكن علينا تحريك الكاميرا إلا في حالات معينة، تفادياً لأي شيء مصطنع. في مشهد الطاولة، كلّ شيء كان مكتوباً سلفاً، ليس هناك أي إرتجال، كلّ شخص يظهر على الصورة كان يعرف تماماً ماذا يفعل وماذا يقول. في السينما، علينا أن نفهم شيئاً: اذا أردتَ أن تكون الحوارات على الشاشة كما هي في الحياة، فعليك أن تدع الممثلين يتكلمون في وقت واحد. كان شيئاً مفرحاً جداً الحصول على "السعفة الذهب". ليس هذا شيئاً تستطيع التخطيط له. أسعدتني الردود في كانّ، وفوجئتُ كيف ان السينما على مدار اسبوعين تكون أهم شيء في العالم".
في رأي مونجيو، البالغ من العمر 48 عاماً، ان الواقع مهم طالما انك تثبت ان كلّ ما يتضمنه هذا الواقع مهم أيضاً. في نظره، ليس على الفنان أن يقرر ما يستحق ان يُنقل إلى الشاشة وما لا يستحق. كلّ شيء أهميته في ذاته. اذا كنت تنجز فيلماً واقعياً، فعليك أن تشرّع الباب لكلّ الأشياء الصغيرة كي تتسلل "إلى داخل بنيتك السردية الواقعية".
من التيمات الرئيسية في عمل مونجيو: الشعور بالذنب. من أين يأتي هذا الشعور؟ في لقاء خاص لي معه في تسالونيك، يقول: "انه متأتٍّ من المواقف الأخلاقية التي أجبرتُ على أخذها عندما وضعتُ أمام حوادث معينة. عندما تكون أمام حال كهذه، يبقى الشعور بالذنب رفيقاً دائماً لك، مهما فعلت. العنف لي منبعه الخيال. وهو يأتي من طريقة معينة في فهم العالم وكيفية النظر اليه. نعيش اليوم في عالم شديد العنف. لهذا، أردتُ دائماً التخفيف من حدّته في أفلامي. هذا قرار جمالي وأخلاقي. فنحن لم نعد بحاجة إلى أن نرى المزيد منه لندرك وجوده. للحقيقة (...) أردتُ أن أكون أكثر اهتماماً بانعكاس العنف على الناس والتأثير الذي قد يتركه فيهم. دائماً أهتم بردّ الفعل أكثر من اهتمامي بالفعل".
عندما نسأله عمّا اذا كان وجد اسلوبه الخاص الذي لا غنى عنه في المستقبل، يردّ: "لا أعرف. قبل تصوير "خلف التلال"، سألتُ: هل وجدتُ نفسي في النحو الذي أصوّر فيه الأشياء؟ هل يمكنني الخروج منه الآن؟ هذه المرة، لم أستطع بصراحة. عملتُ وانا حرّ تماماً، وأكثر حرية من قبل، ولكن لم تتح لي فرصة ان أختبر شيئاً آخر يسمح لي بأن أقول إن هناك اساليب اخرى تعبّر عن أفكاري".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم