الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

‏التركمان والاكراد حصانا الشطرنج ام صاعق التفجير؟ ‏

المصدر: النهار
امين قمورية
‏التركمان والاكراد حصانا الشطرنج ام صاعق التفجير؟ ‏
‏التركمان والاكراد حصانا الشطرنج ام صاعق التفجير؟ ‏
A+ A-

وسط المعارك الكثيرة على الارض السورية، لاح شبح حرب معنوية مرعبة بين #تركيا وروسيا بعدما ‏صفع الروس الاتراك عندما فتحوا نيران طائراتهم على جبل التركمان شمال اللاذقية ورد الطيران الحربي ‏التركي باسقاط "السوخوي" الروسية. مذاك كثرت السيناريوات للتطورات الممكنة بين جاري البحر ‏السود حتى وصل بعضها الى توقع احتمال جرجرة العالم الى حرب كونية ثالثة!‏


موسكو شمرت عن سواعدها بعد المفاجأة الجوية التركية، اتهمت انقرة بدعم "داعش" والغت الرحلات ‏الى تركيا واعادت العمل بنظام التأشيرة وشرعت في اتخاذ عقوبات اقتصادية قاسية ومنعت البضائع ‏التركية من الدخول عبر جماركها وارسلت افضل دفاعاتها الجوية الى الارض السورية واثارت المسألة ‏الارمنية في مجلس الدوما. وفي المقابل طرحت انقرة الاجراءات الروسية امام #الحلف_الاطلسي كتهديدات ‏لها وله ولوحت بامكان اغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن والغواصات الروسية لمنع عبورها ‏إلى البحر المتوسط ومنه ، وهو اجراء لم تقدم عليه انقرة في ذروة الحرب العالمية على رغم الضغوط ‏الكبيرة من المانيا. ومع ذلك لايزال غالبية الخبراء والمعنيين في موسكو وانقرة يستبعدون اعلان حرب ‏حقيقية بين البلدين، علما ان صفعة "السوخوي" هي بالتأكيد سبب كاف لتعكير العلاقة بين الدولتين. ‏


على الارجح ان الحرب المباشرة لن ينجر اليها اي من الطرفين، لكن، ضبط النفس لن يوقف حربا ‏بالوكالة على الارض السورية صارت معالمها واضحة، وهي لن تكون فقط بين الجيش السوري الذي ‏تدعمه موسكو ومجموعات المعارضة السورية المسلحة التي تدعمها انقرة، بل بين تركمان #سوريا ‏واكرادها.‏


من هم التركمان؟


الاقلية التركمانية ليست مجرد فصيل من فصائل المعارضة السورية، بل هي عزيزة جدا على قلب انقرة ‏وهذا ما يفسر الغضب التركي الشديد من المس الروسي بها. فهذه الاتنية الموجودة خصوصا في ‏تركمانستان في اسيا الوسطى، يوجد مجموعات صغيرة منها في شمال العراق وشمال غرب سوريا، وهي ‏الاقرب ثقافيا الى الاتراك وتنطق لغتهم، وتتحرك تبعا لسياسات أنقرة منذ نهاية الدولة العثمانية وإعلان ‏الجمهورية باعتبارها مجموعة "تركية" وإن لم تكن من مواطني الجمهورية، وهو ما دفع التركمان في ‏منطقة بايربوجاق في شمال ولاية اللاذقية للانحياز الى جانب المعارضة السورية تماشيًا مع الموقف ‏التركي، ومن ثم تكبد مواجهة نظام دمشق‎.‎


وكانت الحدود التركية السورية الحالية رسمت عام 1921، وفي اتفاق وقعته حكومة أنقرة الوليدة أنذاك ‏قبل عامين من إعلان الجمهورية التركية (عام 1923) مع سلطة الانتداب الفرنسي في سوريا، وتضمن ‏الاتفاق ضم سوريا مناطق مثل اسكندرون (هاتاي) وباير وبوجاق، غير أن تركيا والتي لملمت جروحها ‏في الحرب العالمية الأولى استعادت بقيادة مصطفى كمال أتاتورك السيطرة على مناطق كردية وأرمنية، ‏لكنها لم تنجح في السيطرة على المناطق التي قطنتها غالبية تركمانية نتيجة لضعف موقفها أمام فرنسا ‏كقوة استعمارية كبيرة أنذاك، لتقتنص لاحقًا لواء الإسكندرون من دون منطقة بايربوجاق‎.‎
ويفيد موقع "ترك برس" ان هؤلاء التركمان اتوا الى هذه المنطقة أثناء العهد العثماني حين امر الباب ‏العالي بتمركزهم فيها لتأمين طرق الحج، ليستمر وجودهم إلى اليوم، وهو ما يفسر وجود أقارب لهم في ‏قلب الأناضول بتركيا، كما الحال مع السياسي التركي محمد شاندر المنتمي لحزب الحركة القومية، والذي ‏يعتبر نفسه تركمانيًا من بايربوجاق التي يطالب باعتبارها أراضٍ تركية يجدر الدفاع عنها. ومن بين هذه ‏الاراضي الاحياء التركمانية في جرابلس. ‏
وجرابلس المدينة الواقعة غرب الفرات مباشرة في شمال سوريا، يقول الاتراك ايضا انها كانت جزءًا من ‏ولاية عنتاب التركية. ومن هذه المدينة بالذات تريد انقرة اطلاق المنطقة الامنة في شمال سوريا، وصولًا ‏إلى مارع الواقعة في محافظة حلب بسوريا على مسافة 90 كيلومتر، وهي خطة تهدف منها تركيا تدعيم ‏مواقع المعارضة السورية، ووقف تمدد الأكراد في شمال شرق سوريا‎.‎


وبينما تستمر المعارك الشرسة بين التركمان وقوات الأسد للسيطرة على جبل برج قصب أو جبل ‏التركمان، تدعم روسيا بوضوح الجيش السوري، في حين تحشد جهات تركية رسمية وغير رسمية اسلحة ‏ومقاتلين للدفاع عن "أشقائهم" التركمان. وكانت صحيفة "جمهوريت" القومية، نشرت منذ أشهر صورًا ‏لشاحنات تنقل السلاح للتركمان في شمال اللاذقية في إشراف الاستخبارات التركية‎.‎


هذه المنطقة بالذات تريدها حكومة دمشق والروس لتأمين مواقعهم في اللاذقية ومن ثم طرطوس جنوبا، لا ‏سيما وأنها ستزيد الضغط على حلب وتؤمن تمامًا كل الساحل السوري حتى الحدود التركية لصالح النظام، ‏وهي نقطة تفسر الصراع الشديد بين الطرفين والذي كان متوقعًا أن يتفاقم بأي شكل، لا سيما مع نزوح ‏الاف التركمان الى جنوب تركيا، وهو ما تعتقد انقرة أنه تكثيف للضغط كي لا يعود أبدًا هؤلاء التركمان ‏إلى بايربوجاق وتاليا توطين عائلات علوية موالية للأسد في أماكنهم، وهو خط أحمر بالنسبة لتركيا‎.‎


‏ وبذريعة الدفاع عن الاشقاء التركمان ستحاول تركيا التعجيل بمسألة اقامة المنطقة الآمنة والسماح لكل ‏الفصائل القومية حتى المتطرفة منها داخل تركيا بالحشد لدعم التركمان، كما جرى قبل ايام حين أعلن ‏حزب الاتحاد الكبير القومي التركي عن إرسال مقاتلين متطوعين لبايربوجاق، حماية لتلك المنطقة قبل أن ‏تستنزفها العملية الروسية ويضطر الجميع للجلوس الى طاولة المفاوضات، فالروس والأسد يريدون ‏الجلوس على الطاولة وهم اكملوا سيطرتهم على كامل محافظتي اللاذقية وطرطوس، لتحقيق افضل نتيجة ‏ديبلوماسية ممكنة، وهو نفسه ما لا تريده تركيا، والتي لعل إسقاطها للطائرة محاولة للتعجيل بالجلوس ‏على الطاولة لايحقق الروس مبتغاهم، وليس فقط لحماية التركمان‎.‎


الورقة الكردية ‏


لكن محاولة دمشق والروس انجاز السيطرة على جبل التركمان ومنع انقرة من اقامة المنطقة العازلة لن ‏تكون وحدها ورقة الضغط الرئيسية على الاتراك فهذا وحده ليس كافيا لرد الصفعة التركية لروسيا وقلب ‏المعادلات في سوريا، ذلك ان في المنطقة نفسها ( شمال سوريا المحاذي للحدود التركية) ، اقلية اخرى ‏غير الاقلية التركمانية، هي الاكراد الذين يتنافس على كسب ودهم كل من الروس والاميركيين، وهم ‏‏"العصا" الاكثر ايلاما لانقرة اذا ما رفعت في وجهها. وليس خافيا على احد التقارب الكبير الذي بدأت ‏تظهره موسكو لاكراد سوريا والذي ترجم مساعدات سياسية وعسكرية قيمة لهم لاشك في انها ستزداد ‏وتتوسع بعد "ضربة #السوخوي". ‏


واذا كانت الدولة التركية تعاني من المشاكل الكردية في داخل تركيا من ثلاث جبهات هي، اولا جبهة ‏حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله اوج الان ، وثانيا جبهة مقاتلي قنديل ثانياً، وثالثا جبهة حزب ‏الشعوب الديموقراطي ، فان جبهة رابعة اضيفت وهي جبهة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، ‏وبغض النظر إن كانت هذه الجبهات الكردية الأربعة متفقة او مختلفة في ما بينها، إلا أنها تمثل تحديات ‏كبيرة لانقرة. ولقد أجرت القيادة التركية اخيرا اجتماعات مغلقة لدراسة هذه المخاطر ، لاسيما وان حزب ‏الاتحاد الديموقراطي على الحدود السورية التركية يعني ان حزب العمال الكردستاني صار يملك جغرافيا ‏واسعة على الحدود التركية على الأراضي السورية، فحزب الاتحاد هو الامتداد السوري لحزب العمال ، ‏وتاليا فإن حزب اوج الان سيمتلك جبهة عسكرية واسعة الارجاء تمكنه تهريب الأسلحة إلى داخل تركيا، ‏في وقت ارتفعت مشاعر الهوية السياسية الخاصة بالأكراد داخل تركيا بعد فوز حزب الشعوب ‏الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا‎.‎


وفعلا فان موسكو شرعت حتى قبل ضربة "السوخوي" في إجراءات التقارب مع الأكراد السوريين بدءا ‏بفتح إقليم "كردستان سوريا" مكتب تمثيل رسمي في روسيا بهدف ‏تعزيز التعاون في القتال ضد تنظيم ‏‏"داعش" وصولا الى تقديم المساعدات للمقاتلين الاكراد‎. ‎
ومن جهته، فان حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي هو الآخر حريص على توطيد علاقته بروسيا ‏واستفزاز الجانب التركي، فقبل زيارة وفده لروسيا ضم مدينة تل أبيض على الحدود مع تركيا إلى "الإدارة ‏الذاتية" الكردية في شمال سوريا، بعد طرد تنظيم "داعش" منها. كما نسق الجهود مع روسيا خلال مؤتمر ‏تحت عنوان "مستقبل تشكيل تحالف دولي لمكافحة داعش" الذي عقد بمعهد البحوث الاستراتيجية في ‏موسكو، وطالبوا فيه بتسليحهم، ومساعدتهم باقامة حكم ذاتي في سوريا تحت اسم "كردستان سوريا"، أو ‏‏"غرب كردستان‎".


وحتى الان وصلت كانتونات حزب الاتحاد الديموقراطي من العراق حتى نهر الفرات، وإذا نجح في ‏تجاوز غرب الفرات والوصول إلى جرابلس، فهذا يعني وصوله إلى الحدود التركية، وتحديدا إلى عفرين ‏الملاصقة للواء اسكندرون ، وسيكون حزب الاتحاد الديموقراطي بذلك قد كوّن شريطا ممتدا على طول ‏الحدود التركية الجنوبية‎.‎
وهنا يتساءل البعض ماذا سيكون هدفه التالي؟ هل هو الوصول إلى البحر المتوسط، حيث العائق الوحيد ‏أمامه سيكون لواء اسكندرون؟ وهل سيفتح ذلك باب مواجات داخل اللواء؟ ‏


في اي حال فان هذا لن يحصل من دون تشتيت تمركز الشريط السكاني التركماني، الذي تساهم فيه فعلا ‏الطائرات الروسية جوا. واذا طرد التركمان من هذه المنطقة فان وحدات الحماية الكردية هي المرشح ‏الابرز لملء الفراغ غرب نهر الفرات، وستصل كانتونات الاكراد إلى حدود لواء اسكندرون "هاتاي". ‏وهنا هل تكتفي انقرة بالتفرج ام انها ستدق النفير دفاعا عن "الاشقاء" المهدورة دمائهم خارج الوطن الام ‏‏.. وعندها يقع المحظور الكبير حاليا؟ ‏

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم