الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

في الذكرى الأولى لتحرير مدينة كوباني

جوان سوز وآريا حاجي- صحافيان كرديان
في الذكرى الأولى لتحرير مدينة كوباني
في الذكرى الأولى لتحرير مدينة كوباني
A+ A-

"كوباني" ما إنّ يُذكر اسم هذه المدينة، سرعان ما يبادر إلى الذهن كلمتي "المقاومة والصمود" تلك المدينة الكردية السورية التي تقع شمال البلاد على الحدود السورية التركية والتي تبعد عن نهر الفرات نحو 30 كيلومتراً، حيث تتميز شوارعها بالنظام "الفرنسي" فما إنّ تقف في الجهة الشرقية من المدينة حتى يصبح بإمكانك أن ترى الجهة الغربية لشدة استقامة شوارعها وتنظيمها، كما تُعرف بالتل الشهير "مشتى نور".


وقد تحوّلت المدينة التي عرّبها النظام السوري إلى "عين العرب" إلى أسطورةٍ كُرديّة، نتيجة مقاومتها لصد هجمات تنظيم #الدولة_الإسلامية عليها في شهر أيلول من عام 2014 من وحدات حماية الشعب والمرأة وإلى جانبهما قوات البيشمركَة الكردستانية وكتائب من الجيش السوري الحرّ.


ففي السادس عشر من شهر أيلول من عام 2014 هاجم مقاتلو تنظيم "داعش" مدينة #كوباني من محاور عدة وكانت أشدها على ريف المدينة، الأمر الذي أثار مخاوف أهالي تلك المنطقة، حيث فرَّ الآلاف منهم باتجاه الحدود التركية منتظرين أن تسمح لهم تركيا بمرورهم إلى أراضيها.


"رحلة الخوف والنزوح"


أصوات بكاء الأطفال جوعاً وحرقة قلوب الأمهات. لرجال الذين يعيشون حالة ترقّب شديدة ويسيرون بكل حذر خوفاً من الألغام على طول الحدود بين البلدين "سوريا وتركيا"، وكذلك القهر والخوف على مصير من لم يتقبل فكرة الخروج من مدينة كوباني. كل هذه المشاهد يتذكرها عمر وهو يقلب صورها في ذاكرته، حيث يبدو الحزن واضحاً على وجهه، وهو يحاول أن يحبس دموعه ويكمل حديثه عن رحلة نزوحه من كوباني إلى #تركيا لـ "النهار".


عمر، شابُ كردي سوري، يبلغ من العمر 31 عاماً، وهو من قرية "قجّك" الواقعة في الريف الجنوبي من مدينة كوباني، يقول لـ "النهار" إنّ قريته نالت نصيبها من الدمار، وأنه اضطر لمغادرته كبقية سكان الريف الجنوبي إلى مدينة كوباني، وهو يظن أنها حالة موقتة ستنتهي بعد ذلك بعودته إلى قريته من جديد.


في بعض الأحيان كان يحاول عمر مع بعض الشباب العودة إلى قريته، كان يرى كيف يقوم مقاتلو التنظيم بقصف ريف مدينة كوباني بالأسلحة الثقيلة. أمضى ليلته الأولى في كوباني ولم يعرف النوم طريقاً إلى عينينه، وفي صبيحة اليوم التالي اقتربت قوات "داعش" حوالي عشرين كيلومتراً من المدينة، ليتوجه عمر وعائلته في ظهيرة اليوم ذاته إلى الحدود التركية مع نصف أهالي المنطقة الشرقية من المدينة قائلاً: "لقد تركت كل ما أملك خلفي في المنزل".


يتنهد "عمر" تنهيدة طويلة ويكاد ينهي علبة السجائر وهو يطفئ واحدة ويشعل الأخرى ثم يعود ليصف حالة النازحين في تلك الأثناء وكم كانت مأسوية، ليتابع حكايته قائلاً: "لا أستطيع أن أنسّى تلك اللحظات، فمع قدوم الليل انقطعت الكهرباء جراء الاشتباكات بين التنظيم والقوات الكردية. ساد ظلامٌ حالك، لهذا السبب اضطرت العائلات أن تربط أطفالها وحقائبها بحبالٍ طويلة بأنفسهم خشية من ضياع أحدهم. في هذا الوقت تم قصف شركة «"افارج" للاسمنت وارتفعت سحبها الدخانية".


ويستمر عمر بالقول"ساد رعب كبير بين الأطفال وقتها، ومع غروب الشمس تمكن الجميع من دخول الأراضي التركية وبعد ساعة توزعوا على الحدائق والجوامع في بلدة "سروج" التركية الحدودية مع كوباني، بينما شخصياً فتوجهت بعد ذلك لمدينة غازي عينتاب، حيث أمضيت هناك ثلاثة أيام ولم أحتمل البقاء لوقتٍ أطول من هذه المدة. كانت العودة إلى كوباني مستحيلة، حيث قام تنظيم #داعش بنحر المسنّين ممن رفض الخروج من المدينة، لذلك قررت الذهاب مع عائلتي إلى الجزيرة السورية، حيث انتهى المطاف بي بالسكن في بلدة "ديريك".


"كوباني تحت النيران"


تمكنت قوات تنظيم "داعش" من الدخول إلى مدينة كوباني بعد اشتباكات عنيفة بينها وبين وحدات حماية الشعب و المرأة أواخر عام 2014، حيث دعت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك لتشكيل قوات تحالفٍ دولي ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق من خلال شنّ غارات جوية على مواقعه في هذين البلدين.


وبعد مرور قرابة شهر من دخول تنظيم "داعش" إلى المدينة، باشرت قوات البيشمركة بالدخول إليها لمساندة المقاتلين الكُرد من وحدات حماية الشعب والمرأة بعدما سمحت تركيا لهم بالمرور عبر أراضيها، لتخوض هي أيضاً المعركة جنباً إلى جنب مع وحدات حماية الشعب وكتائب من الجيش السوري الحرّ ضد تنظيم "داعش".


"كوباني تتحرر"


بعد الحصار والمعارك التي دامت نحو أربعة أشهر، تمكنت القوات المشتركة بمساندة جوية من قوات التحالف الدولي من تحرير مدينة كوباني في 27 كانون الثاني من عام 2015، ليبدأ قسمٌ من أهالي المدينة بالعودة إلى منازلهم، حيث بدأت الحياة تعود لطبيعتها شيئا فشيئاً، فيما عمّت الفرحة المناطق الكردية لهذا التحرير، واستمرت في في معظم أجزاء كُردستان والمهجر.


"فرح غير مكتمل"


لم يستوعب مقاتلو تنظيم «داعش» الخسائر والانكسارات الكبيرة التي لُحقت بهك في مدينة كوباني، ففي 25 حزيران من عام 2015، دخلوا متنكّرين بالزي الرسمي لقوات الجيش الحرّ، وقتلوا 23 مدنياً بحسب مصادر حقوقية كردية في الريف الجنوبي من المدينة بينهم مسنّين وأطفال ونساء بعدما تمركزوا على أسطح المباني وأطلقوا النار على كلّ من كان يمرّ من أمامهم.
وأصدرت وحدات حماية الشعب بياناً صحفياً، قالت فيه"إنّ أكثر من 80 مقاتلاً من تنظيم "داعش" دخلوا المدينة، وارتكبوا مجزرة بحق الأهالي بأسلحة كاتمة للصوت وأسلحة بيضاء، وكذلك عن طريق سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة، " فيما أكد المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية المدنية في كوباني "أن الضحايا، قد تجاوز عددهم 230 مدنياً بينهم، إضافة لجرح أكثر من مائتين آخرين".


"كوباني الرقم الصعب كُرديّاً ودولياً"


لم تستسلم مدينة كوباني، وهاهي إلى الآن، تقف في وجه كلّ من يود الاقتراب منها، حيث استطاعت بشجاعتها، أن تصبح رقماً صعباً واسمها مهماً يذكر في المحافل الدولية، ويستشهد به للتخلص من الإرهاب الذي يضرب منطقة الشرق الأوسط، إضافة أنها كانت الساحة الوحيدة التي جمعت القوات الكردية من الأجزاء الكردستانية الأربعة من إيران وتركيا وسوريا والعراق، وهي تنتظر الآن إعادة اعمارها من جديد، في انتظار عودة أبناءها مرة أخرى.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم