الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنان إلى أين؟: الأخطار والاحتمالات

المصدر: "النهار"
عصام خليفة- أستاذ جامعي
لبنان إلى أين؟: الأخطار والاحتمالات
لبنان إلى أين؟: الأخطار والاحتمالات
A+ A-

سننطلق من واقع التهديدات التي تعاني منها الدولة اللبنانية كوجود سياسي، وسنحاول ان نطرح الاحتمالات، على الصعيد السياسي، انطلاقاً من تلك التحديات.


أولاً: أخطار داهمة
ان كل مواطن مدرك يلاحظ بوضوح العوامل او المظاهر المهددة لاستقلال الدولة اللبنانية:
1 - عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ 25 أيار 2014، وعدم وجود مؤشرات لانتخاب رئيس في القريب العاجل.
2 - احجام مجلس الوزراء عن الاجتماع لأسباب مختلفة، مع ما يترتب على ذلك من انعكاس على مصالح المواطنين.
3 - تقاعس مجلس النواب، الذي مدّد لنفسه مرتين، عن الاجتماع الا بشكل استثنائي وضمن شروط وشروط مضادة.
4 - تفكك الإدارة العامة، وتفشي مظاهر الفساد في مفاصلها، والامعان في التهرب من إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
5 - عدم تقوية الجيش ومختلف القوى الأمنية عدة وعدداً وسلاحاً ورواتب، ومحاولة إدخالها في زواريب السياسات الضيقة.
6 - تفاقم ازمة جمع النفايات وانكشاف ضلوع اطراف مختلفة في السلطة باستغلال هذه القضية لتأمين المكاسب المالية على حساب المواطن.
7 - تدفق ما يزيد عن مليوني مهجّر سوري وفلسطيني الى مختلف المناطق اللبنانية الامر الذي اوجد ضغطاً على الاقتصاد والمجتمع ومؤسسات القطاعين العام والخاص. مع استمرار هجرة اكثر من 84 ألف لبناني الى الخارج سنوياً.
ان هذا التدفق، الذي لا نظير له في أي مكان في العالم، يحمل خطر تغيير هوية الدولة اللبنانية، واحتمال تقويض مقوماتها باعتبار ان الديموغرافيا توجه التاريخ.


وفي موازاة الأوضاع الداخلية المتفاقمة ماذا يحصل في الإقليم العربي المحيط؟
1- استمرار الزلزال السوري.
2- استمرار الانهيار للعراق دولة ومجتمعاً واقتصاداً، وبروز تفكيك مشوه لمكونات بلاد الرافدين.
3- وجود خطر فعلي على كل دول المنطقة من "تنظيم الدولة الإسلامية" الذي تعدى ارهابه المشرق العربي.
4- استمرار أنظمة القمع والاستبداد في قهر شعوبها زاعمة انها أنظمة علمانية، وطرح الخيار بينها وبين الإرهاب الداعشي!!
5- المنظومة الإقليمية التي تسعى إيران الشيعية ان تهندسها تحت وصايتها بما يخدم مصلحتها وفقاً لحساباتها الخاصة. في المقابل ثمة كتلة سنيّة تتزعمها المملكة العربية السعودية – ومعها الى حد كبير مصر ودول الخليج وتركيا – تتجابه مع الخطة الإيرانية.
6- ان تحلل كيانات الدول في المشرق وتفككها الى وحدات طائفية وقبلية ومذهبية، وانهيار مفهوم الحدود وسيادة الدول على اقاليمها الجغرافية، يصب ولا شك في مصلحة المشروع الصهيوني الذي يقضم ارض فلسطين من خلال الاستيطان ويرفض تطبيق القرارات والاتفاقيات الدولية.
7- في مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية، قال مدير المخابرات الفرنسية برنار باجوليه: "ان الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة... واشك ان يعود مجدداً". وابدى مدير الـCIA جون برينان وجهة نظر قريبة من وجهة نظر نظيره الفرنسي.
8- المسؤول السابق للمخابرات الألمانية اوغست هانينغ يعتقد "انه يجب علينا التفكير في رسم حدود جديدة للشرق الأوسط" وان اللاجئين الذين أتوا الى لبنان، في اكثريتهم "سيبقون فيه".
9- إزاء ديناميات الانهيار الداخلي، وإزاء توقعات مسؤولي المخابرات في العالم، هل تستطيع الدولة اللبنانية ان تنجو من لهيب المنطقة؟ ام ان هذا اللهيب سيطاولها بنيرانه انطلاقاً من ان لبنان وسوريا هما توأمان سياميان وعندما مات الأول مات الثاني؟
وهل ان المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى اقتصرت على هذا الموضوع ام انها تطرقت الى ترتيبات تتعلق بتوزيع مناطق النفوذ؟


ثانياً: احتمالات مطروحة
هناك احتمالات عدة يمكن ان يتجه نحوها لبنان. وذلك مرهون بديناميات القوى الاجتماعية في الداخل، وتحولات السياسات الإقليمية والدولية في الخارج.
الاحتمال الأول: اذا كانت الإيجابية الأساسية لهذه الصيغة انها أوقفت الحرب وابقت الدولة اللبنانية موحدة، فإن من سلبياتها الكبرى انها شرّعت إدارات الدولة امام اعداد غفيرة من الأشخاص الذين لم يدخلوا على قاعدة الكفاءَة او من خلال مجلس الخدمة المدنية، بل دخلوا لأنهم ينتمون الى هذا الزعيم او ذاك، في ظل الوصاية السورية، ودون مراعاة التوازن الوطني المطلوب، والذي ميّز الحقبة الشهابية.
ومن السلبيات ايضاً صدور مرسوم التجنيس – بدل القانون الذي نص عليه اتفاق الطائف- الامر الذي اوجد واقعاً جديداً لم يحصل مثيل له في أي مجتمع آخر (تجنيس 90 الفاً دفعة واحدة) ومن السلبيات وقوع المجتمع والاقتصاد تحت وطأة دين عام يصل الى 80 مليار دولار، والى دولة بدون موازنة منذ العام 2005. ان شلل المؤسسات حالياً هو حافز للتفكير في معالجة أسباب الخلل الحاصل في الصيغة القائمة.


الاحتمال الثاني: اذا كانت الحروب السورية المندلعة ستوصل، كما صرح زاسبكين السفير الروسي في لبنان، الى نظام فيديرالي في سوريا. فإن في لبنان من يطالب بتخطي صيغة الطائف، ورفض التقسيم، والدعوة الى الفيديرالية التي تضمن حقوق الجميع ومساواتهم دون استثناء. ثمة مؤسستان تؤمنان شروط النجاح لهذا التوجه: المجلس الفيديرالي الذي يمثل الوحدات الفيديرالية ويدافع عن حقوقها تجاه السلطة المركزية والمحكمة العليا التي تبت بكل النزاعات والاختلافات في تفسير الدستور والقوانين بين السلطة المركزية والسلطات الاتحادية.
الاحتمال الثالث: اذا تفاقم الصراع الشيعي – السني ووصل الى حد الصدام المسلح فإن نتائجه ستكون وخيمة على وجود الدولة اللبنانية. وكما يحصل في سوريا فإن المناطق اللبنانية يمكن ان تشهد عمليات فرز سكاني تحصل على وقع عمليات إرهاب وترويع جماعية. في هذا السياق يمكن ان تغذي إسرائيل هذا الصراع وتحقق مخططاتها بتعديل حدودها الشمالية في اتجاه أعالي جبل الشيخ ومياه الليطاني، وتقوم هي الأخرى بعمليات تهجير جماعية.
الاحتمال الرابع: العلمانية الشاملة اذا كانت تعني استقلالية الدولة والمجتمع ومؤسساتهما وقوانينهما، وقضاياهما، وسلطاتهما عن المؤسسات والقوانين والسلطات الدينية. والاستقلالية هنا تعني الحياد الإيجابي الذي يجعل كل طرف يعتبر ويقدر الآخر وقيمه وإمكان مساهمته في اكتمال الانسان.
مع العلمانية الشاملة يصبح هناك أولوية للانتماء الوطني للبنان على الانتماء الطائفي، وتتعمق الوحدة الوطنية الشعبية، بدل الاتحاد الفيديرالي بين المجموعات الطائفية. وتتوسع السيادة الوطنية وتنتفي عن لبنان أي صفة دينية او طائفية معينة. وهذه العلمانية الشاملة تساعد على إقامة العدالة الاجتماعية الفعلية، وتساعد على ممارسة الحرية الفعلية، وتساهم في تأصيل الديموقراطية الصحيحة.
هذا التوجه هو الحل الأمثل، وهناك قوى اجتماعية مؤيدة له على امتداد المجموعات اللبنانية. لكن ليس هناك من ينسق بين هذه القوى فتستمر القوى الطائفية المرتبطة بالقوى الخارجية، هي الأكثر تأثيراً.


ان الميثاق الوطني اللبناني المكتوب (عام 1938) هو المرجعية التي تعلو على الدستور اللبناني، وهو الأساس الذي يشكل القاعدة في تحديد مستقبل لبنان. وان الخروج على أسس هذا الميثاق هو دخول للشعب اللبناني في المجهول.
لبنان الى أين؟ لبنان الى حيث أراده كبار المؤسسين: الى الاستقلال والوحدة والسيادة ضمن كامل حدوده، والى الحياد بين العرب اذا اختلفوا والى تأييدهم اذا اجتمعوا، والى الابتعاد عن سياسة المحاور شرقاً وغرباً، والى العلمانية الشاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وممارسة الحرية وتحقيق الديموقراطية المتكاملة المضامين. لبنان الحوار ورفض العنف واحترام حقوق الانسان وقيادة النهضة والتقدم في عالمنا العربي الأوسع.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم