الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

8 ساعات استثنائية مع محمد بن سلمان... هذه قصة خلافي ومصالحتي مع عمي

المصدر: "بلومبرغ"
ترجمة: نسرين ناضر
8 ساعات استثنائية مع محمد بن سلمان... هذه قصة خلافي ومصالحتي مع عمي
8 ساعات استثنائية مع محمد بن سلمان... هذه قصة خلافي ومصالحتي مع عمي
A+ A-

من المزمع أن يكشف ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 25 نيسان الجاري عن "الرؤية المستقبلية للمملكة العربية #السعودية"، وهي خطة تاريخية تشمل تغييرات اقتصادية واجتماعية واسعة. تقوم الرؤية على إنشاء صندوق الثروة السيادية الأكبر في العالم، الذي سيضم أصولاً تفوق قيمتها تريليونَي دولار أميركي – وهو مبلغ كافٍ لشراء "آبل" و"غوغل" و"مايكروسوفت" و"بيركشاير هاثاواي"، أكبر أربع شركات عامة في العالم. ينوي الأمير بيع "أقل من 5 في المئة" من أسهم شركة "أرامكو" السعودية لإنتاج النفط، في طرح أولي عام تتحوّل الشركة على إثره أكبر تكتّل شركات صناعية في العالم. سوف يعتمد الصندوق على التنويع من خلال الأصول غير النفطية، بهدف التحوّط إزاء الاعتماد شبه الكامل للمملكة على النفط للحصول على الإيرادات.


وفي مقابلة أجرتها مجلة "بلومبرغ" مع الأمير سلمان استغرقت ثماني ساعات على مرحلتين، كشف ولي ولي العهد أن هذه الخطوات الجذرية "ستجعل عملياً الاستثمارات لا النفط مصدر الإيرادات للحكومة السعودية"، و "إذاً في غضون 20 عاماً، لن يعود النفط المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه اقتصادنا أو دولتنا".وتحدث الأمير الشاب في عن العديد من جوانب حياته الشخصية، ورؤيته المستقبلية لاقتصاد المملكة في ظل التحديات الراهنة وخلافه مع الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.


شكّل #النفط، على امتداد 80 عاماً، ركيزة العقد الاجتماعي الذي تعمل السعودية بموجبه: حكم مطلق لآل سعود في مقابل الإنفاق السخي على رعاياهم وعددهم 21 مليون نسمة. أما الآن ، يقول "بلومبرغ" إن الأمير محمد يضع قواعد جديدة. لقد عمد إلى خفض الدعم الحكومي الكبير للبنزين والكهرباء والماء. وقد يفرض ضريبة على القيمة المضافة وضرائب على السلع الكمالية والمشروبات السكّرية. الهدف من هذه الإجراءات وسواها هو توليد عائدات غير نفطية إضافية تصل إلى مئة مليار دولار سنوياً بحلول سنة 2020. لا يعني ذلك أن زمن الإعانات من الحكومة السعودية قد ولّى – ليست هناك خطط لفرض ضريبة على الدخل؛ ومن أجل التخفيف من وقع الإجراءات على أصحاب الدخل المنخفض، ينوي الأمير دفع إعانات نقدية مباشرة. يقول بن سلمان في هذا الصدد" لا نريد ممارسة ضغوط عليهم، بل على الأثرياء".


حقوق المرأة
وتطرق الأمير سلمان الى حقوق المرأة، إذ لا تستطيع السعودية أن تزدهر في الوقت الذي تُقيِّد فيه حقوق نصف سكّانها، وقد أعلن أنه سيدعم منح مزيد من الحرية للنساء اللواتي لا يستطعن القيادة أو السفر من دون الحصول على إذن من أحد أقربائهن الذكور. يقول الأمير: "نعتقد أنه لدى المرأة حقوق في الإسلام لم تحصل عليها بعد".


ويروي ضابط أميركي كبير سابق التقى ولي ولي العهد السعودي منذ فترة وجيزة أن الأخير أخبره أنه مستعد للسماح للنساء بالقيادة لكنه ينتظر اللحظة المؤاتية لمواجهة المؤسسة الدينية المحافظة التي تسيطر على الحياة الاجتماعية والدينية. وينقل عنه قوله: "إذا كان مسموحاً للنساء ركوب الجِمال [في زمن النبي محمد]، فربما يجدر بنا أن نسمح لهن بقيادة السيارات، جِمال العصر الحديث".


ولم يدخل الأمير محمد بالتفاصيل حول طبيعة الاستثمارات غير النفطية مكتفياً بالقول بأن الصندوق السيادي الضخم سوف يتعاون مع شركات أسهم خاصة لتوظيف نصف أرصدته في الخارج، ما عدا حصة "أرامكو"، في أصول تولّد دفقاً مطرداً من الأرباح غير المرتبطة بقطاع الوقود الأحفوري. يعرف أن كثراً غير مقتنعين بهذه الخطة، لذلك يقول: "لهذا السبب أجلس معك اليوم. أريد أن أقنع الرأي العام السعودي بما نفعله، أريد أن أقنع العالم".


مسار واضح


يقول الأمير محمد إنه معتاد على مواجهة الرفض والممانعة، وإنه ازداد صلابةً بفعل احتكاكه بأعدائه في المنظومة البيروقراطية الذين اتهموه ذات مرة بالاستيلاء على السلطة في حضور والده والملك عبدالله. يروي أنه يتمعّن في أقوال وينستون تشرشل وفي كتاب "فن الحرب" للمخطِّط الاستراتيجي العسكري الصيني صان تزو الذي عاش في القرن الخامس ق.م.، وإنه سوف يُفيد من الخصومة ويحوّلها لمصلحته. قد يبدو وكأنه مجرد كلام مشوَّش آخر يصدر عما يُعرَف بجيل الألفية، لكن الأمير السعودي يملك مساراً واضحاً ويتكلم بحرية كبيرة بطرق تثير صدمة في النظام العالمي السياسي-النفطي.


معركة النفط "معركتي"
يقول محمد بن سلمان الذي يُرجَّح أن يتسلّم العرش مستقبلاً، إنه لا يأبه إذا ارتفعت أسعار النفط أو هبطت. إذا ارتفعت، فهذا يعني الحصول على مزيد من الأموال لتوظيفها في الاستثمارات غير النفطية، كما يقول. وإذا انخفضت، تستطيع السعودية، باعتبارها الجهة المنتجة للنفط ذات التكلفة الإنتاجية الأقل في العالم، أن تتوسّع في السوق الآسيوية التي تشهد نمواً. وهو يتنصّل ولي ولي العهد السعودي من المبدأ النفطي الذي عملت به السعودية على امتداد عقود على رأس منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبيك). وقد أحبط اقتراحاً بتجميد الإنتاج النفطي في 17 نيسان الجاري خلال اجتماع للمورّدين في قطر لأن إيران، العدو اللدود للسعودية، لن تجمّد إنتاجها. وقد رأى المراقبون في هذا الأمر تدخلاً نادراً للغاية من جانب عضو في الأسرة المالكة التي منحت تقليدياً التكنوقراط في وزارة النفط مجالاً واسعاً للمناورة في السياسة النفطية. يقول: "لا نكترث لأسعار النفط – 30 أو 70 دولاراً، لا فرق عندنا. هذه المعركة ليست معركتي".


أزمة مالية؟
ورداً على السؤال: هل تقترب السعودية من الوقوع في أزمة مادّية؟ يجيب الأمير محمد بن سلمان أن الوضع الآن أفضل بكثير، مردفاً: "لو سألتني قبل عام بالضبط، كنت على الأرجح على وشك الإصابة بانهيار عصبي". ثم يروي قصة لم يسمعها أحد خارج الدائرة الداخلية الضيّقة للأسرة المالكة. في الربيع الماضي، عندما كان صندوق النقد الدولي وآخرون يتوقّعون أن الاحتياطات التي تملكها السعودية يمكن أن تمدّها بالسيولة اللازمة لفترة خمس سنوات على الأقل في حال ظلّت أسعار النفط على انخفاضها، اكتشف فريق الأمير بن سلمان أن المملكة تتجه سريعاً نحو فقدان الملاءة.
ويقول محمد آل الشيخ، خريج جامعة هارفارد والمستشاره المالي لولي ولي العهد والمحامي السابق في "لاثام آند واتكنز" والبنك الدولي، إنه بحسب مستويات الإنفاق في نيسان الماضي، كانت السعودية لتصاب بـ"الإفلاس التام" في غضون عامَين فقط، أي بحلول مطلع سنة 2017. وتفادياً لهذه الكارثة، خفّض الأمير بن سلمان الموازنة بنسبة 25 في المئة، وفرض من جديد ضوابط صارمة على الإنفاق، ولجأ إلى أسواق الدين، وبدأ بتطوير الضريبة على القيمة المضافة وسواها من الضرائب. فبدأ معدّل حرق السيولة النقدية في الاحتياطي النقدي السعودي – 30 مليار دولار في الشهر خلال النصف الأول من عام 2015 – بالانخفاض.


وفي الجزء الثاني من المقابلة والذي أجري في المنزل الريفي للملك سلمان في الدرعية في ضواحي الرياض، تحدّث الأمير محمد عن نفسه، قائلاً إنه أفاد خلال نشأته من تأثيرَين اثنين: التكنولوجيا والأسرة المالكة. كان جيله أول من استخدم الإنترنت ولعب ألعاب الفيديو، وأول من حصل على معلومات من خلال الشاشة، كما يقول قبل أن يضيف: "نفكّر بطريقة مختلفة تماماً. أحلامنا مختلفة".
خلاف مع الملك عبدالله ثم ...


وعام 2009، رفض الملك عبدالله الموافقة على ترقية الأمير محمد بن سلمان، نظرياً من أجل تفادي الإيحاء بأنه يتصرّف بدافع المحسوبيات. شعر الأمير محمد بالمرارة وغادر للعمل مع والده الذي كان آنذاك أمير الرياض. فداس على وكر للأفاعي. يروي الأمير محمد أنه حاول ترشيد الإجراءات كي يحول دون غرق والده في بحر من الأعمال المكتبية، فتمرّد الحرس القديم واتّهموا الأمير الشاب باستغلال السلطة عبر قطع اتصالهم بوالده ونقلوا شكواهم إلى الملك عبدالله. وعام 2011، عيّن الملك عبدالله الأمير سلمان وزيراً للدفاع لكنه أصدر أوامره للأمير محمد بألا تطأ قدماه أبداً عتبة وزارة الدفاع.


استقال الأمير من منصبه في الحكومة وعكف على إعادة تنظيم مؤسسة والده التي تعنى ببناء المنازل، كما أطلق مبادرة غير ربحية هدفها تشجيع الابتكار والقيادة في أوساط الشباب السعوديين. عام 2012، أصبح والده ولياً للعهد. وبعد ستة أشهر، عُيِّن الأمير محمد رئيساً لديوان ولي العهد. شقّ طريقه تدريجاً نحو استعادة الحظوة لدى الملك عبدالله، وكلّفه الديوان الملكي إنجاز مهام خاصة تتطلب شجاعة وإقداماً.


وفيما بدأ الأمير يخطط في السر لتسلّم والده سدّة العرش، طلب إليه الملك تنفيذ مهمة شاقة: إصلاح وزارة الدفاع. ويقول الأمير بن سلمان إن مشكلاتها ظلت مستعصية على الحل طوال سنوات، مضيفاً: "قلت له: 'أرجوك، اعفني من هذا'. فصرخ في وجهي قائلاً: 'لست أنت الملام، بل أنا الملام لأنني تكلّمت معك'". لم يكن الأمير محمد يريد في تلك المرحلة كسب مزيد من الأعداء النافذين. أصدر الملك مرسوماً ملكياً عيّن فيه الأمير محمد بن سلمان مشرفاً على مكتب وزير الدفاع وعضواً في الحكومة.


بدأ الأمير محمد يمضي أيضاً بضعة أيام في الأسبوع في بلاط الملك عبدالله. وحاول الدفع باتجاه تطبيق العديد من الإصلاحات الجديدة. يقول: "كان ذلك صعباً جداً بوجود عدد من الأشخاص. لكنني ما زلت أذكر حتى يومنا هذا أن كل ما ناقشته مع الملك عبدالله أصدر أوامر بتنفيذه".


بعد أقل من أسبوع على وفاة الملك عبدالله وتسلّم الملك سلمان العرش، أصدر الملك الجديد مرسوماً عيّن فيه الأمير محمد وزيراً للدفاع، ورئيساً للديوان الملكي، ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية الذي أنشئ حديثاً. وبعد 48 ساعة، مُنِح الأمير محمد السيطرة على شركة "أرامكو" السعودية بموجب مرسوم ملكي.


العلاقة مع محمد بن نايف


يمضي الأمير وقته بين قصور والده ووزارة الدفاع، ويعمل منذ الصباح حتى ما بعد منتصف الليل في معظم الأيام. يقول رجال الحاشية إن علاقته بولي العهد، محمد بن نايف، جيدة؛ خيمتاهما متجاورتان في مخيم العائلة المالكة في الصحراء. ويعقد الأمير محمد اجتماعات مع الملك بصورة متكررة، ويجلس مطوّلاً مع المستشارين والمعاونين للتمعّن في البيانات الاقتصادية والنفطية. يستقبل أيضاً كبار الشخصيات والديبلوماسيين الأجانب، وهو العقل المدبّر للحرب المثيرة للجدل التي تشنها السعودية في اليمن ضد الثوار الحوثيين المدعومين من إيران. على الرغم من كلام الأمير عن الاقتصاد في النفقات، كلّفت الحرب مبالغ طائلة. يقول بن سلمان عن النزاع: "نعتقد أننا أقرب من أي وقت آخر إلى التوصل إلى حل سياسي. لكن إذا تدهورت الأوضاع من جديد، نحن جاهزون".


أميركا


قد تجد الولايات المتحدة في الأمير محمد حليفاً متعاطفاً وطويل الأمد في منطقة تعمّها الفوضى. بعدما التقاه الرئيس باراك أوباما في كامب ديفيد في أيار الماضي، قال الأخير إنه وجده "واسع الاطلاع، وذكياً جداً، ويتمتع بحكمة تفوق سنوات عمره". قام الأمير محمد بزيارة أوباما في البيت الأبيض في أيلول الماضي للتعبير عن عدم موافقته على الاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه مع إيران بوساطة أميركية.


في آذار الماضي، التقى السناتور الجمهوري ليندسي غراهام من كارولينا الجنوبية الأمير محمد بن سلمان في الرياض على رأس وفد من الكونغرس. أطلّ الأمير مرتدياً عباءته التقليدية ذات الأشرطة الذهبية مع الكوفية الحمراء على رأسه، وأسرّ إلى غراهام بأنه يتمنى لو أنه ارتدى لباساً مختلفاً. يروي غراهام: "قال: 'اللباس لا يصنع الإنسان'. من الواضح أنه يفهم ثقافتنا". يقول غراهام إن الأمير محمد تحدث لمدة ساعة عن العدوّين المشتركين لإسرائيل والسعودية: "الدولة الإسلامية" وإيران؛ وعن الابتكار والإسلام؛ وبالطبع عن التغييرات الاقتصادية الهائلة. يضيف غراهام: "شعرت بدهشة عارمة؛ كان الاجتماع معه مريحاً للغاية. إنه رجل يدرك الطبيعة المحدودة لدفق الإيرادات، وبدلاً من أن يصاب بالهلع، يرى في ذلك فرصة استراتيجية. بحسب نظرته إلى المجتمع السعودي، حان الوقت لتحصل القلة على قدرٍ أقل والكثرة على قدر أكبر. تُعرَف كبار الشخصيات في العائلة المالكة بامتيازاتها، أما هو فيريدها أن تُعرَف بواجباتها".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم