الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

487 يوماً من الأسر... كيف بدأت وكيف انتهت؟

المصدر: "النهار"
محمد نمر
487 يوماً من الأسر... كيف بدأت وكيف انتهت؟
487 يوماً من الأسر... كيف بدأت وكيف انتهت؟
A+ A-

748 يوماً على أسر جنود الوطن في معركة عرسال التي اطلقت شرارتها الأولى في الثاني من آب 2014، عند أحد حواجز الجيش اللبناني حينما أوقف قائد لواء "فجر الاسلام" ومبايع "داعش" عماد أحمد جمعة. وقبل شهر واحد من نهاية العام 2015 كانت النهاية سعيدة بالنسبة إلى العسكريين لدى "النصرة". ونجح الأمن العام بمساعدة مؤسسة "لايف" على اتمام صفقة تبادل برعاية قطرية مع "جبهة النصرة" وبالتالي تحرير 16 عسكرياً كانوا طوال 16 شهراً يعيشون في الجرود مع المسلحين، لكن سنة 2015 بالتأكيد ستكون نهايتها مقلقة وصعبة بالنسبة إلى أهالي العسكريين لدى "داعش".


سنة 2015 وقبل اتمام الصفقة في الشهر الأخير وعودة الوساطة القطرية، لم تحمل الكثير، والتفاوض في الاشهر السابقة كان شبه مشلول، لكنها تميّزت بزيارات الأهالي إلى الجرود لملاقاة أولادهم. ولم يعنهم حينها مشقة الرحلة ولا الطرق الوعرة أو "الحواجز الداعشية"، همهم الأولى كان رؤية العسكريين. وبعد زيارة جورج خوري في أيلول 2014، استهلت زيارات 2015 في الأول من كانون الثاني مع حمزة حمص والد العسكري وائل، وبعدها زيارة للرقيب الاول في قوى الامن الداخلي جورج خزاقة، وأخرى للعريف في قوى الأمن ماهر فياض، وتوّجت الزيارات في أيلول الماضي مع زيارة جماعية لأهالي العسكريين الـ 16.



ولم تخلُ السنة هذه من الشائعات، والسموم التي أرهقت الأهالي، ومنها تسريب معلومات في بداية 2015 بأن "داعش" في صدد اطلاق عسكريين اثنين أو ثلاثة كبادرة حسن نية، لكن لم يحصل شيئ من هذا القبيل. ومن أبرز تحركات العسكريين كانت في آذار عندما قطعوا الطريق الصيفي عند مدخل وسط بيروت، بفعل شائعات تحدثت عن إعدام عسكريين في الجرود.
ولا يزال حال أهالي العسكريين لدى "داعش" على حاله، لا معلومات، لا فيديوات ولا صور، حتى الوسطاء فشلوا في خرق الملف أو تأمين ما يمطئن قلوب الامهات، وتنوعت الشائعات حولهم، منهم قال أن التفاوض مع "داعش" صعب، وأخرون رجهوا مقتل العسكريين، ومنهم تحدثوا عن نقلهم إلى الرقة، خصوصا أن العمليات العسكرية التي انفجرت بين "جيش الفتح - القلمون" و"داعش" لم تظهر أي مكان للعسكريين، وكانت الحرقة الأكبر عندما أصر الأهالي على زيارة مواقع "داعش" في الجرود، لكنهم عادوا حينها من دون تحقيق هدفهم.


 


معركة عرسال البداية
ففي الثاني من آب 2013 وبعد 24 ساعة على ذكرى عيد الجيش، أوقف الأخير قائد لواء "فجر الاسلام" ومبايع "داعش" عماد أحمد جمعة. أمرٌ استفز المسلحين في الجرود، ودفعهم إلى الهجوم على المراكز الأمنية في البلدة، وأسروا أكثر من 30 عسكرياً. دخلت "هيئة العلماء" على خط التهدئة وتعاونت معها مؤسسة "لايف"، واستطعا تحرير خمسة عسكريين، اثنان منهم من الجيش وثلاثة من قوى الأمن الداخلي: كمال مسلماني ومدين حسن وخالد صلح، رامي جمال، وطانيوس مراد. وانتهت المعركة بسحب العسكريين إلى الجرود، وهنا بدأت الحكاية بين دولة بأكثر من 24 رئيس جمهورية (الحكومة) وأهالي عسكريين يقدمون المستحيل من أجل الحفاظ على حياة أبنائهم وخاطفين يستخدمون الأسرى لتنفيذ أجنداته.



العسكريون المخطوفون
من الجيش: ابرهيم سمير مغيط، علي زيد المصري، علي قاسم علي، مصطفى علي وهبي، سيف حسن ذبيان، عبد الرحيم محمد دياب، محمد حسين يوسف، خالد مقبل حسن، حسين محمود عمار، علي يوسف الحاج حسن، جورج الخوري، ريان سلام، ناهي عاطف بوقلفوني، محمد القادري، ابرهيم شعبان، أحمد غية، وائل درويش، واستشهاد منهم محمد حمية برصاص "النصرة"، علي أحمد السيد وعباس علي مدلج بسكين "داعش".
من قوى الأمن الداخلي: بيار جعجع، عباس مشيك، وائل حمص، سليمان الديراني، ميمون جابر، صالح البرادعي، إيهاب الأطرش، لامع مزاحم، زياد عمر، محمد طالب، جورج خزاقة، ماهر فياض، أحمد عباس، رواد بدرهمين، استشهد منهم علي البزال برصاص "النصرة".


مقايضة بموقوفين
بعد أيام من انتهاء المعركة، جمدت مؤسسة "لايف" برئاسة نبيل الحلبي وساطتها، وباتت "هيئة العلماء" الوحيدة في الملعب، لكنها كانت على طريق الانسحاب بعدما أدركت أن امكانية تفويضها رسميا من الحكومة بات مستحيلاً، خصوصاً بعد تعرضها إلى اعتداء خلال دخولها الأول إلى عرسال واصابة الشيخ سالم الرافعي واخرين من الوفد المرافق. وقيل حينها أن مطالب الخاطفين اقتصرت فقط على عدم الانتقام من اللاجئين السوريين، وبدأت اصدارات الفيديوات للعسكريين، فضلاً عن عملية نقل 4 عسكريين كانوا في حوزة جماعة أبو حسن الفلسطيني الذي قتل في المعركة، إلى "داعش" ليصبح لديها 11 عسكرياً، أما النصرة فكان لديها 18، وبرزت حينها معطيات جديدة بأن الجهة الخاطفة تريد مقايضة العسكريين بسجناء في رومية.



تخبط الحكومة والوساطة القطرية
في 18 آب، كان وزير الداخلية نهاد المشنوق حازماً في قراره وقال حينها: "ليس وارداً على الاطلاق منطق التبادل والمقايضة". وبعد تراشق اتهامات بين السياسيين عن الجهة التي تتحمل مسؤولية القضية من جهة والتخبط بين القوى السياسية بين موافق ورافض لمبدأ المقايضة، أعلنت هيئة العلماء في 22 آب تعليق وساطتها، في وقت كانت بدأت تتبلور وساطة قطرية عبر السوري أحمد الخطيب.
استهل أيلول بمشهد دموي يمس اللبنانيين للمرة الأولى، حينما نقل أحد أفراد "داعش" اللبناني أبو مصعب حفيد البغدادي عبر "تويتر" خبر اعدام العسكري علي السيد (ذبحاً)، لينقل في ما بعد الخبر مصوراً (فيديو)، وفي الأول من ايلول استطاعت "هيئة العلماء" أن تحصل على جثة الشهيد وسلمتها إلى القوى الأمنية رغم تجميد وساطتها.
لم تحرك الحكومة ساكناً، وفي 4 ايلول قرر مجلس الوزراء عدم الرضوخ إلى مبدأ المقايضة وعدم الخضوع للمزيدات السياسية. فجاء الجواب في 6 ايلول من الجهة نفسها التي أعلنت عن اعدام العسكري عباس مدلج، ورؤية الأنفاس تذبح مرة ثانية.
رفعت الوساطة القطرية من حجم ضغوطها، ونزعت من الخاطفين شبه تعهد بعدم أذية العسكريين وفق ما ذكرت الحكومة، وفي 9 أيلول كشف عن أول لقاء جمع العسكري جورج خوري بعائلته في الجرود، بمبادرة من الشيخ مصطفى الحجيري، وبعدها بيوم نصب الأهالي خيمة في ساحة الشهداء، وبدأت الاتصالات تتوالى إلى هواتف أفراد عائلات العسكريين لقطع الطرق في القلمون وضهر البيدر والبزالية وغيرها.
منذ البداية أظهر النائب وليد جنبلاط حرصه على حياة المخطوفين، وفور التحدث بمقايضة، طالب بالاسراع في الملف وفي محاكمة الاسلاميين، لكن الأمور ظلت على حالها في انتظار نتائج الوساطة القطرية. ولم تتوقف الفيديوات طوال هذا الشهر، إلى أن بدأت تتحدث "جبهة النصرة" عن طريق مسدوود وحذرت من قتل العسكري محمد حمية، فبدأنا نسمع من البعض في الحكومة عن "مقايضة" وفق القانون اللبناني.


 


عزل عرسال واستشهاد حمية
في هذا الوقت، كان الجيش اللبناني وبعد تطهيره عرسال، يحاول أن يعزلها عن الجرود، وقيل حينها انها من وسائل الضغط على المسلحين لقطع أي إمداد غذائي أو طبي عنهم، فكان الرد في 19 أيلول بنشر خبر استشهاد العسكري حمية برصاص "النصرة".
بعدها بثلاثة ايام، اتخذ الملف شكلاً جديداً، وارتاح البعض بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أعلن فيه تأييد "حزب الله" المفاوضات. وزاد الأهالي من تحركاتهم بعدما لاحظوا أن الأمور لا تزال على حالها، وبدأت التحركات تشكل ما يسمى بعزل البقاع عن بيروت في قطع طريق ضهر البيدر والشمال عن العاصمة بقطع اوتوستراد القلمون مع استمرار غياب نتائج ملموسة.
اجراءات في حق اللاجئين
في نهاية ايلول، شدد الجيش اجراءاته الأمنية، وشن حملة توقيفات في مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال، بعدما تبيّن أن أشخاصاً منهم يساعدون "النصرة" و"داعش" وشاركوا في المعركة، كما تم توقيف كثيرين خلال الحملة وافرج عنهم بعد تبين عدم علاقتهم. أمر استفز الخاطفين ودفعهم إلى رشق تهديدات بالجملة، واشتعل الشارع في طرابلس وعرسال، ورفعت رايات سوداء شبيهة بالتي يحملها "النصرة" و"داعش".
في 26 أيلول، قرر جنبلاط أن يرفع من سقف الضغط بعد ادراكه خطورة الملف، وكلف وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور بدعوة الحكومة الى "حسم امرها واعتماد مبدأ المقايضة، حرصاً على حياة العسكريين وعلى الاستقرار الاهلي". وبدأت عمليات التهدئة بعد التطورات الأمنية، واتخاذ مناطق عدة في لبنان قرارات تمنع دخول اللاجئين وأخرى تحد من وجودهم.
وفي نهاية أيلول عقد علماء بلدة عرسال إجتماعا في "أزهر عرسال" ترأسه مفتي بعلبك - الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، وحضره العلماء السوريون اللاجئون في البلدة. واكدوا فيه "حرمة المخطوف وعدم التعرض له كائناً من كان".
غابت "داعش" عن الساحة، ولم تصدر أي بيانات جديدة، وفي 1 تشرين الثاني أكد علماء منطقة القلمون السورية وعلماء عرسال "عدم تعرّض المسلحين للعسكريين المخطوفين لديهم بأي أذية ووقف قتل أحد منهم"، لكن "النصرة" عادت ونكرت أي تعهد بذلك.
الاعتصام في رياض الصلح
في 8 تشرين، اتخذ الأهالي قرارهم بنقل الاعتصام إلى ساحة رياض الصلح وقطعوا الطرق المؤدية اليها بعد اعادة فتح طريق ضهر البيدر. وفي 15 تشرين الأول، صدرت مذكرة في حق "أبو طاقية" لكن سرعان ما تم سحبها بسبب "تشابه اسماء". وفي 21 تشرين الأول أقدم الأهالي للمرة الأولى على قطع طريق الصيفي.
في الثاني من تشرين الثاني، حدّد الخاطفون مطالبهم، ورموا الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية، ملوحين بذبح عسكريين اذا تعثرت المفاوضات او قوبلت طلباتهم بالرفض، وكان من بين بنود المقايضة، البند الثالث الذي يقوم على مبادلة كل عسكري بـ 5 موقوفين في لبنان و50 امرأة في سوريا، فدارت الفوضى السياسية من جديد، خصوصا بعدما طالبت دمشق من لبنان اتصالا رسميا بحكومتها للتعاون في تنفيذ بعض المطالب، وهو ما دخل في الدائرة السياسية بين مؤيد ومعارض.
وبدأ الوزراء يشددون أكثر على مقايضة تحت سقف القانون، وفي 10 تشرين الثاني أوقف الجيش العقيد في الجيش السوري الحر عبدالله الرفاعي، وبعد قرار القضاء تخلية سبيله قرر الامن العام الاحتفاظ به لـ"استخدامه في المفاوضات"، كما أشيع.


"حسن نية"
وفي نصف تشرين الثاني، كانت الحكومة تتحدث عن ايجابيات لم تترجم بأي تقدم، فعاد الأهالي في 17 تشرين الثاني وقطعوا طريق الصيفي مجدداً، وكان المطلب الأساسي اطلاق سراح جمانة حميد "كبادرة حسن نية" أما "داعش" فطالبت بوقف المحاكمات عن 5 موقفين، صدرت في حقهم أحكام اعدام خفضت إلى مؤبد، وبعدها أتت تهديدات على اثر توقيف طليقة أبو بكر البغدادي سجى الدليمي وزوجة الشيشاني علا العقيلي، وكان السبّاق في سحب فتيل التفجير الوزير وائل أبو فاعور الذي اتضح أنه يبذل جهوداً في وقف أي محاولة لاعدام أحد العسكريين. لكن لم يستطع أحد أن يوقف استشهاد الدركي علي البزال، إذ سبق أن نشرت "النصرة" في 28 تشرين الثاني، صورته والسيف بجانب رقبته، ما دفع بعائلته إلى قطع الطرق والضغط بأقصى ما لديهم لانقاذ أبنهم، لكن المحاولات فشلت أمام عجز الحكومة، ونشرت "النصرة" في 5 ايلول، صورة البزال يتلقى رصاصة من الخلف، لكنها لم تنشر إلى اليوم أي فيديو، ولا يزال البعض يشكك في مقتله.
انسحاب قطر
وبعدها بأيام، (8 ايلول) أعلنت وزارة الخارجية القطرية "عدم إمكانية استمرار دولة قطر في جهود الوساطة لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين"، مشيرة إلى أن "قرار عدم إمكانية الاستمرار جاء نتيجة لفشل الجهود المبذولة "، ما دفع بـ"هيئة العلماء" بالظهور مجدداً بمبادرة جديدة تقضي أولاً بالافراج عن الدليمي والعقيلي ومن بعدها بدء التفاوض، لكن القضاء أصدر مذكرة توقيف في حق الدليمي وافرج عن العقيلي وقرر الامن العام الابقاء عليها لمبادلتها في المفاوضات.
وولمرة الثانية، فشلت "هيئة العلماء" في المرة الثانية في كسب تفويض من الحكومة، وباتت القضية بلا وسيط، إلى أن أطلّ الشيخ وسام المصري في نصف أيلول لينصّب نفسه وسيطاً، بعد زيارات جرود عرسال ولقائه "داعش" التي سلمته فيديو يحمل رسالة إلى من اسماهم "حلفاء فرنسا، الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط ورئيس"القوات" سمير جعجع"، واتهمتهم بالتعامل مع "حزب الله".
لم تفوّض "داعش" او الحكومة المصري ووصفه البعض بالمقرب من "حزب الله"، فأطلّ نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي منذ أيام معلناً موافقة "داعش" على وساطته وتنسيقه مع الوزير ابو فاعور الذي يحاول أن ينتزع تفويضاً من الحكومة لفليطي.
وفشلت كل الوساطات مع "داعش" ولم يعرف حتى اليوم مصير العسكريين المخطوفين لدى هذا التنظيم، ومرت أشهر إلى أن شهد الشهر الأخير من سنة 2015 تحرير العسكريين لدى "النصرة" في صفقة تبادل أتمتها الدولة اللبنانية مع التنظيم برعاية قطرية ومساهمة مؤسسة "لايف".



[email protected] 
Twitter: @Mohamad_nimer


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم