الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بئس الموارنة!

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

لا يهمّني الجدل التاريخي والديني المحيط بشخص مارون الناسك. أحتفظ بصورته الروحانية الراسخة في الأذهان، وهي كافية لكتابة هذا المقال، ولمساءلة الموارنة عموماً، وخصوصاً كنيستهم، ورجال دينهم ودنياهم، وطبقتهم السياسية والاجتماعية والمالية، عما يربطهم بهذا القديس، زهده، إيمانه، ورسالته. سأتفادى التعميم. ثمّة بالتأكيد موارنة قدّيسون، الآن، من أهل الروح والقلب، يتعمشقون بالإيمان، والقيم، والأخلاق، والحرية. ثمّة بينهم أهل دنيا، عقلانيون، مدنيون، علمانيون، دولتيون، من أصحاب العقل والمعرفة والرحابة الروحية والإنسانية. هؤلاء قلّة، للأسف، على كثرتهم. لأن الكَذَبة والمرائين والفرّيسيين من الموارنة يشغلون الواجهات الروحية والسياسية والمجتمعية، ويصادرون الناسك مارون، ومارونيته، ويشوّهون كل ما يتصل بهذا الاجتهاد الإيماني، وبتجلياته وتفاعلاته في الأرض المشرقية الأولى.


هؤلاء الذين يحتفلون، اليوم، بالناسك مارون، ويقيمون المباهج والمراسم، ويحتلّون الشاشات والإذاعات والصحف، فلنسمِّ واحداً منهم، واحداً فقط، هو على صورة مارون هذا. شخصياً، أجهر أن لا أحد من هؤلاء يستحقّ هذه الصورة. إنهم والغون في الصغائر، والأحقاد، والتسابق على الأمجاد الحقيرة، والارتكابات، وأنواع الفساد، والموبقات كلّها. ولا ورع.
قد كان زمنٌ ليس ببعيد، يتشرّف فيه المرء بأن يكون مارونياً، أكان من أهل الدين أم الدنيا. أما في هذا الزمن اللئيم، فأقول بصوتٍ غاضبٍ، ممزوجٍ بالقهر، إن المرء لا يتشرّف البتة، بأن يكون مارونياً، على غرار موارنة أهل الدين والدنيا هؤلاء، مع تفادي التعميم طبعاً. لأنهم – وهذا أقوله على مسؤوليتي المعنوية – يقيمون في قحط رهيب. قد كان الموارنة قبل زمن ليس ببعيد يُحتَذَون، لبنانياً وعربياً، في كل شيء، في الحرية، في الثقافة، في حراسة سلّم القيم والمعايير، في الإيمان بالدولة، والقانون، وفي النزاهة. ترى، ألا يزال هذا الاحتذاء قائماً؟ هل ثمّة، بعد، مَن في سرّه وعلنه، يحترم هؤلاء الموارنة، في ما آل إليه مصيرهم؟!
ليس مطلوباً من الموارنة، اليوم، أن يكونوا أهل زهد ونسك، بالمعنى الحرفي للكلمة. مطلوبٌ منهم أن يكونوا موارنة من أهل العقل والدولة والرؤيا والبصيرة والحكمة والرقيّ والرفعة الأخلاقية والفكرية والثقافية فحسب. هذا عن الموارنة في الحيّز العام للسياسة والمجتمع، أما عن الموارنة في الحيّز الديني والكنسي البحت، فأترك الكلام للمسيح نفسه، وخصوصاً كلامه عن القلوب والقبور المكلّسة والأقوال والأفعال، لأنه ينطبق أيّما انطباق على القائمين بالأمر. ونقطة على السطر! هذا ليس وعظاً. إنه، في يوم الناسك مارون، استحضارٌ له، ولفرنسيس الزاهد المتقشف، أسقف روما، ورصدٌ لبعضٍ من واقع الحال الماروني. فيا لبئس الموارنة!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم