الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"عمري 11 سنة أعمل 6 أيام أسبوعياً مقابل 30 ألف ليرة"... كيف تكافَح هذه الظاهرة؟

المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
أسرار شبارو
"عمري 11 سنة أعمل 6 أيام أسبوعياً مقابل 30 ألف ليرة"... كيف تكافَح هذه الظاهرة؟
"عمري 11 سنة أعمل 6 أيام أسبوعياً مقابل 30 ألف ليرة"... كيف تكافَح هذه الظاهرة؟
A+ A-

ممدداً على الأرض، حاملاً هموماً كحمل الجبال، يحاول إصلاح عطل في عالم كله خراب، أحد عشر عاماً قضاها على الأرض كانت كافية لتلقينه دروساً تفوق عمره الصغير، هو واحد من آلاف قسى عليهم الدهر فآلمهم حتى عجز صوتهم عن الصراخ، ذنبه الوحيد أنه لاجئ، هو عمر الذي روى بعينيه قصة عنوانها الصمود والكبرياء.
عاش الحرب السورية خمس سنوات قبل أن يتمكن وعائلته من الهرب من ريف حلب الى لبنان، شاهدَ الموت بعينيه حتى حط قدميه قبل شهر في بلاد الأرز، كان يعتقد أن بعد كل ذلك العناء سيعيش بأمان، لكن، ويا للأسف، ما زال طفلاً لا يدرك أنه في زمن ليس للفقراء فيه نصيب من الراحة والهناء وأن عليهم العمل لساعات لتأمين فتات يومهم من الخبز لا من السمك والكافيار.


مجبر لا بطل
في الطريق الجديدة في بيروت يعمل عمر في كهرباء وميكانيك السيارات، ست أيام في الاسبوع مقابل 30 الف ليرة لبنانية، أي أقل من مئة دولار شهرياً. حُرم من الدراسة والثياب النظيفة واللعب على "البليستايشن" والكمبيوتر، لأنه ولد في عائلة فقيرة وعليه المساعدة في تأمين لقمة عيش أشقائه الستة، كيف لا وهو كبيرهم الذي عليه أن يتحمل ما جناه والده عليهم من فقر وعوز. يقول لـ"النهار" بخجل "ليس في اليد حيلة وكما يقول المثل مجبر لا بطل، والدي يعمل سائق سيارة أجرة، ما يجنيه لا يكفي ايجار المنزل الذي نسكنه في شارع الجزار، لذلك طلب مني العمل".
أقصى أحلام عمر أن يحمل حقيبة مدرسية ويتوجه كغيره من الاطفال الى المدرسة، لكن كي يوجعه الزمن أكثر كتب له أن يكون مكان عمله في شارع يضم أربع مدارس، "أراقب التلاميذ بغصة وكل حلمي أن أكون زميلاً لهم، أن أرتدي زياً مثلهم وأمسك قلماً بيد نظيفة لا ملوثة بزيوت السيارات".


بين العمل والعمالة
قصة عمر باتت مستهلكة، فمشهد عمل الاطفال ليس غريباً عن كل شارع في لبنان، وقد أوقدت الحرب السورية أعدادهم حتى وصل الرقم الى الآلوف، فأين وزارة العمل ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مما يتعرض له الاطفال؟ عن ذلك أجابت رئيسة وحدة مكافحة عمل الاطفال في وزارة العمل نزهة شليطا قائلةً "في البداية يجب تصحيح المفهوم، نحن لا نقول عمالة، المصطلح المنطقي هو عمل الاطفال، وهو كل عمل استغلالي يتم بأجر أو من دون أجر داخل الأسرة أو خارجها ويؤدي إلى فقدان العناصر الضرورية لنمو الطفل العقلي والجسدي والنفسي، ويشمل الأعمال الخطرة وأسوأ أشكال عمل الاطفال. أما العمالة فلها معنيان، أولاً عندما يستخدم الطفل ضمن السن القانونية بأعمال خفيفة في بيئة عمل وظروف تتوافر فيها الشروط، أما معناها الثاني فسياسي".


 


"فقر" الاحصاءات
ليس ثمة إحصاءات دقيقة لعدد الاطفال العاملين، وقالت شليطا " قبل النزوح السوري كان العدد يقدر بنحو مئة الف طفل عامل من مختلف الجنسيات، لكن النسبة تضاعفت بسبب النزوح السوري، اذ ان معظم الأطفال السوريين من عمر 5 سنوات الى 17 هم عاملون". ولفتت إلى انه "منذ عامين طلبنا من ادارة الاحصاء المدني اعداد احصاء وطني شامل عن وضع الأطفال العاملين في لبنان بحسب الجنسية والجنس والعمر ونوع العمل وتوزيعهم الجغرافي، الدراسة شارفت على النتهاء وممكن صدور النتائج منتصف شهر ايار".
" وضع اللاجئين يزداد سوءاً سنة بعد أخرى واستضعافهم كذلك، فسبعون في المئة منهم يعيشون دون خط الفقر، لذلك يجبرون على الاتكال على اولادهم" بحسب المتحدثة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد التي أضافت في اتصال مع "النهار":" لا توجد احصاءات دقيقة لعدد الاطفال العاملين من اللاجئين، لكن كما نعلم فإن اكثر من 80 في المئة من اللاجئين هم من النساء والأطفال، خمسون في المئة منهم أطفال، أكثر من نصفهم غير مسجلين في المدارس الرسمية والسبب الرئيسي اضطرارهم للعمل".



"مكافحة" قانونية
الفقر يدفع عائلات اللاجئين بحسب أبو خالد " إلى اللجوء الى استراتيجيات للتأقلم مع وضعهم، كأن يحرموا أولادهم من الدراسة من أجل العمل، أو الزامهم على العمل بعد دوام المدرسة، ونحن كمفوضية لا نستطيع منع الأهل من ارسال اولادهم إلى العمل، لكن ما باستطاعتنا القيام به عندما نعلم عن وجود أطفال يعملون في ظروف تعرضهم للخطر، نقوم وضع العائلة لمساعدتها كي لا تضطر الى ارسال ابنائها الى أعمال كهذه، كما نقوم مع شركائنا بنشاطات للأطفال العاملين في الشوارع ونؤمن رعاية نفسية لهم في مراكز خاصة".


تعديل تشريعات


وزارة العمل تكافح هذه الظاهرة منذ سنوات، بدءاً من تعديل التشريعات المتعلقة بعمل الاطفال والتي هي من ضمن قانون العمل اللبناني، وشرحت شاليطا عن هذا الأمر "بدأ التصدي لمشكلة عمل الاطفال في لبنان عبر اول مذكرة تفاهم بين الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة العمل، ومنظمة العمل الدولية – البرنامج الدولي للقضاء على عمل الاطفال في عام 2000، وسرعان ما صادقت الحكومة اللبنانية على اتفاقية العمل الدولية رقم 182 (تحظير أسوأ أشكال عمل الأطفال) في عام 2001 "كالعمل ارتهاناً لدين او الاستعباد او الممارسات المشابهة له، او انتاج المخدرات والاتجار بها او أعمال أخرى من شأنها أن تضر بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الاخلاقي ". والاتفاقية رقم 138 (الحد الأدنى لسن الاستخدام) في عام 2003. واتخذت الحكومة اللبنانية خطوات عدة للعمل بمتطلبات هاتين الاتفاقيتين، ولو بشكل جزئي. وفي عام 2004 وضعت استراتيجية وطنية لمكافحة عمل الاطفال ووافق عليها مجلس الوزراء في عام 2005".



ولفتت شاليطا " تم تعديل السن الأدنى للاستخدام، حيث رفع من 13 الى 15 عاماً، ولكن لا يزال مشروع قانون منذ عشر سنوات، وقد استطعنا سد الثغرات القانونية باصدار المرسوم 8978 في 29 أيلول 2012 حول حظر استخدام الاحداث قبل بلوغهم سن الثامنة عشرة في الاعمال التي تشكل خطراً على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الاخلاقي. وتم تجهيز مسودة هذا المرسوم ولائحة المهن الاشد خطورة في لبنان نتيجة التعاون بين وزارة العمل اللبنانية وقسم الصحة العامة بالجامعة الاميركية في بيروت. وهي تشمل جميع انواع الاعمال الخطيرة على الاطفال، وانواع هذه المخاطر ومنها العمل في الميكانيك والآلات الزراعية".



في عيد العمال هذا تحية إلى أطفال كتب عليهم الشقاء في زمن دفنت فيه ضمائر الحكام!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم