الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

سايكس بيكو وكُردستان وتظاهرة كولن؟!

المصدر: "النهار"
جوان سوز-صحافي وكاتب كُردي سوري
سايكس بيكو وكُردستان وتظاهرة كولن؟!
سايكس بيكو وكُردستان وتظاهرة كولن؟!
A+ A-

لم تكن تظاهرة مدينة كولن الألمانية قبل أيام بالحجم المطلوب، ذلك أنها للتنديد بمئوية اتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت كُردستان الكبرى بين أربع دول هي سوريا وتركيا والعراق وإيران، أي كان يجب أن يُقدر عدد المتظاهرين أو المحتجين على تلك الاتفاقية بمئات الآلاف أو بالأحرى عشرات الآلاف على أقل تقدير. وهل خروج عشرات الآلاف من بين ملايين الكُرد أمر غير ممكن، وخصوصاً أنّ الجالية الكُرديّة في دولة المانيا الاتحادية، هي الأكبر من بين باقي الدول الأوروبية.


قد تشير هذه المفارقة الأخيرة، إلى غياب جمهور الأحزاب الكُرديّة والكُردستانية عن هذه التظاهرة نتيجة صراعاتها السياسيّة في ما بينها، فإن كانت هذه التظاهرة برعاية مباشرة من حزب العمال الكُردستاني وهذا الكلام افتراضي، لخرج مئات الآلاف إلى شوارع المدن الأوروبية وهم يهتفون لحريّة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكُردستاني المعتقل في تركيا منذ سنوات، وإن كانت التظاهرة برعاية الحزب الديموقراطي الكُردستاني الّذي يتزعمه الرئيس مسعود البرزاني، لكان الأمر مشابهاً أيضاً، لكن السؤال الأبرز هنا، لماذا لا يخرج الحزبان معاً، يعني أن تكون تظاهرات كتظاهرة كولن مشتركة بين الحزبين المذكورين، فكيف يمكن حزباً يقود إقليماً كُردياً شبه مستقل - هو الأول من نوعه مقارنة ببقية أجزاء كُردستان - وله حلفاء في أميركا وروسيا وتركيا كما هو الحال في إقليم كُردستان العراق، ألّا يتمكن من الوصول إلى اتفاق جذري بينه وبين حزب العمال الكُردستاني؟


وكذلك السؤال ذاته، يجب أن يكون موجّهاً لقادة حزب العمال الكُردستاني أيضاً، فكيف يمكن حزباً كُردستانياً قاد صراعاً طويلاً مع الدولة التركية لسنوات وله حلفاء مشتركون بينه وبين البارزاني ومنهم روسيا وأميركا، ويحارب الإرهاب في الجزء الكُردستاني الملحق بالدولة السورية شمال وشمال شرق البلاد، ألّا يتمكن من الوصول إلى اتفاق جذري أيضاً مع الحزب الديموقراطي الكُردستاني؟
قد يقول أنصار الطرف الأول، وهم موالو الديموقراطي الكُردستاني من كُرد سوريا، إنّ حزب العمال الكُردستاني، كان له تنسيق مباشر وعلاقات وطيدة مع النظام السوري وإيران، ولهذا السبب فإن هذا الحزب ليس كُردياً - كما يريدون تسمّيته - وليس له أهداف قومية، الأمر الّذي يتم تداوله بشكل يومي على شاشات التلفزة وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والجواب عن مثل هذا السؤال، يجب ألا يخلو من أن الزعيم الكُردي عبد الله أوجلان، كان قد وصفَ كُرد سوريا بالشقيق الأصغر الّذي يجب أن يضحي من أجل شقيقه الأكبر، وهو يقصد أن يضحي كُرد سوريا من أجل كُرد تركيا، لأن مساحة كُردستان تركيا هي الأكبر مقارنة بكُردستان سوريا، وبالفعل نجح أوجلان في هذه النظرية، وخصوصاً أن الآلاف من الشبان والشابات الكُرد السوريين فقدوا حياتهم في الصراع المسلح مع الجيش التركي في جبال كُردستان، لكن الحق يُقال إن الكُرد لم يؤمنوا يوماً بهذا التقسيم الّذي فُرِض عليهم نتيجة اتفاقية سايكس وهناك كُرد من مختلف أجزاء كُردستان حاربوا في مناطق مختلفة في هذه الأجزاء قبل عقود، ولعلَّ معركة مدينة كوباني هي الشاهد الأبرز على هذه الوقائع بعد محاولة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" السيطرة على المدينة في منتصف أيلول/ سبتمبر 2014، ويمكننا القول هنا إن مرور قوات بيشمركة إقليم كُردستان العراق من كُردستان تركيا وصولاً إلى كوباني والاستقبال الّذي أبداه كٌرد سوريا وتركيا لهم، كان المسمار الأول في نعش هذه الاتفاقية.


وبالعودة إلى موالي الديموقراطي الكُردستاني، فإن علاقات حزب العمال الكُردستاني كانت علانية مع النظام السوري، وخصوصاً أن زعيم الحزب أوجلان كان يعيش في دمشق قبل أن يغدر به الرئيس السوري السابق حافظ الأسد بالتعاون مع مخابراتٍ دولية، وكان للحزب معسكرات في لبنان أيام وجود الجيش السوري فيه، وكذلك كان للحزب مؤسسات إعلامية في العاصمة اللبنانية بيروت، وليس هناك أي خلاف حول هذه الحقائق، لكن بطبيعة الحال يجب ألا تكون مثل العلاقات بين الأحزاب الكُرديّة وغيرها من حكومات بعض الدول مأخذاً على الأحزاب الكُردستانيّة الأخرى في حال كان هناك توافقٌ ما بين هذين الحزبين.


فالحزب الديموقراطي الكُردستاني، والّذي يعيب أنصاره هذه العلاقة بين العمال الكُردستاني والنظام السوري، كان له تنسيق مباشر مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد مواجهات عسكرية بين الديموقراطي الكُردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قُتل نتيجة ذلك آلاف الكُرد من دون أن تظهر حقيقة تلك المعارك إلى الآن والتي جرت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وعليهِ فإنّ منْ يرى العلاقة الأولى بين العمال الكُردستاني والنظام السوري، عليه أن يرى في الطرف الآخر العلاقة بين الديموقراطي الكُردستاني ونظام صدام حسين. والنظامان ارتكبا أبشع المجازر بحق الكُرد ومنها قصفهم بالأسلحة الكيميائية، ومن يريد أن يندد باتفاقية سايكس بيكو في تظاهراتٍ خجولة عليه أولاً أن يطالب هذين الحزبين بفتح المعبر الحدودي المغلق بين كُردستان العراق وسوريا، الأمر الّذي يهدد سكان تلك المناطق بمجاعةٍ حقيقية لو استمر وضعهم هكذا، فالتظاهرات والمهرجانات الخطابية لن تقدم رغيفاً لطفل جائع في كُردستان سوريا أيها الشعب الّذي يلتقط صور السليفي في تظاهرة كولن!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم