الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

خلعت الحجاب... وهربت من النظام و"داعش"

المصدر: النهار
غازي عينتاب- ع. ع
خلعت الحجاب... وهربت من النظام و"داعش"
خلعت الحجاب... وهربت من النظام و"داعش"
A+ A-

ترى أن التمرد ليس صفة مكتسبة، بل يخلق مع الإنسان والظروف تشعل فتيله، وتفسح أمامه الطريق، كما أنتمردها الدفين كفتاة في بلد عاش ثورة وأزمة وحربًا مدمرةعلى مدى خمس سنوات مضت، دفعها لاتخاذ قرارات أشبه بالمغامرة بكل شيء، ولم يكن أولها التحاقها بالثورة،ولا آخرها هجرتها بمفردها إلى أوروبا بعد أن قررت خلع حجابها.


وكما الأسطورة السومرية القديمة التي تتحدث عن "ليليتو" تلك الروح الأنثوية التي سكنت شجرة صفصاف فجاء"جلجامش" ملك أورك فقطع جذع الشجرة وطارد الأنثى المتمردة في البراري، وجدت هبة ع.  من يقمع تحرّرها، ويستنكر قراراتها غير المألوفة على محيطها ومجتمعها ويطاردها، مما دعاها أخيراً لتصبح لاجئة في هولندا على أمل عودة قريبة إلى سوريا عسى تستطيع أن تكمل ما بدأته قبل خمس سنين مع اندلاع الثورة.


بالتأكيد لم تكن تتصور المعيدة العشرينية في كلية الآداب بجامعة حلب والقادمة من ريف إدلب، أن السنوات القادمة سوف تكون حافلة بالأحداث عندما قررت الالتحاق بالثورة،لم تكن ترى سوى أن الحركة الشبابية التي اكتسحت الشرق الأوسط بشكل عام، فرصة لإكمال تمردها الخفيف والمحارب، كفتاة تحاول إكمال تعليمها العالي وتعيش في مجتمع شرقي ذكوري قبلها، فكانت فرصة للعمل على ترسيخ حياة أفضل كما كان يعتقد معظم الشباب الملتحق بركاب الثورة.


تقول هبة عن ذلك: بالنسبة لي فقد كنت متمردة على مجتمعي الريفي المحافظ قبل الثورة، فكنت من القلة النادرة اللواتي أكملن تعليمهن الجامعي، والوحيدة من محيطي التي أكملت دراسات عليا، التعليم للفتاة كان خروجا عن المألوف، في بيئة يسودها الزواج الباكر،وتحكمها العادات والتقاليد، والأمر الآخر أن الجامعة كانت في مدينة حلب، لذلك كان علي أن أسافر لوحدي وأسكن لوحدي في تلك المدينة، الشيء الذي كان مستهجنا جدابالنسبة لفتاة، ربما كون والديّ متعلمين ساهم إلى ح دكبير في تنمية ذاك التمرد في داخلي.


لم تتوانَ هبة عن التظاهر مع الطلاب والناس خارج الجامعة، ثم بعد ذلك لوحقت من قبل الأجهزة الأمنية للنظام السوري مما دعاها إلى التوقف عن عملها، وجعل نشاطها أكثر تنظيما ورسوخاً، فساهمت عام 2012 بتأسيس منظمة حرائر سورية التي كانت تعنى بحقوق المرأة والطفل، ثم غادرتها بعد ذلك بعد أن اقتنعت أن المرأة في غالب الأحيان هي عدوة نفسها، وتحجّم ذاتها بإرادتها، لابل تسعى لوضع العصي بعجلة تقدم النساء الأخريات،وهذه النتيجة بالذات دفعتها لاحقاً لاتخاذ طريق خاص بها لكي تتحرّر كمرأة.


في هذه الأثناء كان الوضع العسكري يتغيّر بشكل جذري، فتحولت بعض المناطق من سيطرة الجيش الحرّالى سيطرة داعش، ومن ثم المجموعات الجهادية الإسلامية كأحرار الشام وجبهة النصرة، ومعظم هذه المجموعات على اختلاف أيديولوجيتها الثورية والفكرية والعقائدية، "لم تكن قادرة على خلق أو تشجيع مؤسسات مدنية بديلة أو ما يسمى الإدارة الذاتية البديلة للمناطق المحررة، مما أدى إلى فراغ مؤسسي وأمني كبير، كما أن تهميش دور القضاء متمثلا بالقضاة المنشقين وتعطيل عمل المحاكم المدنية لتحل محلها المحاكم الشرعية، إضافة الى انحلال جهاز الشرطة أنشأ حالة مجتمعية يسودها قانون الغاب أو سيطرة الأقوى، لذلك بدأت بالعمل كمنسقة ميدانية لمشروع القضاء والشرطة الحرّة في محافظة إدلب،وعلى خلفية عملها هذا ونشاطات أخرى في الداخل السوري تعرضت هبة لمحاولة اغتيال من مجهولين،حيث قاموا بإطلاق النار على السيارة التي كانت تستقلها،فدفعها ذلك إلى مغادرة سورية باتجاه تركيا.


ولأن الثورة كانت فأسًا لهدم كل الأصنام الفكرية بحسب هبة الثائرة، فقد حفرت في وجدانها عميقاً وغيرت معتقداتها بكثير من الأمور، وكسرت كثيرًا من القناعات الراسخة لديها، وجعلتها تفكر أكثر بالدين والمجتمع وعلاقة الذكر بالأنثى. وبناء عليه، وبعد تعمق كبير، قررت خلع الحجاب. تقول عن ذلك: أصبحت شخصًا لا أؤمن إلابنفسي، لأني أعلم تاريخ نفسي جيداً، وأعلم مكنوناتي بينما لا أثق بأي سردية أخرى، فأعتقد أننا نعيش على فتات مراحل كثيرة من الكذب والتزوير في الحقائق التاريخية والاجتماعية.


فكان قرارها بخلع الحجاب الانعطاف الأهم بحياتها، حيث تعرضت لانتقادات عنيفة من محيطها وحتى أصدقائهالاتخاذها هذا القرار، ولكنها تمسكت به ولم تتنازل عنه.وتوضح هبة عن سبب هذا التمسك رغم الضغوط التي تعرضت لها: أنا ابنة ريف فالحجاب كان جزءًا أساسياًمن ثقافة بيئتي، ولذلك تحجّبت وأنا بعمر الرابعة عشرة، ثم تأقلمت معه حتى ظننت أني أحبه، لكن أحسست أنه عبارةعن مطية لاستكمال السيطرة المجتمعية الذكورية على المرأة وتكريس تبعيتها، كمثل مبدأ الحجاب، ألا تغري المرأةا لذكر الآخر في محيطها، وكأنها فقط جسد خلق للجنس،دون أن يتعلم ذاك الذكر أنها مثله تماما ولها خصوصيتها،التي يجب أن يكبح غرائزه الوحشية تجاهها، وما فاجأني أن معظم الانتقادات التي تعرضت لها، لم تكن على مبدأ الحلال والحرام بل التقاليد، وكأن التقاليد دين له ربه وطقوسه.
وتتابع: يعتقد الذكر أن المرأة تخلع الحجاب كي تغري ذكورًا اخرين أكثر، ومعروف أن شعر المرأة يجعلها مغرية أكثر. أما أنا فلم أفكر بتلك الطريقة، لذلك وكردة فعل لاشعورية، قصصت شعري قصة تدعى boyish haircut أي قصة شعر صبيانية. ربما كان ما بداخلي يريد أنيقول أني لست للإغراء أنا امرأة، لكن في الوقت نفسه، أحترم أي امرأة محجبة أو منقبة إن كان ذلك قرارها الشخصي.
قررت هبة مغادرة تركيا والهجرة باتجاه أوروبا، وجاء قرارها بسبب اقتناعها بفساد معظم مؤسسات المعارضة،وهو ما حمل عددًا كبيرا من الشباب السوريين خلال السنتين، إناثًا وذكورًا على الهجرة، خصوصاً مع عدم قدرتها على العودة إلى سوريا بسبب التهديدات التي وجهت إليها من أطراف عدة، حيث قررت السفر بشكل فردي بدون أن يرافقها أحد من ذويها، وفي "كامباتا لانتظار" للحصول على أوراق اللجوء القانونية، فوجئت هبةب الكَمّ الكبير من السوريين المؤيدين للنظام السوري وداعش، ووجدت أنه من المستحيل التأقلم معهم، وتردف:أخشى على اللاجئين في أوروبا عموماً وهولندا خصوصاً،من هذين الصنفين.
وتعيش هبة ما بين محاولتها إكمال حياتها في أوروبا،وأمل بالعودة يوماً إلى سورية، فهي تحاول تعلم اللغة الهولندية، ورغم أنها حاصلة على الماجستير في طرق التعليم، لكنها تبحث عن فرصة لإعداد رسالة دكتوراه في مجال تصحيح النطق عند الأطفال، لأنها تعتقد جازمة بعودتها إلى سوريا يوماً ما، وسيكون هناك آلاف الأطفال ممن فقدوا أو تعثّر نطقهم بسبب الحرب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم