الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

وسيلة جديدة لمكافحة التحرش في شوارع بيروت

المصدر: "النهار"
زينة ناصر
وسيلة جديدة لمكافحة التحرش في شوارع بيروت
وسيلة جديدة لمكافحة التحرش في شوارع بيروت
A+ A-

"مش كارثة، كلّا مزحة ولازم تعتبريها مجاملة"، إحدى "الخرافات" المستخدمة في المجتمع لإبعاد ما يشير إلى التحرّش الجنسي وإخفائه وعدم الحديث عنه. كم من المرّات تعرّضت فتيات للتحرّش الجنسي في كل الأماكن ومن شتى المستويات الاجتماعية والاقتصادية، من دون ان نعرف كيف نخبر عن الأمر؟ لفظٌ ناب أو لمسة وقحة، "بتصير"، "قد نسمع مثلها وغيرها"، لكن لا..."مش عادي". ذلك التصرّف الذي قابلته كان اسمه "تحرشاً لفظياً" وليس "كلمة وبتقطع".


وداعاً "للخرافات"
دحض تلك "الخرافة" وكثير غيرها أصبح متاحاً الآن على موقع الكتروني اسمه "متعقّب للتحرّش" هدفه تغيير كل الخرافات أو المفاهيم المجتمعية الخاطئة على المدى البعيد. www.harasstracker.org هو الموقع الذي يمكن لأي شخص الدخول إليه لتسجيل حالة التحرّش التي تعرّض لها، وتحديد المنطقة التي حصلت فيها الحادثة على الخريطة.


3 نساء أنشأن الموقع وتتمتّع كلّ منهنّ بخبرة في مجالها خوّلتها الانضمام إلى هذه "المبادرة"، بالاضافة الى اهتمام  في ما يحصل من أخطاء متكرّرة في المجتمع، نراها "عادية"، كونها تتكرّر في يومياتنا. عملت ناي الراعي على إنشاء محتوى الموقع الالكتروني مع ميرنا المير التي صمّمت الموقع، وساندرا الحسن التي عملتْ على إنشاء الخريطة التفاعلية وشكل الاستمارة التي تحدد هوية الشخص الذي تعرّض للتحرش او كان شاهداً عليه.


من يضع مفاهيم "التحرّش"؟
تواصلنا مع ناي الراعي التي أوضحت أهداف انشاء "المتعقّب"، وأهمها "إتاحة المجال للنقاش الجدّي حول موضوع التحرّش، تغيير مفاهيم التحرّش على المدى الطويل، والأهم إتاحة المجال لمن تم التحرّش به/بها لوضع المفاهيم بدلاً من الاستمرار في تبني مفاهيم تتعلق بالتحرّش صنعها من لا يؤمن بوجود هذا الجرم أساساً".
لنتخيّل انّ فتاةً، لنسمّها "ياسمينا"، تمشي في الشارع فيلمس أحدهم مكاناً حميماً من جسدها بشكل مقصود، يمكنها من الآن وصاعداً الاشارة إلى الشارع الذي جرت فيه عملية التحرش من خلال موقع "متعقب التحرش".
ولنتخيّل ان الأخيرة تقود سيارتها في بيروت، "غَمَزَ" لها سائق في سيارة أخرى. انه تحرّش واضح. سيقول الرجل ان الامر ليس إلاّ "تودّد"، لكن ياسمينا شعرت انه "تحرّش"، والآن يمكنها الابلاغ عن الامر.
تكمل ياسمينا طريقها إلى عملها، تنزل من السيارة "أوف شو هيدا"، قال لها العامل المسؤول عن ركن السيارات، ياسمينا تعرّضت لتحرّش لفظي هنا. تصل إلى المكتب، وتخبر زميلها عما حصل معها في العمل "إي عادي، شو صار يعني؟ تحرّش فيكي؟ له يا عمّي تودّد هيدا". تضحك زميلة ياسمينا رغم تذكرها ان أمراً مشابهاً حدث معها منذ بضعة أيام. 


لن يُذكر إسم ياسمينا أو أي شخص آخر يبلّغ عن حالة تحرّش تعرّض لها أو شاهدها، وكل ما يجري التعويل عليه هو تغيّر المفاهيم مع الوقت.
بالنسبة للراعي، ثمة مروحة كبيرة من الألفاظ والإيحاءات التي تقع ضمن نطاق التحرّش "لكننا لا نتكلّم عنها".


لتغيير العقول قبل النصّ القانوني...


الى ذلك، تهدف مبادرات كـ"متعقّب التحرّش" الى حصول تغيير ما في النص القانوني الذي لا يزال مبهماً في ما يتعلّق بفعل التحرّش الجنسي، خصوصاً ان المادة 507 من قانون العقوبات تشير إلى معاقبة كل من "أكره آخر بالعنف والتهديد على مكابدة او اجراء فعل مناف للحشمة" بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن أربع سنوات، فيما يكون الحدّ الأدنى للعقوبة ست سنوات اذا كان المعتدى عليه لم يتمّ الخامسة عشرة من عمره.
كما تجرّم المادة 503 من قانون العقوبات اللبناني الإغتصاب (غير الزوجي وتعاقبه بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل، وما لا يقل عن السبع سنوات اذا كان المعتدى عليه(ا) لم يتمّ الخمس عشرة من عمره.


لكن ما هو التحرّش في القانون تحديداً؟ لا نعلم. هو فعل عام، غير محدّد، يتيح للمشرّع الاجتهاد بالطريقة التي يريدها. ما هو أسوأ من نصنا القانوني "المهترىء" هو بنية االمجتمع غير الحاضنة، التي تمتد، بحسب ناي، وبحسب ما نرى يومياً، من المنزل إلى الحيّ، فرجل الأمن "الذي قد يتحرّش بمن تبلّغ عن التحرّش".


ردود الفعل...


تعكس ردود الفعل حماسة تجاه المبادرة، ووفق ناي، سجلت 5 تقارير عن حالات تحرّش على الخريطة التفاعلية منذ يوم الثلثاء (تاريخ انطلاق المبادرة)، و"هو أمر يشي بالخير في ما يتعلّق بالاستجابة". وتأمل الراعي أن يتحوّلَ التفاعل إلى تفاعل فعلي، وسط القيود المجتمعية التي نعيشها.


محاسبة المتحرّش... كيف؟
محاسبة المتحرّش غير ممكنة فعلياً على االموقع الالكتروني، ولن يشهّر باسمه أو صفاته، إلاً أنها ممكنة لناحية المحاسبة المجتمعية، وفق ناي.
التقليل من نسبة المتحرّشين هو ما نتمناه بعد هذه المبادرة التي ليست الأولى من نوعها في لبنان، غير انها في نظر القيّمين عليها تقدّم "الأداة والموارد اللازمة" للتبليغ عن التحرّش وتمكين المرأة من الوقوف في وجه التحرّش.


"ما اخترعنا البارود"، تقول ناي مذكرة بمبادرة قامت بها إحدى الجمعيات التي تعنى بحقوق النساء عام 2011، والتي قدّمت خريطة مماثلة، الا انا مبادرة "harass tracker" تطمح إلى الاستمرارية بهدف مراكمة ثقافة مغايرة للذكورية المهيمنة.


وفي السياق، يُذكر نشاط جمعية نسوية تحت عنوان "مغامرات سلوى" تمثلت في شرائط مصوّرة وكتيّبات تظهر المرأة بصورة قوية، رافضة كل أنواع التحرّش التي قد تتعرّض لها في حياتها اليومية، من المنزل إلى الجامعة وغيرها.
أما الآن، فلنتذكّر حوادث التحرّش التي تعرّضنا لها في بيروت ونوثّقها، إلى حين ان يضم "متعقّب التحرّش" خريطة تشمل المناطق كافة، والى حين تصبح المساءلة سهلة وواضحة وفق نص قانوني. أسماؤنا ستبقى سريّة، أما مفاهيمنا... فلنعلنها، إنها خاطئة وكفى!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم