التركمان والاكراد حصانا الشطرنج ام صاعق التفجير؟
وسط المعارك الكثيرة على الارض السورية، لاح شبح حرب معنوية مرعبة بين #تركيا وروسيا بعدما صفع الروس الاتراك عندما فتحوا نيران طائراتهم على جبل التركمان شمال اللاذقية ورد الطيران الحربي التركي باسقاط "السوخوي" الروسية. مذاك كثرت السيناريوات للتطورات الممكنة بين جاري البحر السود حتى وصل بعضها الى توقع احتمال جرجرة العالم الى حرب كونية ثالثة!
موسكو شمرت عن سواعدها بعد المفاجأة الجوية التركية، اتهمت انقرة بدعم "داعش" والغت الرحلات الى تركيا واعادت العمل بنظام التأشيرة وشرعت في اتخاذ عقوبات اقتصادية قاسية ومنعت البضائع التركية من الدخول عبر جماركها وارسلت افضل دفاعاتها الجوية الى الارض السورية واثارت المسألة الارمنية في مجلس الدوما. وفي المقابل طرحت انقرة الاجراءات الروسية امام #الحلف_الاطلسي كتهديدات لها وله ولوحت بامكان اغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن والغواصات الروسية لمنع عبورها إلى البحر المتوسط ومنه ، وهو اجراء لم تقدم عليه انقرة في ذروة الحرب العالمية على رغم الضغوط الكبيرة من المانيا. ومع ذلك لايزال غالبية الخبراء والمعنيين في موسكو وانقرة يستبعدون اعلان حرب حقيقية بين البلدين، علما ان صفعة "السوخوي" هي بالتأكيد سبب كاف لتعكير العلاقة بين الدولتين.
على الارجح ان الحرب المباشرة لن ينجر اليها اي من الطرفين، لكن، ضبط النفس لن يوقف حربا بالوكالة على الارض السورية صارت معالمها واضحة، وهي لن تكون فقط بين الجيش السوري الذي تدعمه موسكو ومجموعات المعارضة السورية المسلحة التي تدعمها انقرة، بل بين تركمان #سوريا واكرادها.
من هم التركمان؟
الاقلية التركمانية ليست مجرد فصيل من فصائل المعارضة السورية، بل هي عزيزة جدا على قلب انقرة وهذا ما يفسر الغضب التركي الشديد من المس الروسي بها. فهذه الاتنية الموجودة خصوصا في تركمانستان في اسيا الوسطى، يوجد مجموعات صغيرة منها في شمال العراق وشمال غرب سوريا، وهي الاقرب ثقافيا الى الاتراك وتنطق لغتهم، وتتحرك تبعا لسياسات أنقرة منذ نهاية الدولة العثمانية وإعلان الجمهورية باعتبارها مجموعة "تركية" وإن لم تكن من مواطني الجمهورية، وهو ما دفع التركمان في منطقة بايربوجاق في شمال ولاية اللاذقية للانحياز الى جانب المعارضة السورية تماشيًا مع الموقف التركي، ومن ثم تكبد مواجهة نظام دمشق.
وكانت الحدود التركية السورية الحالية رسمت عام 1921، وفي اتفاق وقعته حكومة أنقرة الوليدة أنذاك قبل عامين من إعلان الجمهورية التركية (عام 1923) مع سلطة الانتداب الفرنسي في سوريا، وتضمن الاتفاق ضم سوريا مناطق مثل اسكندرون (هاتاي) وباير وبوجاق، غير أن تركيا والتي لملمت جروحها في الحرب العالمية الأولى استعادت بقيادة مصطفى كمال أتاتورك السيطرة على مناطق كردية وأرمنية، لكنها لم تنجح في السيطرة على المناطق التي قطنتها غالبية تركمانية نتيجة لضعف موقفها أمام فرنسا كقوة استعمارية كبيرة أنذاك، لتقتنص لاحقًا لواء الإسكندرون من دون منطقة بايربوجاق.
ويفيد موقع "ترك برس" ان هؤلاء التركمان اتوا الى هذه المنطقة أثناء العهد العثماني حين امر الباب العالي بتمركزهم فيها لتأمين طرق الحج، ليستمر وجودهم إلى اليوم، وهو ما يفسر وجود أقارب لهم في قلب الأناضول بتركيا، كما الحال مع السياسي التركي محمد شاندر المنتمي لحزب الحركة القومية، والذي يعتبر نفسه تركمانيًا من بايربوجاق التي يطالب باعتبارها أراضٍ تركية يجدر الدفاع عنها. ومن بين هذه الاراضي الاحياء التركمانية في جرابلس.
وجرابلس المدينة الواقعة غرب الفرات مباشرة في شمال سوريا، يقول الاتراك ايضا انها كانت جزءًا من ولاية عنتاب التركية. ومن هذه المدينة بالذات تريد انقرة اطلاق المنطقة الامنة في شمال سوريا، وصولًا إلى مارع الواقعة في محافظة حلب بسوريا على مسافة 90 كيلومتر، وهي خطة تهدف منها تركيا تدعيم مواقع المعارضة السورية، ووقف تمدد الأكراد في شمال شرق سوريا.
وبينما تستمر المعارك الشرسة بين التركمان وقوات الأسد للسيطرة على جبل برج قصب أو جبل التركمان، تدعم روسيا بوضوح الجيش السوري، في حين تحشد جهات تركية رسمية وغير رسمية اسلحة ومقاتلين للدفاع عن "أشقائهم" التركمان. وكانت صحيفة "جمهوريت" القومية، نشرت منذ أشهر صورًا لشاحنات تنقل السلاح للتركمان في شمال اللاذقية في إشراف الاستخبارات التركية.
هذه المنطقة بالذات تريدها حكومة دمشق والروس لتأمين مواقعهم في اللاذقية ومن ثم طرطوس جنوبا، لا سيما وأنها ستزيد الضغط على حلب وتؤمن تمامًا كل الساحل السوري حتى الحدود التركية لصالح النظام، وهي نقطة تفسر الصراع الشديد بين الطرفين والذي كان متوقعًا أن يتفاقم بأي شكل، لا سيما مع نزوح الاف التركمان الى جنوب تركيا، وهو ما تعتقد انقرة أنه تكثيف للضغط كي لا يعود أبدًا هؤلاء التركمان إلى بايربوجاق وتاليا توطين عائلات علوية موالية للأسد في أماكنهم، وهو خط أحمر بالنسبة لتركيا.
وبذريعة الدفاع عن الاشقاء التركمان ستحاول تركيا التعجيل بمسألة اقامة المنطقة الآمنة والسماح لكل الفصائل القومية حتى المتطرفة منها داخل تركيا بالحشد لدعم التركمان، كما جرى قبل ايام حين أعلن حزب الاتحاد الكبير القومي التركي عن إرسال مقاتلين متطوعين لبايربوجاق، حماية لتلك المنطقة قبل أن تستنزفها العملية الروسية ويضطر الجميع للجلوس الى طاولة المفاوضات، فالروس والأسد يريدون الجلوس على الطاولة وهم اكملوا سيطرتهم على كامل محافظتي اللاذقية وطرطوس، لتحقيق افضل نتيجة ديبلوماسية ممكنة، وهو نفسه ما لا تريده تركيا، والتي لعل إسقاطها للطائرة محاولة للتعجيل بالجلوس على الطاولة لايحقق الروس مبتغاهم، وليس فقط لحماية التركمان.
الورقة الكردية
لكن محاولة دمشق والروس انجاز السيطرة على جبل التركمان ومنع انقرة من اقامة المنطقة العازلة لن تكون وحدها ورقة الضغط الرئيسية على الاتراك فهذا وحده ليس كافيا لرد الصفعة التركية لروسيا وقلب المعادلات في سوريا، ذلك ان في المنطقة نفسها ( شمال سوريا المحاذي للحدود التركية) ، اقلية اخرى غير الاقلية التركمانية، هي الاكراد الذين يتنافس على كسب ودهم كل من الروس والاميركيين، وهم "العصا" الاكثر ايلاما لانقرة اذا ما رفعت في وجهها. وليس خافيا على احد التقارب الكبير الذي بدأت تظهره موسكو لاكراد سوريا والذي ترجم مساعدات سياسية وعسكرية قيمة لهم لاشك في انها ستزداد وتتوسع بعد "ضربة #السوخوي".
واذا كانت الدولة التركية تعاني من المشاكل الكردية في داخل تركيا من ثلاث جبهات هي، اولا جبهة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله اوج الان ، وثانيا جبهة مقاتلي قنديل ثانياً، وثالثا جبهة حزب الشعوب الديموقراطي ، فان جبهة رابعة اضيفت وهي جبهة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وبغض النظر إن كانت هذه الجبهات الكردية الأربعة متفقة او مختلفة في ما بينها، إلا أنها تمثل تحديات كبيرة لانقرة. ولقد أجرت القيادة التركية اخيرا اجتماعات مغلقة لدراسة هذه المخاطر ، لاسيما وان حزب الاتحاد الديموقراطي على الحدود السورية التركية يعني ان حزب العمال الكردستاني صار يملك جغرافيا واسعة على الحدود التركية على الأراضي السورية، فحزب الاتحاد هو الامتداد السوري لحزب العمال ، وتاليا فإن حزب اوج الان سيمتلك جبهة عسكرية واسعة الارجاء تمكنه تهريب الأسلحة إلى داخل تركيا، في وقت ارتفعت مشاعر الهوية السياسية الخاصة بالأكراد داخل تركيا بعد فوز حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا.
وفعلا فان موسكو شرعت حتى قبل ضربة "السوخوي" في إجراءات التقارب مع الأكراد السوريين بدءا بفتح إقليم "كردستان سوريا" مكتب تمثيل رسمي في روسيا بهدف تعزيز التعاون في القتال ضد تنظيم "داعش" وصولا الى تقديم المساعدات للمقاتلين الاكراد.
ومن جهته، فان حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي هو الآخر حريص على توطيد علاقته بروسيا واستفزاز الجانب التركي، فقبل زيارة وفده لروسيا ضم مدينة تل أبيض على الحدود مع تركيا إلى "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال سوريا، بعد طرد تنظيم "داعش" منها. كما نسق الجهود مع روسيا خلال مؤتمر تحت عنوان "مستقبل تشكيل تحالف دولي لمكافحة داعش" الذي عقد بمعهد البحوث الاستراتيجية في موسكو، وطالبوا فيه بتسليحهم، ومساعدتهم باقامة حكم ذاتي في سوريا تحت اسم "كردستان سوريا"، أو "غرب كردستان".
وحتى الان وصلت كانتونات حزب الاتحاد الديموقراطي من العراق حتى نهر الفرات، وإذا نجح في تجاوز غرب الفرات والوصول إلى جرابلس، فهذا يعني وصوله إلى الحدود التركية، وتحديدا إلى عفرين الملاصقة للواء اسكندرون ، وسيكون حزب الاتحاد الديموقراطي بذلك قد كوّن شريطا ممتدا على طول الحدود التركية الجنوبية.
وهنا يتساءل البعض ماذا سيكون هدفه التالي؟ هل هو الوصول إلى البحر المتوسط، حيث العائق الوحيد أمامه سيكون لواء اسكندرون؟ وهل سيفتح ذلك باب مواجات داخل اللواء؟
في اي حال فان هذا لن يحصل من دون تشتيت تمركز الشريط السكاني التركماني، الذي تساهم فيه فعلا الطائرات الروسية جوا. واذا طرد التركمان من هذه المنطقة فان وحدات الحماية الكردية هي المرشح الابرز لملء الفراغ غرب نهر الفرات، وستصل كانتونات الاكراد إلى حدود لواء اسكندرون "هاتاي". وهنا هل تكتفي انقرة بالتفرج ام انها ستدق النفير دفاعا عن "الاشقاء" المهدورة دمائهم خارج الوطن الام .. وعندها يقع المحظور الكبير حاليا؟