الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لماذا "بيروت مدينتي"؟

جمال القرى- طبيبة وناشطة
لماذا "بيروت مدينتي"؟
لماذا "بيروت مدينتي"؟
A+ A-

تتبدّى معركة انتخابات بلدية بيروت بلائِحَتَيها المكتملتين، "بيروت للبيارتة" و "بيروت مدينتي"، كما لو أنها جولة جديدة من الحراك المدني الذي طغى في الساحات العامة وفي أروقة السلطة في صيف وخريف العام المنصرم، على خلفية أزمة النفايات، والتي رُحّلت حلولها الى المجهول بعد أن استنفد الحراك كل امكانياته، وبعد استخدام السلطة كل السبل الآيلة الى إسقاطه، ولشرذمته وتفريغه من أهدافه.


إن المعركة الانتخابية هذه بين الفريقين، جرى تحويلها من الشارع الى صناديق اقتراع مجلس جديد لبلدية بيروت، مما يؤكّد أن الصراع مع هذه السلطة، لم ولن يتوقف حتى إحداث خرقٍ يؤدّي الى كسر فعل الهيمنة. لقد تكاتفت كل السلطة السياسية بكافة طوائفها ومذاهبها، وبكل تناقضاتها وعداواتها فيما بينها، في لائحة واحدة لكسر إمكانية إحداث خرقٍ في هذه الانتخابات، يمكن له أن يضعها على مشرحة المحاسبة أولاً، وعلى إيقاف الفساد والرشاوى والمحسوبيات التي تنخر عمل البلدية ثانياً. وهي لذلك، لا تتوانى عن استخدام أشكال من التجريح الشخصي بمرشحي اللائحة المقابلة، كما التشكيك بأهدافهم وبسبل تمويلهم. مع تسجيل خرقٍ هو أقل من متواضع من النائب وليد جنبلاط الذي دعم كلاميّاً اللائحة المواجِهة، من دون سحب مرشّحه من لائحة السلطة، لو كان جادّاً فعلاً في موقفه.
أما في تقديمها لنفسها وتوجهّها الى الناس في مهرجان في بيت الوسط، فكان ملفتٌ أمران:
الأول، هو التسمية "بيروت للبيارتة"، من حيث أنها تحثّ على النعرة المناطقية، وكأنها متوجّهة الى مجموعة من البسطاء البيروتيين الفاغرين أفواههم والمنتظرين ما سيرسم لهم. الثاني، هو الخطاب المتلو باللغة العامية بقصد استدرار عواطف الفئة الدنيا من سكان المدينة، وعلى أساس أن غالبية البيارتة لا يفقهون اللغة الفصحى، وبقصد تبيان تواضع. أما عن مضمون الخطاب، فشر البليّة ما يضحك، إذ إن المرشح الذي يتلوه، غير مقتنع بما جاء فيه، كون تحقيق البنود الواردة تعجز عنه دولة قوية لا ينخرها لا فساد ولا سرقة ولا رشاوى ولا عدم محاسبة ولا...فكيف ببلدية تتقاسمها الأهواء والزعامات، فتبدو عاجزة عن رفع البؤس والهموم عن المدينة إن من ناحية الطرقات والمدارس والساحات العامة والمستشفيات والتسيّب الأمني والمياه والكهرباء والتهجير وبيع المشاعات بأبخس الأثمان لأصحاب الحظوة  وهدم الأبنية التراثية الخ...
على أن الوقوف في وجه اللائحة المعارضة بيروت مدينتي يتعدّى السلطة الى قوى أخرى ترفض لائحة السلطة والمعارضة معاً، تحت شعارات تُستمدّ من الدعايات المغرضة على مرشحي حملة بيروت مدينتي، متوسّلة بذلك سلبية الموقف ما لم يصبّ في توجّهاتها. فرفض هؤلاء للائحة " بيروت للبيارتة"، يأتي عدا عمّا يتردّد عن أنه استمرار لفشل" طويل في إدارة شؤون العاصمة، فهو يعبّر أيضاً عن رفضٍ سياسي للاستئثار بقرار العاصمة في حين أن قوى مُمأسسة فيها، ووازنة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، باتت تطالب بشرعية رؤيتها هي للأمور. وهم  يبررون رفضهم اللائحة الأخرى، بحجة أنهم لا يعرفون عن مرشحيها سوى ما يتداولونه حول علمانيتهم وانفتاحهم الذي هو ربما عنوان لوهمٍ لديهم في عدم الالتزام الاخلاقي بثوابت يتعلقّون بها، مع استطرادٍ حول هذا التبرير لتسويغ الرفض هذا. ولكن في الحقيقة، يكمن هذا في إضعاف الفريقين انطلاقاً من النمط المتزمّت الذي لا يرى في الآخر سوى بعبع سيعمل في حال فوزه على نشر الرذيلة. وهنا يصبح توضيح طبيعة الصراع الحاصل الذي لا يمت للأديان بصلة ولا للإيمان ولا لنشر نمط منفلش من الحياة، بل الى صراعٍ حول محاولة من استأثر بالسلطة أن يكمل استئثاره، وأن حال المدينة البيئي المرعب هو حصيلة ذلك الاستئثار، يصبح ضرورة ملحّة.
أمّا من يرفضون اللائحة لعدم تلبيتها تطلعاتهم وآمالهم في أن تكون لائحة تحت قيادتهم وتؤدي لاحقاً الى الإطاحة بالنظام، فيعمدون الى شرذمة الأصوات التي لن تستفيد منها الا لائحة السلطة، تماماً كما حصل وشرذمت هذه الفئة نفسها الحراك السابق. مع الإشارة الى أن هذه الفئة نفسها إنما تضع أزمة البلد في خانة فريقٍ سلطوي دون الآخر، بمعنى أنها تحابي فريقاً على آخر.
أما على المقلب الآخر، فهناك من يؤيد اللائحة المعارضة مع ولكن، بعد إيراد ملاحظات حول طبيعة تركيبتها النخبوية، والتكنوقراطية " المُأنجأة" ( نسبة الى ال "أن جي أوز")، أو كون أعضائها يتمتعون بثقافة قلّما تعوّد عليها اللبنانيون في أي استحقاق عام، خصوصاً أن مرشحين كثراً عليها هم خريجو الجامعة الأميركية والغرب. ويتناسى هؤلاء، ان هذه الجامعة المرموقة، يمكن اعتبارها في ظروف لبنان الطائفية، خزاناً للتنوع وللعمل المؤسسي الديموقراطي، على خلاف الجامعة الوطنية التي تتناتشها مع كل أسفٍ وأسى، أحزاب الأمر الواقع وتحولها الى مراكز حزبية ودينية. فوجود هؤلاء، هو مصدر غنى، ونقطة قوة للائحة يرفعون من قيمتها الثقافية والاجتماعية.
ويسجّل تأييدٌ لافت لهذه اللائحة من فئات شبابية واسعة، وهي التي ضاقت ذرعاً بالعيش في دائرة الطائفة-الدولة، وقرّرت الذهاب مباشرة باستقلالية نحو علاقة مباشرة بالدولة لا تمرّ عبر الطائفة.
تقتضي الموضوعية تسجيل ملاحظات على لائحة بيروت مدينتي، من ناحية عدم قدرتها على أن تكون فعلاً هي البديل المتكامل لمجلس بلدية مدينة بيروت، الذي هو مجلس السلطة مجتمعة بكل تمثّلاتها الطائفية والمذهبية مع غلبة وهيمنة فيه لتيار السنية السياسية، وهي لن تكون قادرة على ذلك نظراً لارتباط نشاط البلدية بمشاريع وقوانين وتراتبيات تنظيمية لا تستقيم دون إعطاء بدلات عنها وإن في أماكن أخرى لأصحاب السلطات الاقتصادية والأوليغارشية، خصوصاً فيما يتعلّق بالأبنية الأثرية العقارات والأملاك البحرية والأوقاف العامة كما لأوقاف المذاهب والطوائف الخ...ممّا يفتح الباب واسعاً أمام ضرورة استحداث إصلاح في كل المرافق العامة.
إن دعم لائحة "بيروت مدينتي"، هو دعم لاستقلالية الترشّح واستقلالية البرنامج عن البيوتات السياسية التاريخية، وعن الأوليغارشية المستحدثة، وعن التسلّط المفروض بقوة السلاح. هو تسجيل خطوة أولى على طريق رفض الأمر الواقع المكرّس تاريخياً في هذا البلد، وهو تجرّؤ على الوقوف بوجه تحالف السلطة الحاكمة مجتمعة، لفضح ما تقوم به من إغراق للبلد حفاظاً على مكتسبات تنهبها من جيب المواطن، والسعي لفتح باب المحاسبة وتطبيق القوانين وإبطال الفساد الذي بسببهم ربّعوا لبنان على عرش الفساد العربي.
إن الانتخابات البلدية هي بالدرجة الأولى إنمائية، أي أنه يجب على الأهالي أن يعملوا لمصلحة مدينتهم وليس لمصلحة زعمائها السياسيين. ففي السياسة، يستطيعون تفضيل فريق على فريق، أما في الإنماء، فهم مجبرون على الحفاظ على مدينتهم قبل الحفاظ على زعامتها، أي أنه ينبغي إجراء فصلٍ بين السياسة وبين العمل البلدي. كما عليهم أن يعوا بأن التكليف الشرعي" و " زي ما هي"، هما الشكل الواحد لإعادة إطباق السلطتين المغفلتين والمغلفتين بالدين وبالعصبية على رقبة البلد ومنع أي تغيير وإعادة السيطرة بحركة دائرية لا تنتهي. فلتكسر هذه الدائرة عبر رفض "التكليف الشرعي" و "زي ما هي" لمنح فرصة للتغيير. فبيروت محكومة بأنها لجميع الناس، لكل من يساهم في إعلاء شأنها وفي تجميل صورتها لتستحق ان تكون عاصمتنا. فما من أحدٍ يستطيع حكمها، ولا إخضاعها، ولا جعلها على صورته النمطية مهما امتلك من قوة وقدرة وسلاح. فليكن يوم الثامن من أيار عهداً جديداً لبيروت في صناديق الاقتراع، عهد ثقة جديدة نعطيه بداية للمدينة المكلومة والصامتة، ريثما تنضج الظروف لاستكمال الإصلاح...عهد ننتظر أن يبدأ به التغيير، ولندعم لائحة بيروت مدينتي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم