السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أفول زمن القائد وجيوشه الفضفاضة

المصدر: "النهار"
براء صبري- كاتب كردي سوري
أفول زمن القائد وجيوشه الفضفاضة
أفول زمن القائد وجيوشه الفضفاضة
A+ A-

ولى عهد الجيوش الفضفاضة إلى غير رجعة، في المدى المنظور على الأقل. فالنظام السوري، ورئيسه الأسد الابن، يتبجح اليوم بتدميره ترسانته الكيميائية تماماً، ويتباهى بنجاحه في تطبيق القرار الدولي الخاص بتجريده من سلاحه! والذي لم يستطع خلال مسيرته الدموية استخدامه إلا على أبناء بلده المعذبين. علي عبدالله صالح حوّل قواته كلها كتلةً من الخدمات في يد الحوثي، وكان بفعلته هذه أن حولها وميليشيا الحوثي معاً لصيد مجاني لطائرات دول التحالف العربي فقط لانه يرفض تقبل الانصياع لاتفاق سياسي اختار معظم بنوده هو نفسه. ومثلهما كان حسني مبارك الذي ترجى الخير والخلاص من أصوات الجماهير في ميدان التحرير عند تسليم المقاليد لجيشه.


قبل كل هؤلاء كان القذافي قد سلم مواقعه السرية بُعيد سقوط بغداد أمام الأميركيين في نيسان 2003 طواعية حمايةً لنفسه، وكان يتباهى بمدى حنكته لكونه كشف كل ما يملك من مواقع عسكرية سرية وغير سرية للغرب. وبالتالي، النجاة بكرسيه الذي لا يشبه كرسي أحد من حيث التسميات. وقبلهم جميعاً كان صدام حسين رجل "الجحر التكريتي" قد سلم كل شيء يعتبر ذا قوة من مواقعه العسكرية لذات الجهة (الغرب)، لينجو بكرسيه هو الآخر، ومجدداً من دون إفادة تذكر.


رغم اشتراك كل من سبق ذكرهم بموشحة العدو العالمي المتربص بالقائد، وشعبه الصامد، وبالسمفونية المملة التي عنوانها (قائدنا رمز الصمود وراعي المناضلين)!،
لماذا هذا الإنحطاط لهذه الدول؟ ولماذا هذا الأفول لجيوشها وقادتها؟ ببساطة: لأن "كل مابني على باطل فهو باطل" مقولة شعبية تنطبق على عقول شعبوية لأسياد هذه البلاد. كيف لا وكل تلك الجيوش تُؤسس نفسها على حساب شعوبها المكسورة في غمار يوميات حياتية متعبة مرفقة بصدى صوت القائد والثورة والتحرير. كيف لا وهذه الجيوش أسست اصلاً على حساب التنمية الحقيقية المطلوبة، وعلى حساب الحريات، والتفاعل الديموقراطي، والتشاركية المجتمعية في القرارات السيادية التي يفترض جلها أنها مغلفة بعناوين لقوالب تسمى "الجمهوريات". قوات كاملة تتشكل لحماية القائد الرئيس من شعبه؟! فكان الرئيس وتلك القوات عبارة عن فقاعة انفجرت من غير حتى صدى صوت يسمع، ودون أي تبعات قيمية تدون للذاكرة.
هناك آخرون على هذا النهج لم يتبقَّ لهم سوى تراتيب مماثلة قادمة بحسب المراحل الوقتية. فالجيش التركي لم يكن في يوم من الأيام ذَا صدقية ليحميه ويحمي سيده تحديثات الناتو المستمرة، والتي أصبحت شحيحة أخيراً. كتل جماهيرية كبيرة من الشعوب التي تقطن تركيا تنظر بعين الرّيبة لجيشها، ولأي رئيس من رؤسائها يسعى إلى التبجّح بجيش البلد. ولا نحتاج إلى ذكر كيف أن إيران استسلمت في اللحظات الأخيرة وهي تشتمّ جزءاً من انبعاثات مفاعلاتها النووية لتعود إلى المربع الأول، وترضى بصواريخها التقليدية الحزينة التي تحمل أسماء من عالم التشيّع الذي تروج له، كـ "تقية" لكونها لا تختلف عن كل المذكورين بشيء. وتالياً، لحظات الخلود المنتظرة ستختفي أمام أول أمتحان جدّي ينتظرها، وإن كان يحتاج ترتيبه إلى بعض الوقت، ولكنه قادم لا محالة.
لماذا هذا الحديث الآن؟ لأن المعايير أصبحت مختلفة وانقلبت رأسا على عقب. فالجيوش التي صدعت رأسنا بها الجوقات القوموية للقادة المستبدين أصبحت ميليشيات أو شبه جيوش. والقوى التي كانت بنظر ذات القادة والجيوش السابقة الذكر عبارة عن عصاة أثبتوا بانتظامهم وصبرهم ومحاربتهم الجدية في وجه الإرهاب في جغرافية متخمة به (الإرهاب) كقوات البيشمرگة ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وبعض كتائب الجيش الحر السورية "المهمشة" هذه الأيام أنها هي من تستحق تسمية "الجيوش النظامية"، والتي بدأ عملياً العمل على تنظيمها على أساسه. ففيالوقت نفسه الذي بدأ الفاعلون الدوليون تشليح الآخرين الذين يفترض بهمأنهم جيوش رسمية سلاحهم، ونزع الشرعيات القانونية التي يحتمون بها، بدأت رياح تبرعات السلاح تصل إلى هؤلاء العصاة القادمين لتصحيح المغلوط. لكن، لا يمكن المتأطرين الجدد أن يسمحوا لنفسهم سلك الطريق الذي انتهى الآخرون به في رفوف التاريخ القاتمة. بل على الجميع من الذين سيشملهم التنظيم الرسمي القادم أن يكتسب خبرته من تجارب الآخرين لئلا تتحول المسيرة إلى دائرة يدور الجميع داخلها، ومع كل دورة بتسمية ونهج جديدين فارغين من كل شيء يدعو للاحترام، تاريخياً على الأقل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم