الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الحياة خلف جدار الفصل... النكبة الجديدة

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
الحياة خلف جدار الفصل... النكبة الجديدة
الحياة خلف جدار الفصل... النكبة الجديدة
A+ A-

"اللجنة الوطنية لسجل أضرار الجدار"، اسم لا يُسلط عليه الضوء كثيراً حتى وسط الفلسطينيين أنفسهم، أصحاب المعاناة اليومية مع جدار الفصل والعار الجاثم على الأملاك، شاطراً وقاضماً، وعازلاً السكان عن الأراضي الخصبة ومصادر المياه.
وكانت اللجنة قامت على خلفية حكم غير ملزم لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بتاريخ 9 تموز 2004 بعدم شرعية الجدار، ثم توصية الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2008 البدء بتسجيل الأضرار التي يحدثها حائط الكتل الاسمنتية وتوثيقها.
ويصف موقع "فلسطين 24" اللجنة بأنها الدائرة الأصغر في منظمة التحرير الفلسطينية لكنها تضطلع بالمهمة الأكبر، بإمكانات قليلة تكاد تكون شبه معدومة، مع أنها تأسست بمرسوم رئاسي.
تخيلوا أن ستة موظفين فقط يتولون توثيق أضرار الجدار الذي بدأ العمل به في 23 حزيران 2002، بعد عملية عسكرية سُميت "السور الواقي"، ضارباً عرض الحائط بالحقوق القليلة للسلطة الفلسطينية، ذلك أن مخططه الأولي يتجاوز خط الأمر الواقع المرسوم عام 1967 ليمتد على 790 كيلومتراً، وقد أُنجز منه أكثر من 70 في المئة إلى الآن، مُحولاً المناطق الفلسطينية كانتونات معزولة.
ستة موظفين فقط يواجهون الكتل الإسمنتية العملاقة التي حاصرت الأغوار، سلة الفلسطينيين الغذائية، وأقصت المدن والقرى عن طريق القدس، قُبلتها التاريخية. ستة أشخاص لا غير يتصدون لعمليات الاحتلال والتهجير في نكبة العصر الحديث. 58 ألف استمارة موثقة جُمعت ونُقلت إلى فيينا في حقيبة ديبلوماسية، "لأن الجهة التي تقوم بالتسجيل والحصر قانونياً هي الأمم المتحدة"، وفق مدير اللجنة عيسى سمندر. وبالأمم المتحدة يقصد مكتب سجل المنظمة الدولية للأضرار الناشئة عن تشييد الجدار، وهذا أيضاً شحيح الإمكانات، وقد تبرعت له السعودية في نيسان بـ300 ألف دولار لتسيير أعماله حتى نهاية السنة.
58 ألف استمارة من الجانب الفلسطيني، والعمل لم ينتهِ، فالجدار يمس معيشة أكثر من 200 ألف شخص. بعد جنين وطولكرم وطوباس وسلفيت وقلقيلية والخليل، يتركز تقويم الأضرار حالياً في شمال القدس وبيت لحم، بالتعاون مع البلديات والمجالس القروية التي تساهم في رصد الانتهاكات وتدوينها، وهي مستمرة. ففي منطقة بئر عونة في بيت جالا ببيت لحم على سبيل المثال أعمال جرف جديدة لتوسعة مستحدثة للجدار. وكذلك تُشيد كتل اسمنتية بارتفاع ثمانية أمتار في وادي كريزمان جنوب القدس، مع أن السكان كانوا استصدروا عام 2015 قراراً من المحكمة الاسرائيلية العليا يوقف مرور الجدار في المنطقة المسيحية التاريخية.
رغم كل شيء، عمل "اللجنة الوطنية لسجل أضرار الجدار" يسير بتؤدة وبطء. فإلى قلة الموارد، ثمة عرقلة اسرائيلية دائمة وصعوبات تقنية تتمثل في افتقاد فلسطينيين إلى الخرائط التي تدعم شكواهم من اختراق الجدار لأراضيهم. فالكثير من المزارعين على سبيل المثال لا يستطيعون العبور إلى ما خلفه حيث رزقهم، وقد أثر القضم على أنماط حياة السكان وسُبل عيشهم بما لا يمكن تصوره. والحكايات عن ذلك أكثر من أن تُحصى، من شبه اندثار إنتاج العسل الجبلي في الضفة الغربية وعدم القدرة على الوصول إلى حقول الزيتون واستغلالها، وخسارة المنازل وتجريف الأشجار المُعمرة، إلى تفكك الروابط الأسرية نتيجة الفصل القسري والتهجير الجديد. يكفي أن نضع نصب أعيننا حقيقة أن الفلسطينيين سُلبوا حقهم في استغلال ثلث مساحة الضفة الغربية لنتصور انعكاس ذلك على أحوالهم الاقتصادية والتعليمية والصحية.
والوقائع الاجتماعية الجديدة دفعت باحثين إلى مطالبة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "الأونروا" بإعادة النظر في تعريفها للشخص اللاجئ، ليشمل من سُلبوا أراضيهم مرة جديدة بفعل الجدار في نزوح جديد كأنه قدر مستمر منذ عام 1948، لتُوسع خدماتها إلى هؤلاء من ضحايا الجدار والقضم الاستيطاني. لكن ذلك لم يتحقق لأكثر من سبب، فـ"الأونروا" تعاني عجزاً مالياً متضخماً، وقد زاد من أعبائه محنة الفلسطينين النازحين من أتون سوريا. أضف أن هذا الطرح يجعل عملياً كل فلسطيني في فلسطين لاجئاً أو يكاد، لأن الدبابات والجرافات الاسرائيلية في كل حي.
وفي مقابل شح الإمكانات المادية والبشرية بين يدي "اللجنة الوطنية لسجل أضرار الجدار" في الجانب الفلسطيني، يفتك الفساد بدائرة بناء جدار الفصل التابعة للجيش الاسرائيلي. وأوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أشهر أن ضباطاً خضعوا للتحقيق على خلفية صلات مشبوهة بشركات للحماية الالكترونية وتنفع من مقاولين ورجال أعمال.
وكان المجلس الوزاري الاسرائيلي المُصغر قرر رداً على الهبة الشعبية المستمرة التي سُميت "انتفاضة الأقصى" و"انتفاضة السكاكين"، إقفال الفُتحات في الجدار حول القدس وإكمال بنائه في ترقوميا غرب الخليل. لكن ذلك كله لن يمنع طفلاً فلسطينياً من رشق أي جندي اسرائيلي يصادفه بالحجارة، أو شاباً من دهس مستوطن يختال متباهياً في أرض ليست له، أو طالبة من تخبئة سكين بين كتبها. هؤلاء لا يهابون الموت، فكيف لجدار أن يحول بينهم وبين حلم متوارث اسمه فلسطين؟
[email protected]
twitter :@SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم