الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"التعددية" المسيحية نجت... وطرابلس تشدَّدت!

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
"التعددية" المسيحية نجت... وطرابلس تشدَّدت!
"التعددية" المسيحية نجت... وطرابلس تشدَّدت!
A+ A-

الامتحان الجيد الذي خاضته الاحزاب السياسية في لبنان في الانتخابات البلدية والاختيارية أنها استطاعت رصد مدى شعبيتها وقدرتها لدى الناس، في مقابل رصد الثغر للاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. فهذه الانتخابات كشفت مقدارا كبيرا من الوهن لدى الجميع، إنما بنسب مختلفة، لعل أبرزها ما كان في الواجهة في شكل خاص، أي التحالف العوني - "القواتي" المستجد الى جانب شعبية الرئيس سعد الحريري الذي عاد الى لبنان بعد أعوام عدة في الخارج وطبيعة المزاج السني في البلد، انما من دون التقليل من أهمية رصد المزاج الشيعي ومدى كلفة انخراط "حزب الله" في الازمة السورية. والخلاصة الرئيسية هي انه على رغم جهود القوى السياسية لإبقاء الوضع السياسي مجمدا عند حدود العيش على حكومة معطلة وغير فاعلة، واعادة خوض معركة تقاسم النفوذ من باب الانتخابات البلدية، فإن الوضع اللبناني متحرك ومتفاعل مع احداث لبنان والمنطقة ايضا.


لا شك في ان التيار العوني يستطيع ان يعتبر انه عبر هذه الانتخابات من دون ان تتم محاسبته على تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، لكن من المستغرب جدا المنطق الذي خاض التيار على أساسه انتخاباته بالتحالف مع "القوات" وخوضه في المراحل الاربع للانتخابات حملة اعلامية ودعائية من اجل ان يساهم الناس في الانتخابات ويصوتوا لهذا التحالف في الوقت الذي يتجاهل الدعوات السياسية والاعلامية للقيام بواجب انتخاب الرئيس العتيد، فيما ذهب هو الى اعتبار تصويت الناس في الانتخابات واجبا يتعين عليهم ان يقوموا به. وما شكل علامة فارقة وسلبية للتحالف العوني -"القواتي" في اول معمودية له لترجمة تحالفه، انه سعى الى التمثل بالمنطق الالغائي للآخرين، من رمزية تمثيل الكاثوليك في زحله الى رمزية السعي الى الغاء إرث دوري شمعون في دير القمر، ثم السعي الى القضاء على المستقلين الاقوياء كبطرس حرب في تنورين او مخايل ضاهر وهادي حبيش في القبيات. والاجدى بهذا التحالف، إن لم يكن قادرا على استيعاب الآخرين، إظهار حرص على التعددية المسيحية التي تبقى رمزا متميزا، ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة، علما أن الارض نبذت وحدها محاولات الالغاء، في الوقت الذي لا يمكن القول انه يمكن استثمار القوة المكتسبة من الانتخابات البلدية في الانتخابات الرئاسية مثلا لوجود عوامل أخرى مؤثرة. ولعل الخسارة المعنوية الأهم في هذا الاطار هي للدكتور سمير جعجع الذي كان يشكل المستقلون من قوى 14 آذار الى جانبه قيمة مضافة على أكثر من صعيد، في حين أن بيعهم لمصلحة التحالف مع عون يستحق مراجعة موازينها لجهة المكاسب او عدمها، بما فيها التحالفات غير المسيحية، خصوصا انه كان غريبا لمن نجا من حرب الغاء سياسية وعسكرية أن يخوض معارك بلدية تتسم بهذا الطابع، ولو ان المواجهة والتنافس مشروعان في السياسة. إلا أن هذه الانتخابات البلدية أحدثت مرارة توازي الارتياح الذي أثارته المصالحة "القواتية"- العونية في ذاتها، انما من دون بند دعم ترشيح العماد ميشال عون.
انتخابات طرابلس كان لها نكهتان ايجابية وسلبية. الخطأ كان في الاستهانة بقدرة الوزير اشرف ريفي على تجييش طرابلس لمصلحته، وهو من هو في رعاية الارض الطرابلسية بعد جولات الاشتباكات المتكررة التي انهكت طرابلس، في مقابل النوم على حرير ائتلاف واسع من القوى السياسية اعتقد عن خطأ انه كاف في ذاته لضمان تأييد المدينة. وبغض النظر عن تفاصيل خطاب إعلامي دعائي متماسك اعتمده ريفي في مقابل تحالف موضوعي ظرفي في المقلب الآخر اعتمد على مصالحات طارئة في الاسابيع الاخيرة، فإن السقف المتشدد الذي رفعه ريفي، وإن كان مستندا الى عناوين ثورة الارز، فإنه شكل ترجمة لعنوان او لخطاب سياسي أكثر راديكالية وينبذ الاعتدال او الوسطية التسووية اللذين يعتمدهما تحالف القوى في المقلب الآخر. وبمقدار ما ان فوز اللائحة التي دعمها ريفي تكسبه موقعا متقدما ونجومية سياسية ازاء خصومته المستجدة مع الرئيس سعد الحريري، فإن لها تداعياتها، خصوصا ان ثمة انفتاحا غير مسبوق حصل اخيرا على جبهة طرابلس - زغرتا على أثر دعم فرنجية للرئاسة من المحتمل ان تعيده الانتخابات البلدية الى مربعه الاول. فاذا كان عنوان انتخابات طرابلس هو هزيمة سنة الاعتدال، فإن الحصيلة العامة سلبية، خصوصا متى تم عطفها على اصوات متشددة سجلت حضورها في صيدا ايضا، علما ان هناك من سيسعى الى توظيف التشدد السني في حساباته، ان في استهداف الحريري. الا ان الحريري ليس وحده المستهدف ولو انه في الواجهة، خصوصا انه على اثر استقباله مرتين الرئيس المقترح للائحة طرابلس الائتلافية أصر على العمل وفق ما يرى مناسبا مع اهل طرابلس في مقابل تأمينه مع القيادات الاخرى الغطاء السياسي. ولعل هذا كان خطأ، علما ان استهدافات طرابلس اصابت بقوة كلا من الرئيس نجيب ميقاتي وقيادات تاريخية فيها، كآل كرامي، فضلا عن السياسيين المقتدرين ماليا.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم