الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

برهان الشرف

عقل العويط
عقل العويط
برهان الشرف
برهان الشرف
A+ A-

لقد أخطأنا جميعاً، في كلّ شيء تقريباً. أخطأنا حين اعتبر كلٌّ منا أنه يملك، وحده دون سواه، الحلم والخيال والحقيقة. وأنه هو المعيار، وأن الآخر هو الخطأ الرجيم. وأخطأنا حين اعتبرنا كسر "الظلّ" هو الهدف وهو البديل، أكان ذلك بالقوة، أم بالديموقراطية، أم بالكذب، أم بالمكر، أم بالخبث، أم بالفساد، أم بالأكثرية، أم بالعائلية، أم بالغريزة، أم بالطائفية، أم بالمال، أم بسوى ذلك من أساليب ووسائل مختلفة.


لقد أخطأنا حين اعتبرنا اللوذ بالدين هو المعيار وهو البديل. وأخطأنا حين اعتبرنا دحر الدين هو البديل. وأخطأنا حين اعتبرنا تمزيق الأهل هو البديل. وأخطأنا حين اعتبرنا الأحزاب هي البديل. وأخطأنا حين اعتبرنا محاربتها هي البديل. وأخطأنا حين اعتبرنا المال هو البديل. وأخطأنا حين اعتبرنا كلّ ما ملكت أيدينا، شرعياً ودستورياً وميثاقياً ومشروعاً ومشرّفاً، هو البديل ونسينا في غمرة الانتشاء بالربح المنتهَز أن قوى الحلم والخيال والحقيقة لا يمكن القبض عليها، أو أسرها في حبس.
لقد أخطأنا في كلّ شيء تقريباً، وخصوصاً في مسألة الأنسنة. فكيف لا نكون أخطأنا في السياسة؟ ثمّ كيف لا نكون أخطأنا في تقدير "الظلّ". فما أسوأ أخطاء التقدير.
أستخدم تعبير "الظلّ"، ليس من باب التحايل الأدبي، وإنما لأن هذه الكلمة تحمل من الرحابة والرشاقة والخفة والانسحاب والذوبان والتواضع والخفر والرأفة، وأيضاً الكبرياء المحتشمة، ما لا يمكن حصره في معنى.
يستبدل بعضنا كلمة "الآخر" بكلمة "الظلّ"، معرفياً وفلسفياً ودلالياً، مومئاً، في لحظة طبيعية أو انسانوية، إلى تداخل العناصر والمكوّنات، وتَهَاجُنها، واختلاطها اختلاطاً فيزيائياً، وعقلياً، بحيث يتخلّى الجسم - العنصر - الكائن (أو يفقد) عن بعضٍ من ذاتيته الأولى (ليس بالإرادة فحسب)، باحثاً عن شغف الانسجامات الفردية والمجتمعية والكونية الجديدة.
لقد أخطأنا في الصغيرة وفي الكبيرة. لقد أخطأنا في تقديرنا للذات. وأخطأنا في تقديرنا للآخر. لكن بعضنا – ربّما الجميع - يعتقد أنه معصوم. وأخطأنا – يا للخطأ الرهيب! – في استحقاق الحرية. لا أقول إننا غير جديرين بها، بل أكتفي بالقول إننا نحتاج إلى الكثير الكثير لنكون أهلاً لها.
أقول إن الرابح والمهزوم كلاهما خاطئ ومخطئ وغير معصوم. لا أغمز فحسب من قناة الاستحقاقات البلدية التي أسدل الستار عليها مساء الأحد الفائت، بل أدلّ خصوصاً على الأخطاء القاتلة التي لا تشفى منها الأجسام والأرواح والبلدان.
الاعتراف بالخطأ تعبيرٌ عن الكرامة المطلقة، والمحاسبة الذاتية برهان الشرف الوحيد.


[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم