الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

استحقاق عين دارة لن يوقف "جمهورية الكسارات".. بل سيكسر العرف؟

المصدر: "النهار"
منال شعيا
منال شعيا
استحقاق عين دارة لن يوقف "جمهورية الكسارات".. بل سيكسر العرف؟
استحقاق عين دارة لن يوقف "جمهورية الكسارات".. بل سيكسر العرف؟
A+ A-

عين دارة تلك البلدة في قضاء عاليه التي عانت الامرّين في زمن الحرب، والكوارث البيئية في زمن السلم، تستعد لمعركة بلدية بعد اسبوع، تحت عنوان عائلي.
عنوان "كسر العرف" في الظاهر، فيما يخفي في طياته كل الاعيب السياسة واموال الفساد واحتكارات المافيا.
من الكسارات الى المرامل، من معمل للاسمنت لم ينشأ، الى مطالبة، لم تكتمل، بنقل النفايات الى اعالي جبالها. من زفاتة الى معمل باطون الى محرقة دواليب وغيرها الكثير.
كلّها اساليب وممارسات جرّبت في بلدة واحدة هي عين دارة، بعدما بيعت مشاعات البلدة، وخرّب الجبل الاخضر، طمعا بمال وحرصا على استمرار نفوذ، تارة بحكم الوصاية السورية التي فعلت فعلها اعواما في هذه البلدة، وطورا نتيجة ممارسات سياسيين غالبا ما امنّت الغطاء لرجال اعمال او منتفذين لا يزالون حتى اللحظة، ينعمون بدور سياسي ومنصب وحصانة.
كل ذلك في عين دارة. وكل هذه العوامل تستحضر وبقوة، في كل استحقاق انتخابي، فكيف اذا كان بلديا، غالبا ما يشدّ العصب العائلي اولا، والحزبي ثانيا. حتى الان، تبدو المعركة ساخنة بين لائحتين مكتملتين، واحدة ستعلن يوم السبت برئاسة رئيس البلدية الحالي سامي حداد، والثانية سبق واعلنت امس برئاسة العميدين فؤاد هيدموس ومارون بدر، تحت اسم لائحة " الكل عين دارة".
في عين دارة، مزيج من عائلات حداد، بدر، هيدموس، يمين، ابو فيصل، وهبي، عطالله، يحيى وزيتوني. وفي تلك البلدة، 2200 ناخب، ونسيج طائفي متنوّع بين مسيحي ودرزي، وسط هجرة لاعداد شبابية كبيرة. هذا العامل الذي يظهر تأثيره السلبي اكثر عند كل استحقاق او تغيير معادلة، فيشعر البعض بنتائجه الوخيمة.
واذا كان العرف البلدي المعتمد في عين دارة يعطي رئاسة البلدية لعائلة حداد، فان البعض اراد "كسر العرف" هذه المرة، فشكلت اللائحة التي يرأسها العميدين هيدموس وبدر. هذه اللائحة عادت و"استلحقت" نفسها بتغيير الاسم من "كسر العرف" الى لائحة " الكل عين دارة"، محددة برنامجا انتخابيا، شكل "صدمة سلبية" للبعض، لناحية " المطالبة بتنظيم عمل الكسارات"، طالما ان هذه اللائحة هي من وضع نفسها ضد النهج السائد سابقا.
لائحة "الكل عين دارة" اعتبرت ان النهج السابق لا بد ان يتغير، بتغيير الرأس، فكسروا العرف، واختصروا مشكلة النهج بعائلة، فباتت المعركة في وجه رئيس البلدية سامي حداد ونمطه، وضد ان تعاد الرئاسة لعائلة حداد ايضا، الا ان اللائحة لم تبتعد كليا عن عائلة حداد، بل عادت وضمّت ضمن اعضائها، عضوين من العائلة.
العميد فؤاد هيدموس يقرأ المعادلة الانتخابية، ويقول لـ"النهار": "معركتنا ضد الفاسدين، وضد اهدار الاموال تحت غطاء احترام العرف. حاولنا اولا مع عائلة حداد، منعا لكسر العرف، بهدف الخروج من هذه الدوامة السابقة، لاننا نعي ان العائلة كلها لا تتحمل سوء البعض، الا اننا فشلنا، ولم يبق امامنا سوى كسر العرف، فكانت لائحتنا".
تحت عنوان "شفافية - إلتزام – إنتاجية"، اعلنت لائحة " الكل عين دارة" برنامجها، واعتبرت ان هذه اللائحة "تضم ممثلين عن مختلف عائلات عين دارة وأطيافها، وتعتمد سياسة اليد الممدودة إلى أهالينا بشبابها وشيبها من دون تمييز أو تفرقة أو فئوية، وتنظر نظرة أخوّة ومحبّة وتكامل الى الجميع لما فيه خير بلدتنا ومصلحة أهلها وناسها".
في برنامج اللائحة، عناوين كثيرة من "انشاء المقاهي والحدائق العامة والملاعب الرياضيّة، الى تطوير الخدمات الصحيّة، وصولا الى تفعيل المستوصف الصحيّ وتأمين سيارة لتيسير الخدمة الصحيّة والإستشفائيّة للمرضى والمسنين، ودعم المزارعين وتشجيع الزراعات البديلة واعتماد سياسة الإنماء المتوازن، وتأمين مياه الشفّة للبلدة من الآبار الجوفيّة المستحدثة في منطقة وادي الجوز بشكل دائم، وتنظيم عمل المولّدات الكهربائيّة".
انما اكثر ما فاجأ عدد من اهالي عين دارة ما ضمنه البرنامج " من تنظيم لعمل الكسارات العاملة في خراج البلدة"، بحيث طالب البرنامج بأن "تلتزم المعايير البيئيّة الصحيحة، وان تحدّ من الإنبعاثات والتلوّث الصادر عنها وسلبيّاته على البيئة والمياه الجوفيّة والمحاصيل الزراعيّة، مع اعطاء الأفضليّة والأولويّة لأبناء بلدة عين دارة الراغبين في العمل في هذه الكسارات، على اليد العاملة اللبنانيّة أو الأجنبيّة".
هذا الامر يعني " تشريع للجريمة" بدل مكافحتها. واذا كانت هذه اللائحة تحارب النهج السابق، والذي يمكن تلخيص عنوانه الكبير " بالجرم البيئي"، فهل بهذا التنظيم يستبدل النهج الماضي بنهج جديد؟
يعلّق هيدموس ان " الاخرين واجهونا بنقطة الكسارات، وقالوا لاهالي عين دارة اننا اتين لوقف الكسارات وابعاد الاموال من دربهم. لذلك، درسنا الامر جيدا، وقلنا اننا لن نقفل الكسارات بل سننظمها. اولا، لاننا نعجز عن اقفالها. وثانيا، لان الموضوع اكبر منا، وثالثا، علينا ان ننطم هذا القطاع حتى تعود الاموال الى البلدية، لا الى جيوب البعض، والاهم اننا سنوقف التعدي على المشاعات كما كان يحصل سابقا، وسنعمد الى اعادة التشجير. فاذا كانت عين دارة ستستفيد انمائيا من الكسارات على هذا النحو، فنحن معها".
في المقابل، لا يزال رئيس البلدية الحالي سامي حداد مستمرا في ترشيحه. يقول لـ"النهار": " عين دارة اعتادت المعارك الديموقراطية، فالتزكية او التوافق يدل احيانا على ان هناك ضغوطا خارجية، واهل عين دارة اعتادوا المعارك الحرة. باختصار "حلوه" المعركة".
انما هذه المرة، اضيف عنصر جديد الى المعركة، وهو " كسر العرف"، والذي يرى فيه حداد، انه " تحد للعرف القائم، وهذه الطريقة ليست بنزيهة. التغيير حق للجميع وممكن، انما ليس بالوسيلة التي اعتمدت، اذ لا يجوز اقصاء عائلة حداد على هذا النحو".
وحين تسأله ان عائلة حداد ممثلة في اللائحة المقابلة، يجيب: " صحيح. انما الطريقة التي خيضت من اجلها المعركة غير مقبولة".
واذ يلفت حداد الى ان " الاحزاب لا تتدخل في هذه المعركة، بل ان لها طابعا عائليا بامتياز"، يعتبر ان يوم 15 ايار ستقول عين دارة كلمتها، لا سيما ان "لائحة الكل عين دارة" لا تنطبق على اسمها، لان ليس كل عائلات البلدة ممثلة فيها بالشكل السليم.
وهنا، ربما الخطأ لا يقع فقط على اللائحة، اذ ان البعض عجز عن الخروج من النمط السابق الذي اغرق البلدة لاعوام واعوام. باختصار، لانه مستفيد!. هكذا ربما باءت كل المحاولات الاخرى بالفشل، وبقي المرشح المهندس نضال حداد وحيدا ومنفردا، لانه سعى، مع اخرين بقوا قلّة ايضا، الى تظهير برنامج بيئي، قد يكون جديدا، لا بل جذريا في بلدة، مثل عين دارة.
يخبر نضال حداد لـ"النهار" القصة الطويلة من التفاهم الاولي، وصولا الى "الانقلاب على الاتفاق".
يقول لـ"النهار": " وجود سامي حداد في البلدية ادّى الى كسر العرف، وولاية الرئيس السابق فؤاد حداد ايضا لم تكن ناجحة، بلسانه، وهو الذي لم يكملّ الولاية. كل ذلك، ساهم ربما في المطالبة بكسر العرف، لا سيما ان سامي حداد لم ينجح خلال 15 عاما في انماء عين دارة، بل انتج خللا بيئيا كبيرا، الامر الذي اثرّ سلبا على البلدة وابنائها".
القصة تبدأ من بدايات التحضير للانتخابات حين اجتمعت عائلة حداد، ورشحت ريمون حداد رئيسا، وايلي ونضال حداد عضوين، واتفق على السير رسميا بهذه الاسماء الممثلة لعائلة حداد.
كانت المفاجأة، ان اعلن سامي، خلال الاجتماع، عدم ترشحه للانتخابات البلدية. عندها، نال تصفيقا من جميع الاعضاء، حتى من الذين لم يصفقوا له يوما!. سار الجميع على هذا الاساس. انما بعد اقل من يومين على الاجتماع، انقلب البعض. بقي القسم القليل المسيطر على عائلة حداد يصرّ على السير بسامي حداد وبفؤاد حداد. هذان الاسمان اللذان سبق وجرّبا في ولايات سابقة، لاقت الكثير من الاعتراضات والملاحظات.
ومذذاك، بدأ سامي حداد بتشكيل اللائحة، وسط اتفاق على تقسيم الولاية 3 سنين له و3 سنين لفؤاد، ووسط شدّ لائحة "كسر العرف" لناخبيها، فكادت ان تنحصر المعركة هنا.
يعلّق نضال: " المعركة واضحة وهم انهم لا يريدون تغيير النمط، لانهم مستفيدون، على الرغم من اننا لا نزال المرشحين الشرعيين للعائلة، فيما هم لعبوها تحت الطاولة".
حتى الان، رئيس البلدية لا يزال في مكانه منذ 15 عاما، على الرغم من انه سبق واعلن انه لن يترشح وانه سيبتعد هذه المرة لمصلحة وجوه جديدة من عائلة حداد، لكنه بقي، وربما تحت اصرار اخرين مستفيدين. هو يرفض الغوص كثيرا في برنامجه الانتخابي المستقبلي، ويكتفي بالقول: " يوم السبت سيعلن البرنامج للجميع مع اعلان لائحتنا المكتملة"، ويتابع ضاحكا: " مع فائض ايضا"، مشيرا الى انه قدّم الكثير من اجل البلدة وسيستمر في هذا النهج.
تحت هذا العنوان الفضفاض، ينتهي كلام حداد لتبقى الامثلة صارخة. هناك في اعالي الجبال. الصحراء تكاد تحلّ مكان الاشجار. مافيات الرمول تكاد تقضي على كل معلم طبيعي، في منطقة يمكن ان تشكل اهم مصيف وابرز موطىء قدم في الشتاء.
اليوم، تكاد البلديات تكشف كل المستور في المجتمع اللبناني الذي بات في بعض طياته، ممزقا بين متورط ومستفيد من جهة، ورافض ومتفرّج من جهة اخرى.
انه الاستحقاق الذي يكاد يكون الاستحقاق الشرعي الوحيد بعد اعوام طويلة من التمديد واللانتخاب، انما ويا للاسف فانه سقط في اكثر من بلدة، على الرغم من انه اول اختبار لمدى صدق الناس اولا في العيش بمستقبل افضل، بدل الاستمرار في الماضي نفسه والنهج ذاته، وليست عين دارة سوى تفصيل صغير في سلسلة متكاملة. هي ربما تكون قد نجحت في كسر عرف عائلي، لكنها فشلت حتما في مواجهة "جمهورية الكسارات والمرامل" التي تنهش اجسامنا بالامراض وتقتل انفاس اولادنا.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم