الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مع عودة الروح إلى المبادرات الانتخابية الأطراف يلوذون بلعبة حافة الهاوية والمناورة

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

منذ ايام والمشهد السياسي العام يحفل بمواد سجالية حادة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية وعن قانون الانتخاب الذي يتعين وضعه واقراره ليكون اساسا للانتخابات النيابية الموعودة.


ومع هذا الازدحام الفارض نفسه اُعيدَ الاعتبار الى افكار ورؤى مثل النسبية والمختلط والاكثري على قاعدة قانون الستين الذي ادخلت عليه تعديلات في اتفاق الدوحة عام 2008، لا بل ان ثمة من بدأ يعيد اطلاق موجة هواجس حول شيء اسمه "المؤتمر التأسيسي" اذا ما ظلت الامور تسير على منوال الدوران في متاهات الفراغ والعدمية الذي ينسج عليه منذ نحو ثلاثة اعوام، اي منذ الشروع في لعبة البحث المكثف في مشاريع القوانين الانتخابية التي طالت لائحتها لتتعدى السبعة عشر قانونا موضوعة "امانة" لدى اللجان النيابية المشتركة.
وفي موازاة ذلك بدت الامور وكأنها تتجه نحو التشنج والحائط المسدود في ظل "الاستشراس" الذي يبديه "تيار المستقبل" للحيلولة دون تمهيد الطرق الى القانون المبني على اساس النسبية او المختلط مناصفة، وفي ظل "استبسال" القوى الاخرى لإقرار ما لم يجرب حتى الان ومنذ نشوء الكيان اللبناني وهو القانون النسبي حيث تشرع الابواب على مصاريعها لاحتمال قيام موازين قوى سياسية مغايرة لما هو مألوف من معادلات منذ عام 2005.
مناخات تصادمية وبالغة التشنج انطلقت اصلا مع ما اُطلق عليه لاحقا مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهي عبارة عن رزمة افكار ادلى بها في اول اربعاء نيابي تلا المرحلة الاولى من الانتخابات المحلية في بيروت والبقاع والتي اتصفت بالنجاح وفق كل المعايير، وهو ما اسقط فورا وبمفعول رجعي ومستقبلي التمديدين لمجلس النواب اللذين بادر اليهما بري نفسه بتشجيع ودعم من قوى في مقدمها "التيار الازرق" الذي لا يرتاح الى شيء ارتياحه الى ابقاء الاوضاع على حالها منذ عام 2009.
بري كان اذاً محكوماً باطلاق هذه الافكار لئلا يسبقه احد الى صفة المبادر والمجترح للافكار التي اكثر ما يحبها في مرحلة الدوران في الفراغ .
ومما زاد في توهج مبادرة بري او افكاره القابلة للتحول الى مبادرة، سماع اصوات خارجية وتحديدا اميركية واوروبية داعمة للمبادرة وداعية الى اخذ ما يقدمه من رؤى في الاعتبار والبناء عليها.
امر آخر زاد من وطأة المناخات الضاغطة وتحريك المياه الراكدة في بحيرة الاستحقاقات الدستورية هو انطواء السنة الثانية من الشغور الرئاسي وولوج عتبة السنة الثالثة لهذا الشغور المدوي، مما اعاد القاء الاضواء على فراغ شكل بالنسبة الى كثير من قوى 14 آذار نوعا من الشعور بالكسر السياسي والعجز عن الفعل وخرق خطوط الدفاع التي رسمها "حزب الله" واركان محوره الداخلي، فكان جلّ ما فعلوه حيال عجزهم هذا رفع عقيرتهم بالصياح وتوجيه اصابع الاتهام الى الحزب بالتعطيل وتحميله تبعات ذلك.
ومن البديهي ان السجال قد رفت ظلاله اكثر في اعقاب رد فعل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله اخيرا على مبادرة بري واعلانه انه معها وانه منفتح على ضلعَي المبادرة اي الانتخابات الرئاسية والنيابية، ولكنه اخذ المبادرة الى تأصيل اكبر عندما جاهر صراحة بان النسبية ينبغي ان تكون اساس اي قانون انتخاب مقبل، شارحاً اهميتها وتأثير فعلها في دورة الحياة السياسية وضخ دماء جديدة في الجسد المترهل والمتجه نحو الاهتراء، ومحددا شروطا للامرين معا، اي مراجعة مرشحه الحصري للرئاسة الاولى العماد ميشال عون شرطا لفتح الباب امام الانتخابات الرئاسية وهو عود على بدء معلوم، والثاني اعتماد النسبية من دون الاكثري (قانون الدوحة) او المختلط شرطاً للتوجه الى صناديق الاقتراع في الموعد المحدد بعد اقل من عام. وهكذا رد نصرالله بشكل غير مباشر على تحميل حزبه تبعة تعطيل الاستحقاق الرئاسي من جهة، وطرح سلة شروطه للخروج نهائيا من حال التشرنق السياسي القاتل من جهة اخرى.
وفي موازاة ذلك بدا بري مرتاحا وهو يؤدي دور المبادر من جهة والناظر الى القوى كافة وهي تصبح اسيرة التعاطي القسري مع مبادرته سلبا او ايجابا، خصوصا انه لم يعد متاحا امامها ارجاء الامور وتأجيل الاستحقاقات الدستورية في انتظار الاتي من التطورات الدولية والاقليمية التي قد تعيد انتاج التركيبة اياها والمعادلة ذاتها المستمرة منذ عام 2005 حتى اليوم. وهذا الوضع ينطبق، في رأي قوى 8 آذار، اكثر ما يكون على "التيار الازرق" الذي يصاب بالتشنج كلما شعر بان ساعة استحقاق قانون الانتخاب الجديد قد دنت فيشرع رموزه كعادتهم في اطلاق دفاعاتهم الجاهزة للاعتراض على مبدأ النسبية وسد السبل امام ابصاره الحياة بدءاً بحجة ان لا نسبية في ظل سلاح "حزب الله" مرورا بذريعة ان الامر يحتاج حتما الى توافق سياسي غير متوافر بفعل اعتراض الحزب التقدمي الاشتراكي، اي ترداد الكلام الذي دأب على ترديده منذ اعوام وذلك بغية وضع الخصوم امام واحد من احتمالات تصب في طاحونة مصلحته: إما المراوحة والدوران اي مزيد من التمديد لمجلس النواب، واما ابتزاز الآخرين لجرهم في خاتمة المطاف الى نقطة الوسط التي لن تحدث اي تغيير يعتد به وهو القانون المختلط، واما العودة الى قانون الستين.
وبحسب المعطيات من اكثر من جهة، فان اي طرف من المعنيين بمن فيهم بري، لا يملك تصورا حاسما لمآل الامور وفي اي ميناء سترسو. لذا فان الكل مضطر للنزول الى ميدان المناورة واللجوء الى لعبة البلف والذهاب الى لعبة حافة الهاوية، مع علم الجميع بان الجهات الاقليمية والدولية المعنية لا تمتلك اية مبادرة جدية وواضحة في شأن الوضع اللبناني باستثناء تكرار الدعوة الى انتخاب رئيس وعدم التلاعب بالاستقرار الداخلي، فضلا عن ان احدا لا يملك اوراقا جديدة تسمح له بالاخذ والعطاء، خصوصاً ان آخر محاولة كانت تسمية زعيم "المستقبل" النائب سليمان فرنجية مرشحا للرئاسة الاولى لقطع الطريق امام العماد عون، وهي محاولة لم تتعدَّ اطار القنبلة الصوتية ولم تحدث تحولا فعليا في مسار الامور.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم