السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هادي العبدالله: مراسل بين الجثث وثّق حكايا الموت... حلم أهله أن يتزوج لتبقى لهم ذكرى

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
هادي العبدالله: مراسل بين الجثث وثّق حكايا الموت... حلم أهله أن يتزوج لتبقى لهم ذكرى
هادي العبدالله: مراسل بين الجثث وثّق حكايا الموت... حلم أهله أن يتزوج لتبقى لهم ذكرى
A+ A-

الأرجح ان تجربة الناشط هادي العبدالله المستمرة منذ بداية ثورة قسمٍ كبيرٍ من السوريين على النظام، ستكون مادة أساسية في دراسة نمط النشاط الاعلامي الناقل للأحداث من الميدان السوري.


 


[[video source=youtube id=w2MlGHMOu0A]]


 


تجربة من جملة ما سمحَ بتكثيفها العناية الالهية التي جعلت العبد الله ينجو من الموت مراراً، فلم يلاقِ مصير غيره من النشطاء. ولتكن الأمور واضحة ان نقاش هذا النشاط لن يستند يوماً الى معايير الاعلام التقليدية، وأي تعاطٍ معه من خارج خدمة العمل السياسي الدعائي و"المبدئي" يجافي الواقع.


العبدالله كان أبرز ناقلي المشهد الحلبي الدموي الأخير، وهو دأب على التنقل بين المناطق السورية الساخنة ونقل صورة المعارك من خطوط التماس، ونجا من الاستهداف في أكثر من لقطة موثقة، وخسر صديقه الذي رافقه ثلاث سنوات على الدرب نفسه.
يحظى هادي بشهرة بين جمهور المعارضة ويتمتع بقبول لدى أغلب الفصائل المقاتلة، باستثناء تنظيم "داعش" الذي يخبرنا هادي انه يرسل التهديدات له بوصفه "كافراً" او ان اراءه تتماشى مع "صحوات" المعارضة. هادي يقول ان "داعش" ارسل بتهديدات مؤخراً لعائلته ايضاً.


اما "جبهة النصرة" فتبدو العلاقة معها متذبذبة، "في الشمال التعامل معهم صعب على عكس القلمون"، اعتقلته وصديقه الناشط رائد فارس مرة، وفي أخرى شارك مع عدد من ناشطين اعلاميين في لقاء زعيمها ابو محمد الجولاني، كما غطى معاركها مع الجيش السوري و"حزب الله" في القلمون، لكنه يقول ان العلاقة معها تبدلت كثيراً بعد الاعتقال. لا يصف نفسه عقائدياً لا بالعلماني ولا الاسلامي، "انا ثوري الفكر وكفى".


فيديو حي البستان
الحديث مع هادي كانت مناسبته تقييم العمل الاعلامي المعارض المرافق لمجازر #حلب، والتطرق الى جوانب انسانية في تجربته فرضه التفاعل الكبير مع فيديو صنعه وثّق لحظة قصف حي بستان القصر في حلب من قبل طائرات النظام.
في الفيديو، نشاهد الطائرات تستعد لالقاء البراميل او الصواريخ، لا يمكن التحقق، في ما بعض المدنيين يحاولون الاختباء في المكان الذي يتعذر ايجاد مكان آمن فيه. في المشاهد، يتلو هادي والمصور شهادة الموت مرات، الى ان يقصف الحي، فيتوجهان لتصوير الهدف وما حصدته الضربة من ضحايا. لحظة مكثفة بالتأكيد تحتاج مخيّلات مخرجين كبار لصنعها بدقة. مشاهد قوية تمرس ناقلها في التغلب على الخوف وفي نقل ما يؤثر من المشهد.


الحملة الاعلامية
تجد الشاب ابن الـ٢٩ عاماً يفاخر بـ"نجاح الحملة الاعلامية المعارضة الأخيرة وقدرتها على تكريس التعاطف الشعبي والتعبئة وفضح النظام واحراجه أمام داعميه وكبح استمرار المجزرة".
يستعيد لحظة الموت التي اقتربت منه في بستان القصر قائلاً "لم أعد أخشى شيئاً، فخلال خمس سنوات جرى استهدافي عشرات المرات واقترب مني الموت مراراً، أسير في عهد قطعته بأن أكري نفسي للثورة".


لعبت الكاميرا دوراً بارزاً في التعبئة بعد مجازر حلب الأخيرة التي راح ضحيتها عددٌ من الأطفال، وكان استهداف مستشفى القدس محطتها الأعنف والأقسى في الدلالات.
نحو ٢٠٠ مدني سقطوا في مدى اسبوعين حلبيين دمويين، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، الجهة التي تنقل عنها وكالات عالمية اخبار الميدان السوري مع تعذر ارسال طواقم اعلامية تعمل بأريحية في مناطق النزاع بين النظام والمعارضة.


في الواقع، هذه المرة قصْف مستشفى واستهداف الطاقم الطبي والمرضى ومشاهد الأطفال الضحايا او المذعورين بعد انتشالهم من تحت ركام، لم تدع متسعاً كبيراً للدعاية المضادة. الموت كان واضحاً وأمراً واقعاً، وبدت محاولة التنصل منه ضعيفة ضمن صفوف الموالين أنفسهم الذين كانوا يذكرون بخروقات فصائل في المعارضة المسلحة ويتهمونها باستهداف مناطق سكنية تحت سيطرة النظام بالغازات، او يتناولون استخدام بعض الجمهور المنفعل والناشطين غير المحترفين صوراً لمجازر سابقة.
الكاميرا الحاضرة كان لها الكلمة الفصل والانترنت السريع ساهم بتحميل الفيديوات الى متن مواقع التواصل الاجتماعي لتنتشر حول العالم. الفيديو الذي صوّر اللحظات الأخيرة في حياة الطبيب محمد معاذ داخل المستشفى كان لحظة ذروة في التعبئة التي رفعت الصوت العابر للحدود ضد الموت الحلبي، وحفز حصول تظاهرات متضامنة في الساحة الافتراضية، وعلى الأرض في عدد من الدول.


بالنسبة لـ"العبدلله"، المطلوب "تكثيف الحملة الاعلامية حماية للمدنيين في اي معارك مقبلة"، وهو ينفي ان يكون المقاتلون قد اتخذوا المدنيين "دروعا بشرية... فمن بقي هذه ارادته بالصمود وهو يعلم انه اذا خرج من حلب قد لا يعود".


العيش بين الجثث


مشاهد الأحياء المدمرة والقطط الشاردة والمدنيين الناجين المغطين بتراب الركام والحطام تصنع يوتوبيا سورية تجعل من العيش بين الجثث كأساً يومياً معتادة، هناك من يرحلون كل يوم وعلى الآخرين احصاء من بقيَ. وليست اعادة الاعمار وحدها ما يفكر بها المرء الراصد للمشهد اذا ما انتهى هذا الصراع يوماً. الحقد والرغبة في الثأر وترسخ فكرة قبول الموت أكثر لكي لا تذهب دماء من رحلوا هدراً، ثوابت حاضرة في تركيبة الشخصية السورية التي فُرضت عليها الجلجلة، "أعرف اني انتظر الاستشهاد لكن كيف أدع دماء أعز الناس الذين رحلوا تذهب سدى"، يكرر هادي.


العائلة
الناشط الشاب واحد من السوريين الذين تغيّرت حياتهم بشكل جذري بعد الحرب، يتحدث عن عائلته اللاجئة بعاطفة كبيرة "احزن عليهم كثيراً لأن اقصى أمنياتهم أصبح ان اتزوّج واترك لهم ولداً يذكرهم بي في حال استشهدت".
ومسألة الحب والزواج قد لا تكون سهلة تماماً بالنسبة للمراسل المتنقل بين حقول الألغام. وما عاشه من اختبارات شخصية مؤخراً حسم أولوية نشاطه الحالي على اي مشروع أو عشق آخر، كما يخبرنا مفضلاً عدم الغوص في التفاصيل.
منذ خمسة أشهر، "اعتقلت مخابرات الجيش اللبناني والد العبدلله في عرسال حيث يقيم مع عائلته اللاجئة، وسألته عن نشاط ابنه وما يربطه بداعش، بقيَ قيد الاعتقال ١١ يوماً، انتقلت بعدها العائلة الى تركيا"، وفق رواية هادي.


من التمريض الى الاعلام
ابن القصير في حمص درسَ التمريض وعمل معيداً في الجامعة لبضعة أشهر، قبل ان يبدأ نشاطه مستخدماً معرفته التمريضية في المستشفيات الميدانية لكنه سرعان ما انتقل الى العمل الاعلامي الذي نشط فيه عدد كبير من الشباب المعارض. كانوا يوثقون التظاهرات والأحداث بهواتفهم ويقومون بتنزيلها على صفحات خاصة بمواقع التواصل، وتحولوا مصدر المعلومة لكثير من المحطات التلفزيونية، لاسيما العربية المعارضة للنظام السوري. وبالتأكيد، كان هذا النوع من الاعلام حقلاً من الالغام حيث شابه التضخيم وعدم الدقة في أحيان كثيرة، ويجد هادي ان"إعلام الثورة أصاب في أماكن وأخطأ في أخرى، فهو أصاب عندما استطاع رغم ضعف امكانيات القائمين عليه أن يتحدى ماكينات اعلامية كبيرة لنظام الأسد وحلفائه، وأخطأ عندما لم يخاطب الجمهور الغربي مثلا كما ينبغي أو عندما كان يعتمد على بعض المبالغات التي أضرت الثورة ".


"هم في وادٍ والثورة هنا"


حاورَ او استنطقَ هادي معتقلين من ميليشيات عراقية وقوات موالية للأسد وقعوا في الأسر، وحاور في إحدى المرات جنوداً من النظام كانوا تحت الأنقاض بعد قصفهم من الفصائل المعارضة المسلحة. وتعرض العبدالله لانتقادات رأت في ما قام به اساءة "لأخلاق الثورة"، ولم يخرج رده عما يقوله رجل الشارع في الجانب المعارض من ان "هؤلاء الجنود قتلة قصفوا وأبادوا أهلنا"، ومن هنا تحديداً يقرّ ان عمله ليس اعلامياً بحتاً بل ان الانفعال في صلبه.


وهو تلقى عروض عمل من محطات عربية كبرى "دفعوا كثيراً" لكنه آثر البقاء "مستقلاً" لأسباب بينها هامش الحرية ووجود مراسلين لتلك المحطات في #سوريا، كما يقول.


لكن كيف يعيش ومن يدفع له لتأمين مستلزمات التنقل وعدة العمل؟ يجيب"مع بقائي مستقلاً، عرضت عليّ الكثير من الجهات ان تساعدني للاستمرار في عملي لكن للأسف الكثير من تلك الجهات كانت تطلب بشكل مبطن أن أنفذ أجنداتها أثناء عملي وهو السبب الذي جعلني أرفض كل العروض رغم سوء أحوالي المادية وتراكم الديون في كثير من الأحيان عليّ وعلى أهلي"، مؤكداً ان "الائتلاف ومن لفّ لفيفه لم يساعدني بشيء... هم في وادٍ والثورة هنا على الأرض".
رغم ذلك الحياة اليومية تحتاج الى مصاريف؟ "لدّي أصدقاء يساعدونني وأهلي من وقت لآخر".


أقسى اللحظات التي عاشها كانت اصابة صديقه طراد الزهوري بشظية "استشهاده كسر ظهري ودفعني الى اليأس لفترة، كان المصور وكنت المراسل لمدة ثلاث سنوات متواصلة، عاهدته ألا يستشهد قبلي...من أجله وكثيرين غيره سقطوا لا يمكنني التوقف عما أقوم به". هل قتلَ الخوف من الموت؟ "تساعدني فكرة ان روحي ليستْ أغلى من أرواح المساكين الذين يسقطون يومياً...وتقلقني فكرة ألا يبقى من يخبر عن موتنا".


 


[email protected]


@Dianaskaini


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم