الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

ترحّمٌ على عهد جورج بوش الابن ...

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ترحّمٌ على عهد جورج بوش الابن ...
ترحّمٌ على عهد جورج بوش الابن ...
A+ A-

"لماذا أفتقد جورج دبليو بوش؟" بهذه الكلمات عنون الكاتب مهدي حسن، في صحيفة "نيويورك تايمس" الأميركيّة مقالته أمس، مفتتحاً باباً جديداً للنقاش القديم القائم على دور الرجل في تغيير معالم الشرق الأوسط، ومساهمته في افتتاح مرحلة جديدة في النظام السياسي العالمي.


في الأساس، يُرجِع كثيرون سبب اندلاع الحروب وانتشار الخراب في المنطقة الى إطاحة الرئيس الأميركي السابق #جورج_بوش_الابن بالرئيس العراقي السابق #صدّام_حسين. ولعلّ تلك المقاربة تنطلق من معادلة أساسيّة تشعل الصراع السياسي والعسكري حول ثنائيّة الاختيار بين الأنظمة الاستبداديّة والتطرّف.


وبغضّ النظر عن صوابيّة هذه الثنائيّة من عدمها، سيبقى احتلال العراق مسألة فيها وجهة نظر بالنسبة الى الباحثين الغربيّين. فقد يرى قسم منهم أنّ الإطاحة بنظام صدّام حسين- ولو لم يكن يملك أسلحة دمار شامل – حملت إيجابيّات عدّة، من بينها دفع الرئيس الليبي السابق #معمّر_القذّافي الى التخلّي عن برنامج ليبيا النووي وتفكيكه، بالإضافة الى إعطائه الأميركيّين معلومات عن برامج ومشاريع نوويّة لدول وشبكات أخرى.


ويجادل بعض الأميركيّين في أنّ "تهوّر" بوش أفضل من "تردّد" الرئيس الحالي #باراك_أوباما الذي أفقد الولايات المتحدة هيبتها تجاه باقي دول العالم، خصوصاً بعد الأزمات التي ولّدها امتناعه عن مواجهة المشاكل في بداياتها، أو التراجع عن بعض الخطوط الحمر التي وضعها بنفسه.


لكن لمهدي حسن أسبابه المغايرة. فهو بدأ مقالته بالقول إنّه كبريطاني لم يكن يؤيّد الاحتلال الأميركي للعراق. "لكن كمسلم أتى للعمل في #الولايات_المتّحدة، كان عليّ إعادة النظر في موقفي". ويذكّر بالمؤتمر الصحافي الذي عقده بوش في المركز الاسلامي في واشنطن والذي قال فيه إنّ وجه الإرهاب ليس من الإسلام الحقيقي في شيء. كان ذلك في أقلّ من أسبوع على هجمات 11 أيلول الإرهابيّة.


وذكّر أيضاً بأنّ هذا الشعار وشعارات مشابهة تبرّئ الإسلام من القتل وتوثّق صلته بالسلام ظلّ يردّدها بوش في الأشهر والسنوات التي تلت الاعتداءات. وأهمّ ما جعل الكاتب يتذكّر الرئيس الأميركي السابق هو انتماؤه للحزب الجمهوري، الحزب الذي يترشّح الى انتخاباته التمهيديّة "مروّجو الخوف والحقد ضدّ الإسلام" الذين خلقوا "جوّاً خانقاً" ضدّ المسلمين.


وبالفعل، من يتابع المناظرات المتلفزة لهؤلاء المرشّحين، أو إطلالاتهم الاعلاميّة يلاحظ تطرّفاً كبيراً وتسويقاً سياسيّاً معادياً للمسلمين في الولايات المتّحدة أو على الأقل غير محبّب اليهم. ليس هذا وحسب، بل إنّ المرء يلاحظ أيضاً سباقاً في هذا المجال بين المتنافسين، كأنّ الهدف النهائي هو شدّ العصب من أجل كسب التأييد الشعبي مع وضع المعايير الموضوعيّة جانباً.


وساق حسن أمثلة عدّة حول المسألة من بينها ادّعاء دونالد ترامب أنّ مسلمي نيو جيرسي احتفلوا بسقوط برجي التجارة في 11 أيلول. هذا الأمر، الى جانب ثبوت بطلانه، فيه من المبالغة الكثير إذ قال ترامب أنّه "رأى الآلاف والآلاف" فرحين لسقوط البرجين، وهذا مستحيل عمليّاً. ولم يبدِ ذلك المرشّح استبعاداً لفرضيّة الطلب من المسلمين أن يحملوا "هويّات خاصّة تبرز إيمانهم".


وانتقد أيضاً جرّاح الأعصاب #بن_كارسن الذي اعترض على وصول مسلم الى رئاسة الجمهوريّة الأميركيّة لأنّ "الاسلام غير متوافق" مع الدستور. وأشار أيضاً الى حاكم ولاية فلوريدا السابق #جيب_بوش الذي أبدى تفضيله إعطاء حقّ اللجوء للمسيحيّين فقط. علماً أنّ هذا الأخير هو الشقيق الأكبر للرئيس بوش. وهكذا انكبّ جميع المرشّحين الجمهوريّين الآخرين على التباري في عرض السياسات التي يرون فيها "حماية" للولايات المتّحدة من الاسلام.


ولم يستثنِ الصحافي إلّا حاكم نيو جيرسي كريس كريتسي الذي أبقى نفسه بعيداً عن الانجرار في هذه الدهاليز، لا بل انتقد "المجانين" و "حماقتهم" عن الشريعة الاسلاميّة. لكن في السياق نفسه، بدا التذكير واجباً في ما يتعلّق بالنسبة المنخفضة التي تؤيّد كريستي، والتي بيّنت آخر الاحصاءات أنّها لا تتخطّى عتبة 3% من الجمهوريّين.


ويرى حسن أنّ بوش كان أوّل رئيس يزور مسجداً أميركيّاً في عيد الفطر سنة 2002. ولا يخفي الصحافي اعتقاده بأنّ ذاك الرئيس "يمكن أن يكون" قد تسبّب بالأذيّة للمسلمين في الخارج، لكنّه في الداخل الأميركي "رفض التكاسل الذهني القاضي بالخلط بين الإسلام والارهاب".


ومن الممكن أيضاً ألّا تخرج تصريحات الجمهوريّين عن إطار التنافس الهادف الى كسب الشعبيّة عن طريق المزايدات. لكنّ الفوز عبر استخدام هذه الأساليب لا يخلو من مخاطر عدّة، على رأسها نظرة المسلمين الأميركيّين نفسهم الى الدولة التي ينتمون إليها وطريقة تعاطي السلطات السياسيّة معهم كمواطنين، لهم من الحقوق ما للآخرين وعليهم من واجبات ما على سائر المواطنين. ويحتمل لتلك الخطابات أن تزيد نظرة التشكيك او الكراهية من قبل جزء كبير من مسلمي العالم الى الدولة الأميركيّة.


وتزداد الأمور سوءاً حين يعمد بعض هؤلاء المرشّحين الى استخدام مصطلحات بعيدة عن الواقع، ولا تدلّ إلّا عن جهل كبير بالتعاليم الإسلاميّة. ففي أيلول الماضي، ذكر بن كارسون لمجلّة "ذو هيل" الاميركيّة ما هو فضائحيّ بالنسبة لمستوى اطّلاعه على الاسلام فخلط الحابل بالنابل قائلاً:" التقيّة جزء مكوّن من الشيعة، وهي تسمح بل تشجّع على الكذب من أجل تحقيق أهدافك".


ويبقى انتظار المناظرات الجمهوريّة المقبلة لرؤية إذا كان النسق سيستمرّ على حاله أو يصبح أكثر موضوعيّة. لكن بالنسبة الى الأجواء العامّة، الاميركيّة والعالميّة، لا شيء يوحي بسلوك هذه النقاشات منحى آخر. وكان موقع "فوكس" الأميركي توقّع بداية الخريف أن تزداد شعبيّة كارسن. وأوضح قائلاً:" كترامب هو يثبت دعمه لأفكار لديها شعبيّة واسعة بين المحافظين على مستوى القاعدة"، لكنّها في نفس الوقت "تثير الرعب في نفوس القادة في المؤسّسة الجمهوريّة".


وانطلاقاً من هذا التغيير الذي طرأ على آليّة التفكير في أروقة الجمهوريّين وخطاباتهم ومناظراتهم في الآونة الأخيرة، لاحظ كثر الأفكار الغريبة التي يتبنّاها السياسيّون الجدد في تلك المؤسّسة. وكشخص لم ينتمِ إليها ولا الى أفكار الرئيس السابق الذي تخرّج منها، يوضح مهدي حسن التطوّر الذي طرأ على رؤيته للأمور:" لم أظنّ يوماً أنّني سأقول ذلك، لكنّني الآن أشتاق الى حزب جورج بوش الجمهوريّ".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم