الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رهاب العنصرية وأزمة اللجوء

عصمت فاعور- ناشطة
رهاب العنصرية وأزمة اللجوء
رهاب العنصرية وأزمة اللجوء
A+ A-

لا شك في أن حملات الرفض القاطع لتصاريح بعض المسؤولين اللبنانيين والبلديات وتوجهاتهم في وقت من الاوقات، لا سيما في بدايات أزمة اللجوء الى اليوم،ساهمت في لجم التمادي العنصري الذي كان بمقدوره أن يصبح ظاهرة آنذاك حول وجود اللاجئين السوريين.


لكن هذه الحملات تحولت لاحقاً الى خطاب ترهيبي لمن يناقش موضوع اللجوء من أعداد اللاجئين وإمكانات لبنان لاستيعابهم وسبل حل هذه المشكلة.
طبعاً لم يكن هناك نقاش جدي على الصعيد الرسمي والحكومي حيث تم التعامل مع المسألة باستخفاف كعادة المسؤولين اللبنانيين في التعاطي مع كل أزمة، في حين تجنب المجتمع المدني اللبناني طرح المسألة بصوت عالٍخوفاً من الوقوع في فخ الاتهام بالعنصرية من جهة، ومن جهة اخرى خشية أنه لا مفر آخر لهؤلاء اللاجئين الهاربين من القصف والحرب والدمار.
وبعيداً من بعض الأصوات التي تحاول الاستفادة من التصويب على هذه المسألة، بقي الصوت المسيحي (على الصعيد الروحي) وحيداًفي المطالبة بحل لهذه المشكلة وخصوصاً ما أتى أخيراًعلى لسان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من خلفيات الحفاظ على الكينونة اللبنانية وحمايتها.
عدد اللاجئين المعلن عنه من المفوضية العليا للاجئين يوازي أكثر من ثلث سكان لبنان، يضاف إليه وجود عدد آخر غير شرعي وغيره ليس مسجلاً، العدد كبير ولا يستخف به والتململ اللبناني من الوجود السوري لا يوضع في خانة العنصرية، ويمكن وصف طريقة التعامل اللبنانية مع موجة اللجوء بالإيجابية. ففي حين اغلقت حدود العالم بوجههم، ولم يتوان حرس حدود بعض الدول عن إطلاق النار على السوريين الهاربين من جحيم الحرب، ولم يرف جفن أوروبا وأخلاقياتها عند غرق الهاربين السوريين في مياه المتوسط، يضاف إليها أن الصدمة الديموغرافية للجوء السوري إلى لبنان كانت أكبر نسبياًمن أي مكان، ما يفتح التساؤل هنا عن موقف الأتراك لو دخل 25 مليون سوري إلى تركيا فجأة ليعادل اللاجئين ربع عدد السكان وليس ثلثهم كما في لبنان وما هو موقف أوروبا والأوربيين لو دخل عليهم فجأة 100 مليون لاجئ.
عندما نتحدث عن تركيا وأوروبا فنحن نتحدث عن إقتصادات قوية في حين ان اللبناني بائس ويائس من دولته ومن سوء خدماتها وتقلبات الوضع السياسي فيه، حيث باتت العائلات السورية تسكن كل شارع في لبنان، وهذا الانتشار السوري اجتاح التوزيع الطائفي في المناطق اللبنانية كلها، وحتى المناطق التي لا تعتبر حاضنة للجوء خصوصاً الشيعية والمسيحية منها، وهو امر جيد.
ليس صحيحاً اننا شعب واحد في بلدين، هناك ثقافتان مختلفتان رغم التشابه في الكثير، والاندماج بين قد يكون صعباً، حيث تكفي جولة واحدة على عينة من المدارس الرسمية في لبنان لملاحظة الفرق بين الاطفال السوريين واللبنانيين، الفوارق الثقافية والتربوية، وايضاً يجب ان لا ننسى ان معظم الاطفال السوريين اللاجئين هم اطفال حرب يحملون الكثير من مخلفات الحرب وبحاجة ماسة لبرامج تربوية متخصصة تعيد لهم الحياة السليمة، والاندماج بين الاطفال من الجنسيتين يصعب يوماً بعد يوم لأن التكتل داخل كل فريق بات حاصلاً ولا حاجة للاندماج طالما كل طرف وجد مجتمعه حوله. وهنا لا يمكننا لوم اي من الطرفين، فهم اطفال يبحثون عن اللعب والحياة الجميلة الى جانب اطفال يشبهونهم وهذا اقل حق من حقوقهم كأطفال. وهذا الموضوع يحتاج إلى الكثير من البحث والتدقيق والبرامج المتخصصة على الصعيد النفسي والتربوي والاجتماعي لهؤلاء الاطفال من المنظمات الدولية التي تعمل على تأمين التعليم للاطفال السوريين.
المعضلة كبيرة والموضوع معقد أكثر مما نتصوره، ولمن ليس اممياً او قومياً فأزمة الهوية والتشرذم التي يعاني منه لبنان منذ عقود هي مشكلة كبيرة. وجرح وجود اللاجئين يزيد الامر سوءا.
وبعدما نظر العالم الغربي وخصوصاً الاوروبي في حقوق الانسان والسلام وحقوق الافراد ضاق صدر القارة الاوروبية عندما استقبلت عددا قليلا نسبة الى لبنان وعلت الصرخات العنصرية والقيود على وجود اللاجئين لا سيما ان هذه الدول لا تعاني اكتظاظاً سكانياً ولديها مساحات واسعة واستقرار اقتصادي وسياسي ورفاهية مدنية.
بالمقابل، ماذا كانت ردة فعل المجتمع المدني اللبناني الذي يضطلع بدور المصحح والموجه والمرشد في شتى القضايا؟ لا يوجد الى الآن سوى حفلات جلد الذات، ويغيب النقاش الجدي حول الموضوع. هواجس الطرفين ومسببات الاحتقان والاندماج بين شعب يعاني من حرب ضروس وشعب خرج للتو من حروب طويلة، لم نشهد سوى ناشطين يوقعون يومياً صك البراءة من العنصرية، أو تعميم اننا فينيقيون قذرون عنصريون تجاه الآخر، انها ملحمة جلد لم تنتهِ بعد، بل اصبحت موضة القضايا حتى وصلت لتطال كل صوت مختلف.
كل نقاش وكل تصريح وكل رأي مختلف، باتت توضع في خانة العنصرية حتى صار الموضوع رهاباً إعتباطياً وحفلة تكاذب. التصدي لملف اللاجئين بهذا الشكل ما هو الا ضخ العصب في العنصرية المضادة من الشعب السوري تجاه اللبناني و "قصف عشوائي" يزيد من الاحتقان العنصري لدى اللبنانيين، وتحول المجتمع المدني إلى جزء من المشكلة بدل ان يكون جزءاً من الحل، وايضاً لا يجوز التعميم على كل المجتمع المدني انما في المواد المنشورة لم يُعثر على اي ملف مدون يناقش ازمة الاندماج بين البيئتين دون سطوة رهاب العنصرية.


بات التطرق للموضوع غير مستحب خوفاً من الوقوع في فخ الاتهام بالعنصرية. مع الاشادة بكل عمل قام بالتوعية من خطر الوقوع في العنصرية، ولكننا اليوم أمام صافرة انذار مدوية، وتتطلب تعاونا عاليا بين ناشطي المجتمع المدني السوري واللبناني وتنسيقا لرفع قضية اللجوء في لبنان الى أعلى المستويات الدولية، والتحكم بالتمويل وشروطه. فالعالم الذي لا يريد تحمل عبء اللاجئين عليه على الاقل التنسيق ودفع فاتورة الدمار المادي والنفسي والمجتمعي الذي يعانيه الشعبان.
عندما نتحدث عن الحل، فإننا هنا لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة اللبنانية مشلولة ولن تشارك في وضع لبنات الحل بل يقع ذلك على عاتق المجتمع المدني اللبناني وعلى الناشطين السوريين، إلا أن العقبة الأساسية تكمن في طريقة التعاطي مع هذا الملف خصوصاً من المنظمات المانحة التي يقع جزء أساسي من المسؤولية عليها حيث تنصب مشاريع المانحين على منع تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا إلا أن معالجة تداعيات هذا الوجود تفترض بالضرورة من المجتمع المدني اللبناني أن يفتح حوارا لمناقشة مسألة اللجوء والخروج بمشاريع مدنية تساهم في تخفيف وطأة اللجوء على المجتمعين اللبناني والسوري. لكن هل ينحو المجتمع المدني باتجاه مقاربة تأخذ بالاعتبار رؤية السوريين واللبنانيين أم أن منظمات المجتمع المدني ستغلب مصالحها المادية وتنصاع لرغبات المموّلين كي تتمكن منالحصول على تمويل تنفقه من دون أن تنجح فعلياً في التغيير؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم