السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الصورة التذكارية في قصر الصنوبر

المصدر: "النهار"
حسن بيان-محامٍ
الصورة التذكارية في قصر الصنوبر
الصورة التذكارية في قصر الصنوبر
A+ A-

الصورة التذكارية التي جمعت الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع رؤساء الطوائف في لبنان على درج "قصر الصنوبر" في بيروت، تعيد التذكير بالصورة التي جمعت المفوض السامي الفرنسي مع رؤساء الطوائف عند إعلان قيام "دولة لبنان الكبير".
الفرق في الشكل بين المشهدين، الأخيرة كانت ملوّنة فيما الأولى كانت بالأبيض والأسود ، والأخيرة توسّطها الرئيس الفرنسي، فيما الأولى توسّطها المفوض السامي، وكان يمارس صلاحياته بما يوازي صلاحيات رئيس الدولة تجاه إدارة الشأن اللبناني التي عُيّنت فرنسا دولة منتدبة عليه.
وفي مقاربة سريعة للمشهدين الاحتفاليين يمكن التوقف عند ثلاث مسائل:
الأولى- إن فرنسا يوم توسّط مفوضها السامي الصورة التذكارية كانت دولة عظمى بمقاييس الدول المقرّرة في إدارة الشأن الدولي، وأما اليوم فإنّها دولة تفتقر الى هذه الميزة بعد التطور الذي طرأ على النظام الدولي الذي أرسيت معالمه بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تعد تمتلك من التأثير سوى احتفاظها بحق النقض في مجلس الأمن الدولي.


الثانية - إن المندوب السامي الذي توسّط الصورة التذكارية جاء ليشرف على إدارة الشأن السياسي اللبناني بصلاحيات كاملة، فيما الرئيس الحالي جاء مستطلعاً، وإنّ كان توسّطه الصورة التذكارية احتفالياً.


الثالثة - إنّ الحنين الفرنسي للبنان، وإن كان أحد لا يشك في صدقيته، إلاّ أنّ هذا الحنين بقي مسكوناً بما تحتفظ به فرنسا في ذاكرتها السياسية ووثائقها من أنّ "دولة لبنان الكبير" لا تجمع شعبها وحدة مواطنة، بل هو مشكّل من مجموعات طوائفية. وإنّ علمانية الدولة الفرنسية التي ارتضاها الشعب الفرنسي ناظماً لحياته السياسية والعامة لم تسحب نفسها على الشعوب التي كانت تستعمرها فرنسا أو واقعة تحت حمايتها وانتدابها. هذه المسائل الثلاث التي ارتسمت من خلال مشهدية لقاء قصر الصنوبر الاحتفالي، تعيد التأكيد، أنّ الغرب السياسي الذي أدّى دوراً في تأسيس النظام السياسي اللبناني يريد لهذا النظام أن يستمر على الأسس الطائفية التي قام عليها. والتجديد إذا ما كان مطلوباً، فإنمّا يجب أن يتناول تجديد الشخصية السياسية الطوائفية، وليس الغاءها لمصلحة الشخصية الوطنية الجامعة التي ينصهر في بوتقتها كل التشكّل المجتمعي اللبناني.
إنّ أحداً لا يعترض على أن يأخذ الرئيس الفرنسي صوراً تذكارية مع شخصيات لبنانية، سياسية كانت أو دينية أو غير ذلك، أمّا أن تؤخذ الصورة للتدليل والتأكيد أنّ لبنان يتشكل من مجموعة طوائف لكل واحدة منها شخصيتها الاعتبارية في البعد السياسي، فهذا يميط اللثام عن حقيقة الموقف الدولي من لبنان وكل من يتدخل في شؤونه من الخارج الإقليمي والدولي، وهو أنّ نظام المحاصصة لا يخدم القوى الداخلية التي تمسك بمفاصل السلطة والتي تستميت للمحافظة عليه فحسب، بل يخدم أيضاً تلك القوى التي تتدخل في الشأن اللبناني متكئة على قوى الداخل ذات التركيب البنيوي الطائفي.
وعليه فإنّ الابتسامة التي ظهرت على شفاه رموز الصورة التذكارية، لم تقابلها ابتسامة على شفاه اللبنانيين، لأنّ من اكتوى منهم بنار النظام الطائفي الذي أسّس له الانتداب الفرنسي، يشوى اليوم بنار هذا النظام الذي يعيد إنتاج نفسه بعد كل أزمة بنيوية يتعرض لها لبنان. وخطورة مظهريته الأخيرة أنه يتخذ بعداً مذهبياً حاداً، بعدما فعل التدخل الدولي والإقليمي النافخ في بوق الطائفية والمذهبية فعله في الجسم اللبناني.
إن رؤساء الطوائف الذين التقطوا الصورة التذكارية في قصر الصنوبر هم رؤساء طوائف معترف بها، لكنهم لا يمكن النظر إليهم بأنهم يمثلون الشعب في توقه السياسي بالانصهار الوطني، وبالتالي فإنّ من يمثّل لبنان وشعبه أو من يفترض فيه أن يمثّله، هو من يعتبر أنّ الانتماء بالمواطنة هي الأساس الوطني الذي يبنى عليه، وليس الانتماء إلى الطائفة. فالطائفية هي علة البلد السياسية الأساسية، والتي في ظلها يراد للبنانيين أن يكونوا رعايا في وطنهم ومواطنين في طوائفهم، وهذه لا تبني أوطاناً، ولهذا لا نبتسم مع المبتسمين في الصورة التذكارية على درج قصر الصنوبر، ولو كانت بالألوان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم