السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٦٩- "أكواريوس" لكليبير فيلو: جوهرة المهرجان!

المصدر: "النهار"
كانّ ٦٩- "أكواريوس" لكليبير فيلو: جوهرة المهرجان!
كانّ ٦٩- "أكواريوس" لكليبير فيلو: جوهرة المهرجان!
A+ A-

البرازيلية صونيا براغا أشعلت عواطف رواد #مهرجان_كانّ (١١ - ٢٢ الجاري) أمس الأول، بعد عرض "أكواريوس" لمواطنها كليبير فيلو، وهي الأقرب حتى هذه اللحظة لجائزة التمثيل النسائية. إحدى أقوى اللحظات في هذه الدورة كانت لحظة الاستقبال الذي ناله الفيلم بعد ١٤٠ دقيقة من مشاهدة باهرة. الممثلة الستينية الفاتنة تضطلع بدور كلارا، صحافية عملت سابقاً في مجال النقد الموسيقي. إنها آخر قاطني مبنى اكواريوس المهجور حالياً والذي شيّد في الاربعينات. شقتها في ذلك المبنى تعني لها الكثير من الذكريات والحنين، إطارهما حياة سابقة لا تشبه حياتها الآن. كلارا صامدة في المبنى، رغم الالحاح الذي يمارس عليها لمغادرته، ذلك أنّ مضارباً عقارياً يريد إخراجها مقابل عرض مغري لا تريد السيدة العنيدة معرفة حتى فحواه. كلارا ترفض، المضارب يصرّ وأمام الرفض المتكرر، يلجأ إلى أساليب غير أرثوذكسية، أساليب تدلّ أحياناً على مخيلة إجرامية. إلى أين يمكن أن يصل خبث الرأسمالية لتحقيق هدفها ومعاقبة كلّ ما يعترض طريقها، هذا ما سنراه في فيلم رقيق تتدفق مشاهده كالنهر المسالم. اللافت أننا أمام رأسمالية لطيفة، ودودة، تتبنى لغة البساطة والشفافية. لكن كلارا سعيدة لمناكفتها. هي التي انتصرت على السرطان، مستعدة لكلّ شيء. ولا تخفي أنّها مستعدة لتهب السرطان لأحدهم عوض أن تصاب به.



الفيلم مقسوم إلى فصول، يبدأ الأول مع كلارا وهي شابة تستمتع بالموسيقى والرقص مع أصحابها على الشاطئ، وتتوالى الفصول وصولاً إلى مرحلة نراها فيها وقد أصبحت جدة ستينية تعيش حياتها كما يحلو لها، وفق أهوائها. بينهما حياة ثالثة تتخللها إصابتها بالسرطان التي تسببت باستئصال ثديها الأيمن. كلّ هذا يبقى خارج الكادر. الانتقال بين مراحل حياتها حادٌّ على غرار حدية وجهها الذي يكتنز بأسرار كثيرة سنفككها شيئاً فشيئاً كلفافة الصوف. نحن في البرازيل على الواجهة البحرية، الأفق المفتوح، الألوان الهادئة، الروحية اللاتينية. ومع ذلك، لا اكزوتيكية ولا مغالاة ولا أي رغبة في لفت النظر. كليبير فيلو في داخله نواة مخرج كبير وطاقة هائلة على الإمساك بخيوط السرد من أماكنه المختلفة.


هذا فيلم سياسيّ تقوده كلارا بلا أي خطاب سياسيّ، كلّ شيء ضمنيٌّ، يلتقطه المتفرج بين الأسطر، تأمّل في حالة دولة عظمى هي البرازيل، عن الذاكرة والمرض والحبّ والوفاء والإخلاص وماذا يعني أن تكون امرأة (من دون سند عاطفي) في متروبول بزمن يشهد على التحوّل. "أكواريوس" مشبع بالموسيقى من أقصاه إلى أقصاه، فيما التقاط المَشاهد لا يقيم وزناً لكل الأصوليات التقنية التي تغرق فيها الأفلام حالياً، لا بل يحتكم إلى منطق جمالي غاية في التعقيد. لا يخشى فيلو الزوم مثلاً أو الحركة البانورامية، ولا أي من اللحظات الغنائية التي تنسينا اننا في فيلم يرافع من أجل قضية معنية. كلّ المحاولات جائزة لعدم منح "أكواريوس" صبغة. واختزاله ببورتريه لامرأة هو أيضاً انتقاص من الهموم الكثيرة التي يحملها فيلو في نصّه البديع. إلا أنّه يجوز ايضاً اعتبار كلارا ملخصاً للمرأة البرازيلية واستقلاليتها التي أتت نتيجة تراكم في التفكير، وهذا الجانب من الفيلم مرسوم بمشهد الاحتفاء بعيد ميلاد جدة كلارا السبعينية التي تخترق ذهنها كفلاش سريع ذكرى مضاجعة أيام كانت شابة يافعة، فيما العائلة مجتمعة من حولها.



لا حنين فارغاً في "أكواريوس"، ولا عند كلارا ذات الرأس الذي يصعب اختراق ما يدور فيه من أفكار، تلك الطلة الستينية التي تلتقط كاميرا فيلو حسيتها وأنوثتها (وهما هنا تأكيد لحضورها العقلي وشخصيتها القوية)، فهي مصممة على المضي حتى آخر الطريق ضدّ التوحش العقاري وهدم الذاكرة وإلغاء الطبقة الوسطى، وكلّ هذه المسائل التي ليست حكراً على البرازيل وحدها. يصعب الدخول في الفيلم (وهذه حالة مشتركة في الكثير من الأعمال في كانّ هذه السنة). إلا أنه بعد نحو ساعة من البداية، ثمة شيء ما يمسكك من الداخل. يكفي الأرشيف الموسيقي التي تحتفظ به كلارا في منزلها لانتشالها من الحاضر من دون أن يعيدها إلى الماضي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم