الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

اليوم العالمي لحرية الصحافة... "إحنا صحافة مش إرهاب"

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
اليوم العالمي لحرية الصحافة... "إحنا صحافة مش إرهاب"
اليوم العالمي لحرية الصحافة... "إحنا صحافة مش إرهاب"
A+ A-

إنه الثالث من أيار، اليوم العالمي لحرية الصحافة. في هذه البقعة من الأرض حيث تكفي تغريدة لدخول السجن، ويسهل زج الصحافيين في السجن بذرائع واهية أو حتى من دونها، يبدو مجرد التذكير بتلك المناسبة التي ترعاها الأمم المتحدة نكتة تُبكي بدل الإضحاك.
في لبنان يوم لشهداء الصحافة اللبنانية يلي اليوم العالمي لحرية الصحافة بثلاثة أيام. كان مخصصاً للشهداء، شهداء المشانق العثمانية. وحين حولت الحرب الأهلية مئات آلاف اللبنانيين شهداء، فَقَدَت المناسبة رمزيتها وسقطت من جدول المناسبات والأعياد الموزعة بالتساوي بين الطوائف، كما كل شيء في هذا الوطن. حينها صار السادس من أيار مخصصاً لشهداء الصحافة اللبنانية. فالمهنة تُمارس باللحم الحي والدم والاغتيال هنا، واللائحة تطول من نسيب المتني إلى كامل مروة، وسليم اللوزي ورياض طه، إلى سمير قصير وجبران تويني.
وحين نذكر هؤلاء، لا بد أن نضيف إليهم نصري عكاوي. صحيح أنه لم يمت قتلاً، لكنه شهيد مثلهم. استشهده الإهمال وتغييب الحقوق وذوبان الضمانات، فقضى انتحاراً. ومعظم الصحافيين اليوم يضعون مصيره نصب أعينهم وهم يواجهون المجهول في ممارسة مهنتهم.
في مصر حيث ساهم اللبنانيون في قيام #الصحافة في بلاد النيل، ليس الزملاء أفضل حالاً. ذلك أنه للمرة الأولى منذ إنشاء نقابة الصحفيين عام 1941، وهي بالمناسبة هيئة واحدة لأصحاب الصحف ورؤساء التحرير والمحررين وليس اثنتين كما عندنا، اقتحم 50 من رجال الشرطة المقر الأحد لتوقيف صحافيين احتميا في حرمه هما عمرو بدر، رئيس تحرير "بوابة يناير" الالكتروني، ومحمود السقا الكاتب في الموقع.
في عيد العمل، والصحافيون هم أيضاً عمال كادحون، اقتيد بدر والسقا كالمجرمين. هما كانا قررا الاعتصام في مقر النقابة في شارع عبدالخالق ثروت بوسط القاهرة احتجاجاً على دهم منزليهما بعد إصدار نيابة أمن الدولة العليا قراراً بتوقيفهما بتهمة "التحريض على التظاهر" في 25 نيسان على خلفية الجدل الذي أثاره اتفاق ترسيم الحدود البحرية المصرية-السعودية ومصير جزيرتي تيران وصنافير.
وطالب نقيب الصحافيين المصريين يحيى قلاش بإقالة وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، داعياً إلى جمعية عمومية غداً الأربعاء. وذهب 30 صحافياً في بيان مشترك إلى تحميل الرئيس المشير عبدالفتاح السيسي المسؤولية عما سموه "الأحد الأسود" و"الاعتداء الغاشم على حرية الصحافة لإيقافها عن الاضطلاع بدورها في فضح جرائم النظام من قتل واعتقال وتعذيب". وهذه للتذكير، هي نفسها الممارسات التي قامت ثورة "25 يناير" 2011 للتنديد بها والتصدي لها.
وردَ مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات العامة أبو بكر عبدالكريم أن بدر والسقا ليسا عضوين في النقابة حتى تسمح لهما بالاعتصام في داخلها. هكذا، إذاً، كان عليها أن توصد أبوابها في وجه صحافيين أعزلين يُطاردان كأنهما من عُتاة الإرهابيين!
وتحول مقر النقابة محجة للصحافيين. ففي مواجهة الطوق الأمني الذي يحاصر المبنى، اعتصم العشرات في داخله وعند أدراجه دفاعاً عن زميليهما ورفضاً لتهديدات النيابة العامة بملاحقة مجدي عبدالغفار وأعضاء النقابة. شبح التوقيف اتسع ليهدد العشرات بعدما قررت نيابة شبرا الخمية سجن بدر والسقا أسبوعين على ذمة التحقيق في "قلب نظام الحكم وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة"!
اليوم، في اليوم العالمي لحرية الصحافة، هتف الصحافيون المصريون بحناجر بُحت من الترداد بتصميم وثبات، "إحنا صحافة مش إرهاب". وقرروا تنكيس علم النقابة ورفع رايات الحداد السود احتجاجاً على انتهاكات وزارة الداخلية.
ورأى عضو مجلس النقابة محمد عبدالقدوس الذي كان مُنع يوم تظاهرات 25 نيسان من دخول المقر، أن اقتحام النقابة واقتياد زميلين كالمجرمين، "إجراء طبيعي وليس استثنائياً في ظل الدولة البوليسية التي تحكم مصر وتزايد أعداد الصحافيين في السجون".
هي دولة بوليسية حقاً. صار وضعُ رواية فيها يقود إلى التوقيف، والنشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالسير وسط الألغام. والعمل في جمعيات غير حكومية ينتهي وراء القضبان، والأمثلة كثيرة من "بلادي... جزيرة الإنسانية" إلى "نظرة". كلهم يهددون النظام، آية حجازي وزوجها محمد حسنين لمحاولتهما إنقاذ أطفال الشوارع من الفقر والاستغلال، ومُزن حسن لعملها في منظمة "نظرة" للدراسات النسوية. هل النظام بهذه الهشاشة ليرى في الشبان والشابات، في الناشطين والناشطات، تهديداً لوجوده!
وبحسب المرصد المصري للحقوق والحريات أن تسعة صحافيين أو إعلاميين قتلوا في ميدان التحرير منذ "25 يناير" وأصيب 60 بجروح. وحوكم ستة أمام القضاء العسكري ولا يزال 67 على الأقل قيد التوقيف، منهم ستة يواجهون عقوبة السجن مدى الحياة. نعم، المؤبد لصحافي بينما يتوالى حصول رموز نظام حسني مبارك على الأحكام المخففة والبراءة السياسية!
صحيح أن العهود المصرية السابقة لم تكن واحة للحريات، لكن ما تشهده مصر حالياً لا سابق له. من الناصرية إلى الساداتية والمباركية، اتخذ التضييق على الصحافيين أشكالاً عدة، لكنه لم يذهب إلى حد اقتحام نقابة الصحفيين، ذات الرمزية التاريخية، ولا إلى وضع كل صاحب رأي مغاير في خانة الإرهابي الواجب إسكاتُه.
والمؤسف أن الانشطار الأفقي في المجتمع المصري يعلو عمودياً، إذ رأى كثيرون من مناهضي السيسي وأنصار "الإخوان المسلمين"، أن نقابة الصحفيين تدفع ثمن وقوفها في صف إطاحة "الرئيس المنتخب الأول" محمد مرسي، وأن "الانقلاب بدأ يأكل أبناءه". ذاك الانشطار يكاد يفوق حروبنا الصغيرة هنا بين "8" و"14" وصراعنا على كل الرايات والألوان، ومعه يذوي مفهوم الوطن وتحتضر الحرية.
من بيروت إلى القاهرة، كل التضامن مع الزملاء داخل السجون وخارجها، "إحنا صحافة مش إرهاب".
[email protected]
twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم