الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل نبكي أم نصفّق لجريمة طاريا؟

المصدر: "النهار"
إيلده الغصين
هل نبكي أم نصفّق لجريمة طاريا؟
هل نبكي أم نصفّق لجريمة طاريا؟
A+ A-

بين الاحتكام إلى العقل أو إلى الغريزة، تراوحت ردود الأفعال على جريمة قتل المواطن حسين الحجيري، التي تبنّاها #معروف_حميّة والد الجندي الشهيد محمد حميّة. اختلفت التوصيفات بين الغدر بالضحيّة وبين الثأر لدم الشهيد حميّة الذي أزهقه تنظيم "جبهة النصرة" في أيلول 2014. انشغل اللبنانيون بالتفاعل مع الخبر. فئة أشادت بفعل الوالد وأخذه بالثأر لابنه وبرّرته في ظل غياب الدولة والقانون وبقاء #مصطفى_الحجيري "أبو طاقيّة" (عم المغدور حسين) حرّاً طليقاً. فئة أخرى احتكمت إلى القانون العرفي ورأت أن قتل الحجيري جائز في حال ثبت تورّطه في خطف العسكريين. فئة ثالثة استنكرت أسلوب القتل. وبقيت فئة صامتة هالها مشهد الدماء ولم تجد وسيلة أو حاجة إلى الإدلاء برأيها.


لن ندخل في تعاطي الإعلام مع الحدث وتناوله صور المغدور وحديثه إلى المعنيين في الجريمتين، بل نحاول كأفراد مستقلّين عرض موقفنا في شأن القتل وتبرير دوافعه والتغنّي بأي جريمة، بعيداً من تعاطفنا مع والد شهيد وعائلة شاهدت تصفية ابنها ولم تأخذ لها الدولة حقّها.


ردّ الأذى وعدم الوعي
يرى الدكتور أنطوان سعد، طبيب نفسي وباحث في علم الدماغ السلوكي، أن "الإنسان يتصرّف بشكل منطبق مع برنامجه الفكري والانفعالي. وفي تصرّف السيد حميّة أمران أثّرا به: الأول هو الثقافة التربوية والاجتماعية التي يعيشها الفرد وتقضي بردّ الأذى بالطريقة نفسها بحسب بيئته واقتناعاته في ظل غياب المحاسبة وعدم تطبيق القانون بالتساوي. الثاني هو وعي الشخص بحدّ ذاته وبكيفية إدارته لحياته واختياره بين رد الأذى بالمثل أم لا. فالوعي يرفض أذية الآخر واقتراف الخطأ، فيما يحفز عدم الوعي الى قيام الفرد برد الأذى لترتاح نفسه حتى لو كان لا يملك الحق في ذلك".


ويقسم سعد المسؤوليات الى ثلاث: اجتماعية، قانونية وشخصية يحدّدها مدى الوعي لدى الفرد. ويشرح كيف "أن الوعي يجعل الشخص على يقين بأنه لا عدالة في هذا العالم وأن الشخص يُحاسب لحظة المواجهة بعد الموت على أفعاله هو وليس على أفعال الآخرين معه". ويؤكد "نفتقد للوعي العاطفي الذي يتحكّم بالمشاعر السلبية، اي بكيفية إدارة الوجع والالم الناتجين من فقدان ابن مثلاً. هذا الوعي يمنعنا من أن نصبح ضحيّة ونرتكب فعلاً اسوأ مما حدث لنا".


فالوالد حميّة أعلن أنه سينفّذ ثأره وهو بذلك أصبح مجبراً أمام الرأي العام وبيئته بتنفيذ وعده، كي لا يتحوّل وفق نظرة بيئته العشائريّة إلى رجل ضعيف لم يكن على قدر كلامه، فقام بالتخطيط للجريمة. ويعلّق سعد "أراد حميّة أن يجعل الآخر يعيش الوجع العاطفي نفسه عبر تعريضه لنفس التجربة وارتكاب الجريمة. لكن الخطير هنا أن القتل الذي رفضه حميّة على ابنه قام بمثله. فالثأر بحد ذاته ليس حلاً لمعاناة بل هو تأجيج لها".


برمجتنا العقليّة مرضيّة
وفي ما يخص تفاعلنا مع الجريمة، يخلص الى القول "إن البرمجة العقليّة المرضيّة التي تشوبها مفاهيم خاطئة إضافة الى غياب كامل للنضج العاطفي يلعبان دوراً اساسياً في ردود الفعل العاطفيّة غير الناضجة وغير المنضبطة. فما حدث يجب أن يشعرنا بالحزن لأنه يعيدنا الى القرون الوسطى. والعنف بأي شكل أتى هو دليل ضعف وليس قوة كما يعتقد البعض. بينما السلام وإمكان ضبط النفس هما القوّة بحد ذاتها".


وعن التسرع في إطلاق أحكامنا، يشرح "يسمح وجود الوعي لدينا بمراجعة أفكارنا وعدم إطلاق الأحكام بسرعة، غير أن عدم الوعي يجعلنا نرى أخطاء الآخر ولا نرى أخطاءنا. ويردّ هذه التصرّفات الى أزمة في الهوية، إذ نعوّل على أوهام مثل "داعش و"النصرة"، وهي بمثابة تهويمات ذهنيّة نصدّقها لمعالجة مشكلتنا في هويتنا. نحاول التعويض عن أزمة الهويّة لدينا بأي طريقة عبر استخدام القوّة واعتماد السلوكات العنفيّة وفرض رأينا على الآخر، متجاهلين أن مساعدة الآخر تعني مساعدة نفسنا وأن قتل الآخر يعني قتل نفسنا. أي إن ما نفعله مع الآخر يتحوّل الينا وينصبّ علينا قبل أن يصل اليه. فالضعف في إدارة وجعنا العاطفي وأزمة هويتنا إضافة إلى المسوّغات الإجتماعية والقانونية يجعل الانسان غير مدرك لتصرفاته حتى لو عادت بالأذى لنفسه قبل الآخر".


نسأل أنفسنا كيف نبرّر تصفية حسين الحجيري في حال تورّطه في خطف العسكريين في حين أننا نعارض حكم الإعدام في حق محكومين ثبتت إدانتهم؟ لماذا الازدواجيّة في مواقفنا المعلنة من أشكال الموت سواء كانت إعداماً برصاص طائش أو بتخطيط؟ لمَ الحاجة للإدلاء برأينا بدل التزام الصمت وترك الكلام للاختصاصيين؟ كيف نصف علاقتنا بإنسانيتنا ومبادئنا رغم أننا تغنّينا ومجّدنا فعلاً جرمياً؟ كيف نشيد بجريمة اقترفها والد مفجوع هو في الأساس ضحيّة بيئته قبل أن يتحوّل إلى ثائر أو قاتل؟ أخطر ما في الأمر، ليس مفهوم الثأر السوسيولوجي المتأصّل في بعض بيئاتنا، بل في أن هويّة من تمّ الثأر له ليس مواطناً عادياً بل "جنديّ"، وهذا خيط جديد ينقطع بيننا وبين الثقة بدولة القانون والمؤسسات. فلنصفّق لهذه الدولة علّها تستيقظ من سباتها، ولنبكِ الشهيد #محمد_حميّة مرّة جديدة ولنعلن الحداد على الدرك الذي بلغته إنسانيّتنا.


[email protected] 
Twitter: @ildaghssain

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم